صحافة

"المشهد اليوم"…مؤشرات هدنة غزّة تتصاعد والاثنين موعد الحسمسوريا تطلق الهوية البصرية الجديدة واسرائيل تلاحق "فيلق القدس" الإيراني في لبنان

فلسطينية تنتحب فوق جثمان أحد أقربائها الذي قُتل في غارة إسرائيلية على مستودع لتوزيع المساعدات الإنسانية وسط غزة (أ.ف.ب)

يعيش أهل غزة على أمل التوصل الى اتفاق لوقف النار يقيهم وعائلاتهم من "شبح" الموت المجاني، إما قصفًا في خيمهم أو قنصًا في نقاط توزيع المساعدات الانسانية أو جوعًا نتيجة الحصار المُطبق الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ شهر آذار/ مارس الماضي. ويتصاعد الحديث عن هدنة محتملة نتيجة ضغوط أميركية غير مسبوقة تداخلت مع جهود حثيثة يبذلها الوسطاء القطريون والمصريون لتقليص الاختلافات وحلحلة العقد، فيما تبدو واشنطن الركيزة والمحرك الاساسي انطلاقًا من رغبات رئيسها دونالد ترامب بأن يكون "صانعًا للسلام" وأن يُنسب اليه بأن له اليد الفضلى في فرض إتفاق وقف النار.

وهذا الاسلوب "الترامبي"، إن صح التعبير، سبق ولمسناه في الاتفاق الذي عُقد "في ظلام ليل" مع الحوثيين في اليمن ومثله في ايران بعد حرب الـ12 يومًا دون معرفة البنود التي تم على أساسها الاعلان عن وقف العمليات العسكرية. فأسلوب المباغتة والاتفاقات السريعة هي ما تعمل عليه الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وهو ما يبدو صالحًا ايضًا اليوم في قطاع غزة حيث يسيطر "تفاؤل حذر" على امكانية حدوث خرق ما بعد معلومات عن توجه حركة "حماس" للقبول بالمقترح الاميركي المعروض عليها بصيغته الحالية. ووفق كل المعطيات، فإن الاتفاق الحالي ينص على وقف النار لمدة 60 يومًا يتخللها اطلاق سراح 10 أسرى اسرائيليين أحياء و18 جثة وفق جدول زمني محدّد، بينما سيتم في المقابل ادخال المساعدات الانسانية فورًا وبمشاركة الأمم المتحدة والهلال الأحمر.

كما تنص بنود الاتفاق على انسحاب اسرائيلي من مناطق في شمال غزة وجنوبها وفق خرائط مُتفق عليها على أن تبدأ فور سريان الهدنة مفاوضات جادة من أجل تحقيق وقف دائم لاطلاق النار مع وجود ضمانات أميركية في هذا الاطار. وقد سبق لاسرائيل أن أعلنت موافقتها بانتظار الرد من الجانب الفلسطيني، حيث باتت الكرة اليوم في ملعب "حماس" التي تدرك انها في مرحلة شديدة الحساسية وأن الرفض سيؤدي الى المزيد من الدم والخراب وسيمنح اسرائيل "فرصة ذهبية" لاستكمال حرب الابادة. وبناءً على ذلك سيكون البيت الابيض محط أنظار، حيث نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين، لم تسمهم، قولهم إن "ترامب يعتزم إعلان اتفاق لوقف إطلاق النار الاثنين المقبل خلال اجتماعه مع (رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو".

بدورها، أشارت "هيئة البث الإسرائيلية" الى أن القضايا العالقة بين الطرفين تشمل آلية انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، توزيع مناطق الانسحاب، وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين قد يُفرج عنهم، بالإضافة إلى مسألة إنهاء الحرب. هذا وكان الرئيس ترامب عقب بتصريح على ما يجري تداوله بالقول "أريد للناس في غزة أن يكونوا بأمان، هذا هو الأهمّ"، مضيفًا "أريد الأمان للناس في غزة، لقد مرّوا بجحيم". والمفارقة أن الولايات المتحدة التي زودت ولا تزال اسرائيل بالعتاد والذخائر وغضت النظر عن كل الجرائم المرتكبة على مدار أكثر من 20 شهرًا وأعاقت قرارات مجلس الامن الدولي مرات عديدة تقف اليوم "بحزم" من أجل تبني وقف للنار، الا ان هذا ليس محض صدفة او "استفاقة ضمير" ولكن ترامب يريد تحقيق "انتصار جديد" من البوابة الغزاوية بعد فشل كل محاولات وقف حرب أوكرانيا وعدم تحقيق أي تقدم يُذكر.

