يشهد السودان منذ 15 نيسان/أبريل الماضي، حربًا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ما تسبب بقتل الآلاف، ونزوح الملايين، لجأ أكثرهم إلى دول الجوار وفي مقدمها مصر، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
وكان طرفا الصراع قد أبرما أكثر من هدنة في أوقات سابقة، وبوساطات مختلفة، أميركية وسعودية، لكن سرعان ما كان يتمّ خرق الهدنة من قبل أحد الأطراف، لتعود الاشتباكات وتتجدد.
وفي ظل الغموض حول مستقبل الصراع العسكري الدائر في السودان وطبيعة خريطة المعارك ومآلاتها، تسلط منصة "عروبة 22" الضوء على طرفيّ النزاع المسلّح الذي يخشى الكثيرون ألا يصل الى خواتيمه في وقت قريب تحت طائل احتدام "صراع الاستنزاف" على السلطة بين الطرفين.
البرهان وحميدتي وجذور الخلاف
نبدأ بالرجل القوي في السودان عبد الفتاح البرهان الذي يُعتبر ركنًا بالغ الأهمية بين الذين تقاسموا السلطة مع المدنيين للمرة الأولى في تاريخ السودان المستقل بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 نيسان من العام 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية صاخبة.
ولد البرهان العام 1960 في قرية قندتو شمالي الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية ولاحقا في مصر والأردن. عاش في الظل خلال حكم البشير وكان يرأس سلاح البرّ قبل أن يعينه البشير في منصب المفتّش العام للجيش. مع انهيار نظام الأخير ترأس البرهان مجلس السيادة الذي كلف بإدارة المرحلة الانتقالية، لكنه عاد وحلّ المجلس واعتقل المسؤولين السياسيين المدنيين كما حل المؤسسات الانتقالية وفرض حالة الطوارئ في السودان مستبعدا المكون المدني المتمثل في "قوى الحرية والتغيير" التي قادت الانتفاضة الشعبية على البشير، وذلك في خطاب تلفزيوني في 25 تشرين الأول 2021، حين نصّب غريمه الحالي الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، نائبًا له.
عسكري محض، إغراءات الحكم جعلته يحاول الاستفراد به
يوصف البرهان بأنه ليست لديه ميول سياسية، وأنه عسكري محض، لكنّ إغراءات الحكم جعلته يحاول الاستفراد به. وبات يتصرف ويُعامل على أنه رئيس دولة، وهو يستقبل ببزّته العسكرية مع أوسمته على كتفيه وصدره، المسؤولين والمبعوثين الأجانب الذين يزورون السودان.
خارجيًا، بحكم دراساته العسكرية في مصر، يُعتبر الرجل قريبًا جدًا من الجار الشمالي القوي خصوصًا أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي ينتمي هو الآخر الى المؤسسة العسكرية.
وإضافة إلى علاقته المميّزة بالقاهرة، يحتفظ البرهان بعلاقات جيّدة بالإمارات والسعودية وهما من أبرز الدول التي تقدّم مساعدات إلى السودان. علمًا أنه أمضى فترة من حياته المهنية كملحق عسكري لدى بكين.
أدى البرهان دورًا رئيسيًا بعيدًا عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
يتهمه خصومه بالديكتاتورية وبكونه عنوانًا لفلول نظام البشير الذين استعاد بعضهم بالفعل مناصبه. كما يُتهم أحيانًا بأنه "حصان طروادة" للإسلاميين.
من جهته، ولد محمد حمدان دقلو "حميدتي"، العام 1975 في ولاية شمالي دارفور. لا يملك تعليمًا عاليًا واشتهر في شبابه بالمتاجرة بالإبل والأغنام واستيراد القماش، بخاصة بين ليبيا ومالي وتشاد، وبقي يتنقل بين تشاد وليبيا ومصر.
كوّن مليشيا بدأ معها تأمين القوافل وردع قطّاع الطرق، وتطوّرت حتى أصبحت قوة كبيرة لفتت أنظار الحكومة السودانية التي طمعت بضمّها لمساندة ميليشيا الجنجويد من أجل قمع تمرّد الحركات المسلّحة في إقليم دارفور غربي البلاد، وأصبحت تلك المليشيا بوابته نحو الدخول في معترك السياسة حتى صار نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي بُعيد الانقلاب على البشير الذي عيّنه وأدخله الجيش.
كوّن ثروة كبيرة، وتمكّن من التأثير في الشأن السياسي السوداني، سيّما بعد استقطب أبناء القبائل المختلفة.
استولى على مواقع تعدين الذهب الرئيسة في دارفور
في العام 2007 عُيّن عميدًا، وضُمت قواته إلى جهاز المخابرات السوداني، ثم في 2013 أعاد البشير هيكلتها وسمّاها "قوة الدعم السريع" وجعلها كيانًا رسميًا شبه عسكريّ بقيادة حميدتي الذي منحه البشير صلاحيات وامتيازات كبيرة في عملية توازن مع الجيش تفاديًا لأيّ انقلاب عسكري.
استولى حميدتي على مواقع تعدين الذهب الرئيسة في دارفور، وبحلول العام 2017 شكّلت مبيعات الذهب في البلاد 40 في المئة من الصادرات.
وفي العام 2015 استطاع حميدتي تطوير علاقاته الخارجية، إذ أرسل وحدات "الدعم السريع" إلى اليمن بعد انضمام السودان إلى تحالف مع السعودية لمحاربة الحوثيين.
