يضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإبرام صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار في غزة، تتضمن إفراج حركة "حماس" عن المحتجزين الإسرائيليين، في ظل استمرار حرب التجويع والقتل على الرغيف التي تمارسها قوات الاحتلال ليلًا ونهارًا ضد الفلسطينيين في القطاع. لكن السؤال الجوهري: هل هناك فرصة حقيقية لإبرام صفقة تضمن الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية؟
ترامب يكرر دعوته على منصته الخاصة "تروث سوشيال"، قائلًا: "أبرموا صفقة في غزة.. استرجعوا الرهائن!". لكن هل يستجيب حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاتفاق يُخرجه من لعبة التراقص بين الجبهات: من إيران إلى غزة، مرورًا بجنوب لبنان، ووصولًا إلى الحوثيين في أقصى الجنوب؟ يجيد نتنياهو الرقص على الحبال، ويتقن لعبة التوازن التي تضمن بقاءه في قمرة القيادة.. هو لا يريد السلام، بل يريد "سلامه الخاص"، وهو مستعد للرقص على أكثر من جبهة ما دامت النار لم تصل إلى ثيابه، كما يردد خصومه.
وهنا يبرز السؤال بصيغة أخرى: هل نحن أمام لحظة نضج لصفقة تبادل ووقف إطلاق نار أم أننا بصدد جولة جديدة من المناورة الإسرائيلية المعتادة؟ في الواقع، يواجه نتنياهو مجموعة ضغوط داخلية وخارجية تدفعه تارة نحو الصفقة، وتعيده تارة أخرى إلى المماطلة. داخليًا، يواجه رأيًا عامًا قلقًا بشأن مصير الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، وفشل حكومته في إعادتهم رغم ما ألحقه جيشه من دمار واسع بقطاع غزة.
أهالى المحتجزين لا يزالون يتظاهرون في شوارع تل أبيب ومدن أخرى، مطالبين بإبرام صفقة تُعيد أبناءهم أحياء. في المقابل، يخشى نتنياهو إبرام صفقة قد تفجر تحالفه مع رموز اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يعارضان أي اتفاق "يبقي "حماس" في غزة"، وهو ما قد يؤدى إلى إسقاط حكومته وفتح الباب أمام محاكمته بتهم الفساد.
خارجيًا، لا يواجه نتنياهو فقط ضغوط واشنطن، بل أيضًا انتقادات أوروبية متصاعدة تتحدث عن "جرائم حرب" في غزة، وضرورة وقف عمليات القتل والتجويع المتعمد لطالبي المساعدات الإنسانية. المنظمات الدولية تجد نفسها عاجزة أمام ما وصفه مراقبون بأنه أوسع عملية إبادة لشعب أعزل في القرن الحادي والعشرين. ومع كل هذا التاريخ الطويل من المناورات الذي يميز نتنياهو منذ ثلاثة عقود، تشير المعطيات الميدانية إلى انفراجة نسبية في جبهة غزة، قد تفضىدي إلى اتفاق مرتقب يتضمن هدنة لمدة 60 يومًا، على أمل الانتقال إلى مرحلة سياسية لاحقة، بحسب تصريحات وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي.
الهدوء النسبي الذي أعقب وقف التصعيد الإيراني - الإسرائيلي، وتكثيف الوساطة الثلاثية (الولايات المتحدة، مصر، قطر)، وتصريحات أمريكية متزايدة تطالب بـ"تسوية شاملة تبدأ بالإفراج عن الرهائن"، والحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمنطقة، كلها مؤشرات تعزز احتمال التوصل إلى صفقة. لكن.. هل "حماس" جاهزة للتوقيع؟ الإجابة بنعم قد تكون مضللة. فالحركة لا تزال تتمسك بشروط واضحة: وقف دائم للعدوان، انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي، وصفقة تبادل شاملة للأسرى. في المقابل، تصر إسرائيل على شروط أمنية صارمة، أبرزها إبعاد قادة "حماس" من غزة وتفكيك بنيتها العسكرية والسياسية.
نتنياهو يبدو محاصرًا بين ضغط الداخل ومطالب الخارج، لكنه لا ينوي، على الأرجح، الرضوخ الكامل للضغوط إسرائيلية كانت أم أمريكية. سيحاول المناورة، كالعادة، لتقديم "تنازل محدود" يرضي واشنطن دون أن يغضب شركاءه اليمينيين أو يضعف صورته الأمنية أمام أنصاره. نعم، قد يقبل نتنياهو بصفقة، لكن وفق شروط تحفظ له ماء الوجه، وتضمن ألا تحظى "حماس" بأي نصر معنوي.. وإلا "انهار المعبد فوق رأسه".
(الشروق المصرية)