لا تزال المفاوضات الايرانية - الأميركية مُجمدة منذ عملية "الأسد الصاعد" التي شنّتها اسرائيل على طهران خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، رغم وجود "نوايا" حقيقية لدى الطرفين باستئنافها للتوصل الى اتفاق نووي جديد. ولكن طهران، التي تراقب عن كثب تطورات الأمور، تربط بين العودة الى طاولة المباحثات ووجود ضمانات بعدم تعرضها لهجمات أميركية، وذلك بحسب ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي. وينطلق "توجس" طهران من وجود عدة مؤشرات ودلائل تُجمِع على امكانية سقوط الهدنة الهشّة في أي وقت لغياب الاتفاق ذات البنود الواضحة واستمرار التجاذب الحاد في ما يخص موضوع تخصيب اليورانيوم الذي يحتل صدارة العُقد.
من جانبه، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه "لا يعرض شيئًا" على إيران "على عكس (الرئيس الأسبق باراك) أوباما الذي منحها مليارات الدولارات". وقال: "لا أتحدث معهم حتى، بما أننا دمرنا منشآتهم النووية بالكامل". ولا يزال هذا التدمير مدعاة سجال وتقييم داخلي وخارجي على السواء، خاصة أن العديد من التقارير الاستخباراتية تشكك بهذه الرواية وتدحضها وتؤكد أن الضربات أعاقت برنامج طهران النووي لعدة أشهر فقط. وأمام هذه التطورات، يسعى النظام الايراني الى تحسين علاقاته بدول الخليج وذلك بعد سنوات طويلة من "المدّ والجزر" نتيجة السياسات المتبعة في الدول العربية والتدخل في شؤونها عبر وكلاء ايران وأذرعها.
الا ان ما بعد حرب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ليس كما قبله، فايران قد تلقت العديد من الضربات في "محورها" و"عامودها الفقري" والذي تسبب بمقتل كبار قيادات "حزب الله" كما السقوط المدوي للنظام السوري المُنفذ لمشاريع طهران التوسعية في المنطقة وما رافق ذلك من ضربات على الحوثيين في اليمن. ومن هنا يأتي الانفتاح على الدول الخليجية وتعزيز الحوار والتنسيق معها خاصة انها بمعظمها تلعب أدوارًا مهمة في تعزيز الوساطات وتغليب لغة الحوار ناهيك عن علاقاتها المتميزة مع إدارة ترامب والذي افتتح جولاته الخارجية بزيارة وصفت بـ"التاريخية" الى كل من السعودية والامارات وقطر.
فلسطينيًا، اعترف الجيش الإسرائيلي، لأول مرة، بتعرض مدنيين فلسطينيين "للأذى" بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الانسانية في قطاع غزة. وقال إن "تعليمات جديدة صدرت للقوات بناء على الدروس المستفادة". واذ تحدث عن "مراجعة" الحوادث، لا يمر يوم دون سقوط شهداء وجرحى برصاص الاحتلال خلال معركة الحصول على المعونات الغذائية بسبب غياب المواد الأساسية وشحّ السلع وارتفاع أسعارها بشكل جنوني ما دفع اهل القطاع الى اعتماد مبدأ "المقايضة". وتدور الشبهات بشأن "مؤسسة غزة الانسانية" والنوايا المبيتة خلفها لاسيما لجهة تهجير الفلسطينيين عبر اعتمادها نموذج جديد لتوزيع المساعدات وصفته الأمم المتحدة بأنه "غير محايد".
بالتزامن، نبهت "منظمة الصحة العالمية" الى أن الأوضاع في القطاع تجاوزت "الكارثية"، محذرة من مخاطر استمرار منع إدخال الإمدادات الطبية والغذائية والوقود إلى المرافق الصحية والاستشفائية التي لا تزال تعمل في القطاع، ولو بالحد الأدنى. وكانت منظمات دولية عديدة دقت ناقوس الخطر ورفعت الصوت عاليًا الا ان تل أبيب ترفض كل هذه التهم وتضع الكرة في ملعب حركة "حماس" وما تسميه سرقتها للمساعدات. وأمام هذا الواقع المزري، لا تزال الانظار شاخصة على المساعي الحثيثة التي يقوم بها الوسطاء من أجل التوصل الى اتفاق لوقف النار خاصة أن الرئيس الاميركي يمارس ضغوطًا شديدة لابرام صفقة شاملة تنهي الحرب وتعيد الرهائن المحتجزين، الا أن تعنت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يحول دون تحقيق أي نتائج ملموسة خاصة لجهة رفضه الحديث عن انهاء الحرب.