كما ان الاولوية اليوم تجنح باتجاه اتفاقيات التطبيع التي يُكثر الحديث عنها وستكون بمثابة "هدية" لاسرائيل في حال تحققت لانها ستمنحها قوة اضافية وستكرسها كقوى في المنطقة. ناهيك عن زيادة الضغوط الشعبية على نتنياهو لابرام صفقة فورًا واطلاق سراح الرهائن الذين توعد بأخر تصريح له بإعادتهم جميعًا، دون أن نغفل الانتقادات الشديدة التي تواجهها تل أبيب، حتى من أقرب الحلفاء، نتيجة سياسة التجويع الممنهجة ووقف المساعدات. وعليه تراكمت الاسباب التي جعلت ترامب ونتنياهو يقرران "صناعة السلام" فجأة وفق معاييرهما وبشروطهما خاصة أن "حماس" فقدت الكثير من أوراقها التفاوضية مع اغتيال كبار قادتها وشخصياتها وقضم الاحتلال المزيد من اراضي القطاع.

انسانيًا، يتجه الوضع من سيء لأسوأ حيث تتعمق المأساة اليومية ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من التحذير من أن "آخر شرايين البقاء على قيد الحياة على وشك الانقطاع" جراء إغلاق إسرائيل لمعابر القطاع. فيما اتهم المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "مرتزقة أميركيين" بقتل 550 فلسطينيًا في غزة خلال شهر واحد، محملًا مجلس أوروبا والمفوضية الأوروبية نتيجة ما يحصل بسبب "التزام سياسة الصمت". وانتقاد بوريل يأتي بالتزامن مع تعالي الأصوات المندّدة بالآلية المتبعة من قبل "مؤسسة غزة الانسانية" بعدما تحولت نقاط التوزيع الى "مصائد للقتل الجماعي" ورحلة محفوفة بكل أنواع المخاطر للحصول على كيس طحين أو كرتونة مساعدات ما يخالف كل قوانين وتشريعات حقوق الانسان التي تنقدها اسرائيل دون أي رادع أو وازع.

ومن غزة الى الضفة الغربية المحتلة حيث تتصاعد حدة العمليات العسكرية الاسرائيلية وجرائم المستوطنين ضد العائلات الفلسطينية التي تجد نفسها كل يوم مجبرة على الرحيل من منازلها وترك ممتلكاتها وأرزاقها بظل صمت دولي مريب وعجز مخيف من قبل السلطة الفلسطينية على التصدي لمخططات الاستيطان الآخذة بالتوسع. في حين تصدر قوات الاحتلال اوامر يومية بهدم عشرات المنازل في مخيمات طولكرم وجنين ونابلس في ما يوصف بأكبر عملية تهجير تحصل حاليًا على مرأى من العالم أجمع. ووفق بيانات "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الحكومية" الفلسطينية، فإن اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي أدت إلى رحيل نحو 30 تجمعًا فلسطينيًا منذ تصعيد إسرائيل عدوانها بالضفة بالتزامن مع بدء الحرب على قطاع غزة.