رفع إلى رُتبة لواء ثم إلى رتبة فريق، من دون أن تُفلح ضغوط القادة العسكريين في الإطاحة به بعدما تنامى عداء الجيش له.
وفي كانون الثاني 2017 أقرّت الحكومة قانون "الدعم السريع" ونقلت تبعية "القوة" من جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة، رغم أنّ معظم منتسبيها ليسوا عسكريين.
مع تصاعد وتيرة التظاهرات عامي 2018-2019، رفض حميدتي قمع المتظاهرين، في تخلٍ واضح عن البشير وكلّ رجال الحرس القديم، وخرج بتصريحات شعبوية تطالب بتوفير الخدمات للمواطنين وسبل العيش الكريم لهم.
اصطدم حميدتي مع رئيس وزراء الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك الذي حاول إلحاق قوات الأول بالمؤسسة العسكرية وتسوية وضعها، فقرر حميدتي والبرهان الانقلاب على حمدوك.
لكن الخلاف بين حميدتي والبرهان اشتعل بعدها وشرع الأول باتهام الثاني بمحاولة إعادة البشير إلى السلطة. بينما شعر الجيش بتهديد نفوذه من قوات "الدعم السريع".
وقّع البرهان وحميدتي على اتفاق إطار مبدئي مع المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، والقيام بخمس ورش تُخصص للإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية وغيرها. ورغم توقيع البرهان على الاتفاق الإطاري، خرج مشترطًا في أكثر من مناسبة دمج "الدعم السريع" في الجيش لتنفيذ الاتفاق.
اندلع الخلاف حول دمج قوات "الدعم السريع" ومنصب القائد العام للجيش ومكانة ضبّاطها في التسلسل الهرمي
ثم وقّع الجانبان على ورقة الإصلاح الأمني والعسكري تحت رعاية اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، والتي حدّدت السقف الأقصى لدمج قوات الدعم السريع بـ10 سنوات، لكن الخلاف دبّ من جديد بشأن طريقة الدمج وتفاصيله. وكان محوره أنّ البرهان ومن معه رأوا أنّ هذه القوات يجب أن تكون تابعة لقائد الجيش، بينما رأى حميدتي أنها يجب أن تكون تابعة لرأس الدولة.
وكان آخر الخلافات المستعصية على الحل ذاك الذي اندلع في نيسان الفائت، حول الجدول الزمني لدمج قوات "الدعم السريع" ومن سيتقلّد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج، وأيضًا مكانة ضباط "الدعم السريع" في التسلسل الهرمي المستقبلي.
حتى اندلعت النيران بين الطرفين مع اتجاه "الدعم السريع" إلى مدينة مروي شمالي السودان في 13 نيسان للتمركز قريبًا من مطارها، إذ اعتبر حميدتي أنّ القاعدة الجوية التي تضمّ عناصر من الجيش المصري موجودة لمساعدة الجيش السوداني في حرب منتظرة ضد الدعم السريع.
وأثار تمركز قوات حميدتي حفيظة الجيش الذي عزز في المقابل وجوده في المنطقة بقوات إضافية، لتبلغ الأمور حدّ المواجهة المسلّحة وتشتعل النيران في أرجاء السودان كلّه.
العدّة والعديد... بين الجيش و"الدعم"
بحسب تقارير صادرة عن منظمات دولية، يبلغ عدد القوات المسلحة التي تأتمر بأوامر البرهان في الجيش السوداني، حوالى 205 آلاف جندي، بينهم 100 ألف من القوات العاملة، 50 ألفًا قوات احتياطية، 55 ألفًا قوات شبه عسكرية.
تصنّف القوات الجوية التابعة للجيش، في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 119 طائرة حربية تضمّ 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، 12 طائرة تدريب.
وقوات برية تشمل قوة مؤللة تضمّ 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميًا. 6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعل الجيش السوداني في المرتبة رقم 77 عالميًا. قوة تضم 20 مدفعًا ذاتيّ الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميًا. قوة مدافع مقطورة تضمّ 389 مدفعًا تجعله في المرتبة رقم 29 عالميًا، 40 راجمة صواريخ تجعله في المرتبة رقم 54 عالميًا.
كذلك يمتلك الجيش السوداني أسطولًا حربيًا يضمّ 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميًا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار، وفقا لموقع "غلوبال فاير بور".
واعتبرته إحصائيات صدرت العام 2021، من أقوى وأكبر الجيوش في القرن الإفريقي، وقدّرته إحصائيات أخرى بأنه عاشر جيش في إفريقيا.
أما "الدعم السريع"، فقدّر محلّلون عدد قواتها بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد.
كما لها مقار وثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى في البلاد، وقد استولت على مقار تابعة لجهاز الأمن المخابرات الوطني ومقار تابعة لـ"حزب المؤتمر الوطني" المحلول، كما أنها تنتشر بشكل واضح في إقليم دارفور ومعظم ولايات السودان، إلى جانب مناطق حدودية مع دول الجوار الإفريقي.
في حين لا تُعرف بالضبط نوعية التسليح والعتاد العسكري لتلك القوات، لكنّ الاستعراضات العسكرية التي تنظّمها بين حين وآخر تظهر امتلاكها مدرّعات خفيفة وأعدادًا كبيرة من سيارات الدفع الرباعي من طراز "لاندكروزر بك آب" مسلحة. وأيضًا تُظهر تلك الاستعراضات أنواعًا مختلفة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة.
تُعرّف نفسها بالقوات القومية التي تضطلع بمهام وواجبات وطنية كفلها القانون، وتشدد على كونها "تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى" في البلاد!.