ويعتبر نتنياهو أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد، حيث أن "حماس" لا تزال تمتلك وجودًا ميدانيًا، من وجهة نظره، ما يحتم استمرار القتال رغم تعالي العديد من الاصوات السياسية والشعبية الداخلية في اسرائيل للمطالبة بوقف الحرب فورًا. ولكن حسابات نتنياهو الشخصية قد لا تتوافق مع حسابات عائلات الأسرى لان الاخير يسعى لانقاذ مستقبله السياسي بأي ثمن والتهرب من قضايا الفساد المرفوعة ضده بدعم واضح من الرئيس الأميركي الذي طالب مرارًا وتكرارًا بوقف محاكمته واصدار "عفو" عنه. ويضغط ترامب على المؤسسة الاسرائيلية ملوحًا باستخدام ورقة المساعدات العسكرية كأداة ضغط في هذا المسار، ما سبب امتعاضًا اسرائيليًا وصل الى حد اصدار عائلات الرهائن بيانًا ندّدت فيه بـ"التدخل السافر"، متحدثة عن "بوادر مقلقة تبين أن ترامب يهتم بنتنياهو أكثر مما يهتم بالمحتجزين".
هذا وستحسم الزيارة المرتقبة لنتنياهو إلى واشنطن ملامح "المرحلة التالية"، التي تبدو أنها تترنح بين خيارين لا ثالث لهما وهما: إما استمرار التصعيد بالتزامن مع محاكمة نتنياهو أو إنهاء الحرب وعقد تسوية قضائية "تحرّر" نتنياهو من أعباء المحاكمة. وبالتالي يمكن القول ان التوصل الى صفقة دخل في اطار "البازار" السياسي الشخصي لرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي سيساوم حتى الرمق الأخير لتحصيل مكاسب خاصة بعدما فشل في تحقيق كل أهداف الحرب التي رفعها وأهمها تحرير الأسرى واعادتهم سالمين الى ذويهم. في المقابل، برز تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي بشر بأن "الحرب الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة اقتربت من نهايتها".
ومن غزة الى سوريا، حيث أعلنت المتحدثة بإسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن الرئيس ترامب وقّع أمرًا تنفيذيًا لإنهاء العقوبات على سوريا، موضحة أن هذا القرار الذي دخل حيّز التنفيذ اليوم، الثلاثاء، يبقي العقوبات على الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مساعديه وتنظيم "الدولة الإسلامية"، كما بمن وصفتهم بوكلاء إيران. وقبل هذه الخطوة، أشار ترامب الى أن "رفع العقوبات عن سوريا يدعم أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية"، مشددًا على ان "سوريا الموحدة التي لا توفر ملاذًا آمنًا للمنظمات الإرهابية وتضمن أمن أقلياتها ستدعم أمن وازدهار الإقليم".
وعقب التوقيع، سارعت دمشق الى الترحيب على لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني الذي أكد أن "رفع العقوبات عن سوريا يساعدنا في الانفتاح على المجتمع الدولي". وتحاول دمشق تخطي تداعيات الحرب الدموية التي استمرت 14 عامًا وتركت خلفها أضرارًا جسيمة في البنى التحتية والقطاعات الانتاجية. في غضون ذلك، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين اشارتهم الى أن إدارة ترمب تجري "مباحثات تمهيدية" لإبرام اتفاق أمني محتمل بين إسرائيل وسوريا. وتتضارب حتى الساعة المعلومات بشأن مستوى التفاوض والقضايا المطروحة، ولكن التسريبات الاعلامية تشي بأن تل أبيب ترفض التنازل عن هضبة الجولان في أي محادثات او اتفاقيات يُمكن أن تُبرم.
أما لبنانيًا، فالأوضاع الامنية تحتل صدارة الاولويات خاصة أن التمادي الاسرائيلي يشكل عبئًا على الحكومة التي تسعى لانهاء الاحتلال وتوفير الدعم اللازم للبدء بعملية اعادة الاعمار. وكان الرئيس جوزاف عون أكد، خلال لقائه قائد قوات "اليونيفيل" الجديد الجنرال ديوداتو أبانيارا "أن الظروف الراهنة تفرض، أكثر من أي وقت مضى، بقاء القوات الدولية في الجنوب لتعمل مع الجيش اللبناني على المحافظة على الاستقرار والأمن فيه"، مشددًا على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال الخمس، لتمكين الجيش اللبناني من استكمال انتشاره حتى الحدود المعترف بها دوليًا.
وقد تناولت الصحف العربية الصادرة اليوم مختلف المواضيع التي تلقى اهتمامًا محليًا ودوليًا. وإليكم موجز عنها:
أشارت صحيفة "عكاظ" السعودية الى أن "مبادرة الرئيس ترامب لوقف إطلاق النار بين اسرائيل وايران هي بمثابة هدنة صامتة، غير ملزمة لطرفَي الصراع، لا محاولة جادة لإنهاء الصراع والبدء جديًا في تبصّر خطة عملية لإرساء سلام جدي في المنطقة"، معتبرة أن "الخاسر الحقيقي في موجة الصراع الأخيرة في المنطقة، هي إسرائيل التي فقدت ميزة الردع الإستراتيجي، التي تمتعت بها حتى السابع من أكتوبر 2023. فإسرائيل لم تعد ذلك "البعبع"، الذي يخشاه الجميع..".
صحيفة "الصباح" العراقية، لفتت الى أن "الرد الإيراني لم يكن وليد اللحظة بل جاء بعد تراكم من التهديدات والاعتداءات تدرجت من اغتيالات إلى استهداف بنى تحتية عسكرية حساسة، ومع ذلك بدا أن طهران قرأت المعركة بدقة فهي لا تبحث عن حرب مفتوحة؛ لكنها لن تتردد في توجيه ضربة موزونة توقظ العدو دون أن تشعل المنطقة بالكامل". وخلصت الى أن "توازنات المنطقة لم تعد كما كانت، وإذ يعتقد البعض أن المعركة انتهت فإن الوقائع تشير إلى أنها بدأت تأخذ شكلًا جديدًا، صراع يتنقل بين الساحات ويكتب فصوله على أكثر من جبهة ويبقي سؤال "من المنتصر؟" مفتوحًا… بانتظار الجولة القادمة".
من جانبها، شدّدت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "دعوة ترامب إلى ضرورة إبرام صفقة في غزة ترتكز على وقف الحرب وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين تمثل خطوة مهمة باتجاه إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ أكتوبر 2023"، موضحة أن "منطق القوة والعدوان الذي يتبناه اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم أثبت فشله، خاصة أن جيش الاحتلال لم يحقق أهدافه سواء في القضاء على المقاومة الفلسطينية أو تحرير محتجزيه لدى الفصائل الفلسطينية وأن المفاوضات واتفاق وقف إطلاق النار وحده فقط من سيفضي إلى إطلاق سراح الرهائن".
وضمن السياق عينه، أكدت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس جديدًا، لكنه يدخل اليوم مرحلة مأساوية تستوجب إعادة نظر جادة من قبل المجتمع الدولي"، منبهة الى أن "استمرار هذا الوضع الكارثي لا يشكل خطرًا على الفلسطينيين وحدهم، بل يهدد استقرار المنطقة بأسرها، ويقوض مبادئ القانون الدولي، ويعزز ثقافة الإفلات من العقاب التي قد تتكرر في مناطق أخرى"، بحسب تعبيرها.
وتحت عنوان "ما السبيل للخروج من دوامة السلاح"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية من جديد، "يعود ملف السلاح في لبنان إلى الواجهة، لكن هذه المرة من بوابة المقاربة الأميركية الجديدة التي حملها الموفد توم باراك تحت عنوان "الخطوة خطوة"، في محاولة لإحداث خرق في الجمود القاتل الذي يلفّ ملف حصر السلاح بيد الدولة"، جازمة أن "مصلحة الجميع تكمن في دولة قوية تستعيد ثقة الداخل والخارج، لا في دويلات متنازعة على أرض واحدة، تُنفّر الشقيق والصديق، وتُبعد الجميع عن تقديم الدعم والمساندة".
الموضوع نفسه قاربته صحيفة "الجريدة" الكويتية التي أبرزت أن "حزب الله يربط سلاحه بالواقع الإقليمي، لا سيما الوضع في سورية، حيث يرى أن أي تحوّل في بنية النظام القائم هناك يمثّل خطرًا وجوديًا عليه، ويستوجب الاحتفاظ بقدراته الدفاعية"، مضيفة "يجد لبنان نفسه أمام مشهد سياسي مأزوم: ضغوط خارجية متصاعدة، واستقطاب داخلي حاد، وخلافات جوهرية داخل الحكومة نفسها. ومع استمرار الخلاف على الملفات الكبرى، من قانون الانتخاب إلى سلاح "حزب الله"، لا يُستبعد أن يكون المسار الطبيعي للأحداث هو انفجار الحكومة، في حال فشلت الأطراف في التوصل إلى تفاهمات الحد الأدنى".
(رصد "عروبة 22")