في سياق أخر، أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع "الهوية البصرية" الجديدة للدولة، وذلك في مراسم شعبية ورسمية حافلة. وقد حملت كلمته الكثير من الرسائل السياسية للداخل السوري أبرزها تمسكه بالحفاظ على الوحدة حين قال "الهوية التي نطلقها اليوم تعبر عن سوريا التي لا تقبل التجزئة ولا التقسيم وهي من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها واحدة موحدة". وخلال الحفل كُشف عن رمز الدولة الجديد وهو عبارة عن طائر عُقاب ذهبي اللون يعلوه ثلاث نجوم والذي لطالما اعتمد رمزًا للجمهورية السورية منذ العام 1945، أي قبل بدء حكم "حزب البعث". وقد أُضيفت 3 نجوم في الشعار الجديد تمثل "تحرّر الشعب" وفقًا لوزارة الاعلام، كذلك، تنسدل من ذيل العُقاب خمس ريش تمثّل المناطق الخمس في سوريا.

وتجهد الادارة السورية الجديدة منذ سقوط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد الى ارساء الاستقرار والتصدي لكل مخططات الفتنة والترهيب، خصوصًا ان الدعم الاقليمي والعربي يصب في صالح وحدة سوريا وتمكينها اقتصاديًا وماليًا وهو ما تجلى بحجم المشاريع التي يُعلن عنها بتمويل خليجي واضح، لاسيما من قبل السعودية وقطر. في غضون ذلك، أكد المبعوث الأميركي لسوريا توماس برّاك أن سوريا وإسرائيل تجريان محادثات جدية برعاية أميركية لاستعادة الهدوء على طول الحدود بينهما، معربًا عن رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب في انضمام سوريا للاتفاقيات الإبراهيمية لكن هذا الأمر "قد يستغرق وقتًا"، على حدّ  تعبيره.

لبنانيًا، صعدت اسرائيل من انتهاكاتها بعدما استهدفت أمس سيارة في منطقة خلده، جنوب بيروت، في تعدي خطير يلقي المزيد من الأعباء على عاتق الحكومة التي بلورة أمس جواب موحد على المقترح الاميركي آخذة في الاعتبار، الى حدّ بعيد، الملاحظات التي وضعها "حزب الله"، وهو ما سيكون محط نقاشات مستفيضة مع المبعوث الأميركي توماس برّاك خلال زيارته المتوقعة الى لبنان الاسبوع المقبل. أما في تفاصيل العملية التي ضربت محيط العاصمة بيروت، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي بأنه استهدف شخص ينشط في مجال "تهريب الأسلحة" لمصلحة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني. من جهتها، أفادت وزارة الصحة اللبنانية عن سقوط قتيل وإصابة 3 أشخاص آخرين بجروح.

تزامنًا، شنّت قوات الاحتلال غارات جوية على عدة مناطق في جنوب لبنان، استهدفت وديانًا وجبالًا ملاصقة لمجرى نهر الليطاني في مناطق المحمودية ووادي برغز ودير سريان وزوطر. في المقابل، تتزايد الضغوط على "حزب الله" حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن عقوبات جديدة استهدفت أشخاصًا مرتبطين بمؤسسة "القرض الحسن" المالية التي يديرها الحزب في لبنان والتي كانت أفرعها ضمن الاهداف الاسرائيلية خلال الحرب الأخيرة.

في الشأن الايراني، أبدت طهران أمس تمسّكها بالالتزام بمعاهدة حظر الانتشار النووي واتفاق الضمانات، رغم مصادقتها في اليوم السابق على قرار يقضي بتجميد التعاون مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية". أما فرنسا فقد هددت بتفعيل آلية "سناب باك" إذا لم تسقط إيران تهم "التجسس لحساب الموساد" بحق اثنين من رعاياها المحتجزين منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيتواصل مع نظيره الإيراني مسعود بزكشيان، مهددًا باتخاذ إجراءات مضادة بعدما وصف الخطوة بأنها "استفزاز وعدوان غير مقبولَيْن".

وضمن الإطار الدولي، أعلنت روسيا أمس، الخميس، قبولها أوراق اعتماد سفير جديد لأفغانستان، لتصبح بذلك أول دولة تعترف بالحكومة التي شكلتها حركة "طالبان". وأبدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، اعتقادها بـ" أن الاعتراف الرسمي بحكومة إمارة أفغانستان الاسلامية سيعطي قوة دافعة لتطوير تعاون ثنائي مثمر بين بلدينا في مختلف المجالات".

