لكن في المقابل، فإن "يوتيوب" تحديدًا دونًا عن باقي منصّات التواصل، قدّم خدمةً للمهاجرين عامةً والعرب خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة عبر قنوات تعليم الطبخ السهل خطوةً بخطوة، فمع تزايد أعداد الشبّان السوريين اللاجئين في مختلف أنحاء العالم، والذين اضطرّوا لمغادرة بلدهم من دون عائلاتهم، زادت معدّلات مشاهدات محتوى الطبخ في "يوتيوب"، فتحوّلت مع الوقت إلى أكثر الوسائل الناجحة في تعليم الطبخ، خاصةً مع اتجاه أعداد كبيرة من محترفي ومحترفات الطبخ إلى نشر وصفاتهم ضمن مقاطع مصوّرة، تشرح بطريقة تفصيلية كيفية طهي وتقديم أشهر المأكولات العربية.
"حسام" غادر سوريا في وقت مبكر من العام 2012 وكان يبلغ من العمر 24 عامًا، في ذلك الوقت لم يكن يملك أدنى معرفة في الطبخ سوى "قلي البيض" حسب تعبيره، لافتًا إلى أنه في تلك الفترة حاول تعلّم الطبخ ذاتيًا ولكنه لم ينجح في ذلك، لا سيّما وأنّ محتوى الطبخ حينها لم يكن منتشرًا كما هو عليه اليوم، فكان يستعين بزميلات العمل لتعلّم وصفة ما، وهي الطريقة التي غالبًا لم تكن مجدية بسبب أنها قائمة على "الشرح النظري".
ويقول حسام لـ"عروبة 22": "خلال الأشهر الأولى (من الهجرة) لم أتمكّن من طهي أي طبق بشكل جيّد، وكل المحاولات كانت تنتهي بطبخة إما فاشلة أو شبه مقبولة، وكنت غالبًا أتّجه إلى الوجبات الجاهزة التي لم أكن أفضّلها ولكنني كنت مجبرًا عليها، غير أنّ الأمور تغيّرت خلال العام 2014 مع بداية ظهور بعض مقدّمي محتويات الطبخ العربي على موقع يوتيوب، والتي مكّنتني أخيرًا من أن أستمتع بأطباق شهية من صنع يدي".
يؤكد حسام أنه "خلال أسابيع قليلة" تمكّن من طبخ الكثير من الأطباق السورية والعربية الشهيرة، التي لم يكن يتخيّل أنه سيتمكن من إعدادها بيديه في يوم من الأيام، كالمحاشي والشاورما والكبّة والمقلوبة وغيرها من الأكلات الصعبة، مقيّمًا تجربته مع هذا النوع من المحتوى الالكتروني بأنها "ناجحة جدًا" وقدّمت له خبرة إضافية في الحياة بات معها قادرًا على إطعام نفسه دون الحاجة لمعونة.
مطبخ انترناسيونال... ومركز ثقافي
لا تقتصر مشكلة الأكل السوري أو العربي عمومًا على الشباب في المهجر فقط، بل تمسّ الأسرة العربية بشكل عام في بلاد المهجر. تجربة "سناء" في أستراليا مع الطبخ كان لها طعم آخر، فتصف مطبخها اليوم بأنه أشبه بمركز ثقافي وتقول لـ"عروبة 22":" بالرغم من أنني أتقن الطبخ منذ زمن إلا أنني كنت أعتمد على والدتي في "الأكلات الثقيلة" مثل الكبب وورق العنب على سبيل المثال، وأعتمد على المطاعم التي توصل الطعام الجاهز إلى المنازل مثل الشيش طاووق والسوبريم والبروستد والشاورما التي لم يكن أحد يُعدّها في المنزل، أما الحلويات الشرقية والغربية فلها محلات شهيرة في دمشق نقصدها متى أردنا، أما اليوم، وبعد 13 عامًا من الزواج هنا في آدلايد، فأصبحتُ بفضل "يوتيوب" خبيرة في طهي كل ما ذكرته لكِ، وأصبحتُ قادرة على صنع الحلويات الغربية والشرقية حتى أنني أصنع البقلاوة والهريسة والنابلسية بطريقة احترافية، كما أصبحت متعددة الثقافات لإتقاني فنّ الطبخ المغربي والتونسي واليوناني والإيطالي والفرنسي والأسترالي، أي بت مطبخي بمثابة مركز ثقافي".
في السياق ذاته، يعرض رأفت تجربته مع قنوات تعليم الطبخ على منصة "يوتيوب"، فهو كان قد وصل إلى أوروبا عام 2015، لم يكن لديه حينها دخل سوى المساعدات المالية التي كان يتلقاها ولا تمكّنه من الاعتماد على الوجبات الجاهزة باهظة الثمن في أوروبا، ناهيك عن أنّ "الوجبات الحلال" تصل إلى ثلاثة أضعاف تكلفة إعداد الطعام المنزلي، ومن هنا كان لا بدّ له من اتخاذ الخطوة والاعتماد على محتوى الطبخ في "يوتيوب" ليس فقط كوسيلة لإعداد الطعام، وإنما كوسيلة لإدارة حياته ونفقاته بشكل أفضل كما يقول.
من "الحاجة"... إلى "الاحتراف"
أما لـ"محمد" فقصة أخرى، فهو تابع قنوات الطبخ كحاجة ملحّة لإعداد الأطباق السورية التي حُرم منها في غربته، لكن مع مرور الوقت بدأ ينتقل إلى "المطابخ العربية" فتعلّم الكثير من الأطباق العربية من المحيط إلى الخليج على حدّ تعبيره، ليكتشف أنه يستمتع بالطبخ، وليصبح إعداد الطعام موهبته الأولى والوحيدة تقريبًا.
يؤكد محمد لـ"عروبة 22" أنه بات قادرًا ليس على الطبخ بشكل منفرد فحسب، بل بإمكانه إدخال بعض التعديلات على وجباته، كـ"لمسة خاصة" به، لافتًا إلى أنّ "بعض قنوات تعليم الطبخ تضيف معلومات مفصّلة حول المكوّنات وأسباب إعداد هذه المأكولات بهذه الطريقة أو تلك، إلى جانب عرض معلومات صحّية عامة، وهو ما حوّلها فعليًا إلى قنوات تعليم احترافي أكثر من كونها مجرّد عرض لطريقة طبخ".
وإذ يؤكد أنه اليوم بات يفكّر في "إنشاء قناة طبخ خاصة" به على يوتيوب، يضيف محمد: "المحتوى الذي أفكّر في تقديمه، لا أقول إنه احترافي بقدر ما هو محاولة لمساعدة كل من يمرّ حاليًا بالظروف ذاتها التي مررت بها سابقًا، بطريقة سهلة وغير معقّدة، خصوصًا وأنّ ثقافة الوجبات الجاهزة في هذه البلاد تعني طعامًا غير صحي، وغالي الثمن على عكس الوجبات الجاهزة في بلادنا التي تمتاز بالتنوّع والأسعار المعقولة نوعاً ما، أما السبب الثاني لإطلاق قناتي فهو تحويل الطبخ بالنسبة لي من مجرّد هواية إلى احتراف، وبالتأكيد سألتحق بدورات مختصّة ضمن برنامج إعادة التأهيل المهني هنا في ألمانيا، كي أستطيع أن أفتتح مشروعي الخاص، بخاصة أنّ الكثير من أصحاب قنوات محتوى الطبخ باتوا اليوم أصحاب مشاريع لا يُستهان بها وعلى قدر كبير من الشهرة، وأصبحوا يشكلون قصص نجاح أتمنى أن أكون واحدًا منهم في وقت قريب".
(خاص "عروبة 22")