وتواكب الوقائع والمستجدات السياسية عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم، وهنا أبرزها:

أشارت صحيفة "البيان" الاماراتية الى أن "ترامب يسعى جاهدًا ليكون داعية سلام، لاسيما بين العرب وإسرائيل. الا ان الظروف التي نشأت فيها الاتفاقات الابراهيمية، اختلفت في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر"، موضحة أن "الدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية، تصر أن ترى مسارًا واضحًا لدولة فلسطينية مستقلة، قبل الولوج في اتفاقيات مع إسرائيل. ولا يمكن تخيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو في المستقبل، أن توافق على شيء من هذا القبيل"، بحسب تعبيرها.

واعتبرت صحيفة "الرياض" السعودية أن "الحديث عن فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزة أمر جيد لسكان غزة الذين عانوا معاناة كاملة، قد تكون غير مسبوقة، وحان الوقت لأن تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عمّا تفعله بالأبرياء"، مشددة على أن "الوضع في الأراضي المحتلة لن يكون هادئًا إلا بحل عادل ودائم وشامل، فالحلول المؤقتة أثبتت عدم فاعليتها، وصمودها لا يستمر إلا لوقت محدود، ويعود الوضع على ما كان عليه وربما أسوأ، الحل الدائم هو الذي يجب أن يكون، ذلك هو الحل المتمثل بإقامة الدولتين، الذي دون شك سينهي الصراع العربي - الإسرائيلي".

من جهتها، رأت صحيفة "الشروق" المصرية أن الرئيس ترامب "يظهر عدم ضبط النفس بوضوح في الشرق الأوسط، حيث يسرع محاولا تصفير مشاكل وأزمات المنطقة على حساب الأطراف الأضعف، ودعما لمصالح الحليف الإسرائيلي". وقالت: "يريد ترامب تحقيق ما فشل فيه 13 رئيسًا أمريكيًا من قبل بصنع سلام في الشرق الأوسط، سلام بمعنى الاستسلام، سلام ليس عادلا، حيث لا يكترث ترامب بهذا المبدأ. لا يملك ترامب أي صبر ولا يخفي رغبته في تحقيق أجندة واضحة تترك هيمنة واشنطن قوية مسيطرة على المنطقة، وتطلق العنان لحليف واشنطن الوحيد بالمنطقة، إسرائيل".

أما صحيفة "القدس العربي"، فجزمت أن "وقف الحرب لشهرين وصفقة تبادل للأسرى ولو جزئية، تبدو مفيدة جدا خاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي عرضت عليه من معارضيه شبكة أمان لعدم إسقاط حكومته، لكنه إلى اليوم لم يحصل على أمان من المؤسسة القضائية". وأردفت قائلة "الخيارات أمام كل من تل أبيب و"حماس" ضيقة، لكن مع تسجيل الخلاف في وقت الضيق، فضيق الخيارات أمام تل أبيب آني، يتعلق بعدم القدرة اليوم على الاستمرار في الحرب وحاجتها لوقف الحرب لمدة شهرين لتحقيق جزء مهم من رهاناتها، وضيق حماس آجل"، على حدّ وصفها.

وتحت عنوان "قرار تسليم سلاح "حزب الله" ايراني؟"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية "كل التوقعات بخصوص جواب "حزب الله" حول تسليم سلاحه طوعًا للدولة، مرتبطة بالقرار الايراني في النهاية، وإن كان البعض يعتقد باعطاء جواب رافض، ولكن ضيق، وحتى انعدام الخيارات الاخرى المتاحة، يرجح اعطاء جواب مطاطي للحزب، يحتمل اكثر من تفسير"، مستنتجة أن "قرار تسليم السلاح للدولة، هو قرار استراتيجي مهم، لا يمكن للمسؤولين في الحزب، وبمجملهم ليس من الصف الاول، تقرير مسألة بهذا الحجم، واتخاذ قرار نهائي بخصوصه في هذا الظرف الاقليمي الحساس".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن