صحافة

"المشهد اليوم"…تصعيدٌ في الضفة وتحذير من عودة لبنان إلى "بلاد الشام"المفاوضات الاميركية - الايرانية "مُجمدة" وأوروبا تهدّد بفرض رسوم جمركية مضادة على واشنطن

فلسطينية تمر بالقرب من منزل رفع مستوطنون عليه العلم الإسرائيلي في وسط مدينة الخليل بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تتمسك تل أبيب بفرض اتفاقًا في قطاع غزة أشبه بـ"الاستسلام" وهو ما يُعقد الأمور ويحول دون الاعلان رسميًا عن هدنة لمدة 60 يومًا توقف حمام الدم المستمر منذ ما يزيد عن 21 شهرًا. فبينما كانت الآمال مشدودة الى زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى البيت الابيض وما سيخرج عنها من مقررات في هذا الشأن، أكدت الوقائع أن الامور لا تزال أمام عقبات وصعوبات كثيرة ولكنها لم تصل مرحلة الانهيار التام بعد.

وهذه العقبات الرئيسية تتجلى بمحاولة إسرائيل الاحتفاظ بسيطرتها على 40% من مساحة غزة والتحكم في آلية توزيع المساعدات الغذائية بهدف تضيق الخناق على الفلسطينيين وحشرهم في بقعة جغرافية محددة سعيًا وراء اقامة مشروعها المُسمى "المدينة الانسانية" وذلك على انقاض مدينة رفح جنوبي القطاع. وبهذا تضمن تل أبيب التحكم جغرافيًا وعسكريًا بالقطاع وفرض شروطها وهو ما ترفضه حركة "حماس" وتصر على الانسحاب الكامل ووقف الحرب وعدم اعتماد "مؤسسة غزة الانسانية" المدعومة أميركيًا كجهة مخولة بتوزيع المعونات بل اعادة الوضع الى ما كان عليه سابقًا وحصره بالأمم المتحدة.

وعليه تستمر جولات المفاوضات بين وفدي اسرائيل و"حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة، وسط ضغوط تمارس على كلا الجانبين لتقليص الفجوات والخروج بصيغة اتفاق مرضية، الا انها حتى الساعة لم تصل الامور الى خواتيمها. من جهتها، صعدت "حماس" في الميدان خلال الأيام الأخيرة منفذة عمليات استراتيجية تكتيكية ادت الى وقوع قتلى وجرحى ناهيك عن محاولات أسر" عناصر في صفوف القوات العسكرية المشاركة في العمليات البرية ما وضع نتنياهو في موقف محرج واكد فشله الذريع قي تحقيق أهداف الحرب، التي يضعها البعض في اطار "العبثية" والاستنزاف دون أي طائل سوى زيادة معاناة الرهائن المحتجزين ودفع تل أبيب الى المزيد من العزلة الدولية وسط دعوات متزايدة لفرض عقوبات عليها ومحاسبة المسؤولين فيها عن جرائم الابادة الجماعية.

في غضون ذلك، تتعالى الاصوات داخل اسرائيل لابرام الصفقة فورًا ووقف حالة التسويف الجارية متهمين "حكومة المتطرفين" بالمسؤولية عن المماطلة بلا نهاية سعيًا وراء كسب المزيد من الوقت لتحقيق الأهداف السياسية الداخلية والمحافظة على الائتلاف الحكومي من التفكك، ولو على حساب صحة الأسرى وحريتهم. في حين تجوب مظاهرات احتجاجية مدنًا وعواصم أوروبية عدة تنديدًا بالحرب وسط مطالبات لحكوماتهم بوقف دعم اسرائيل بالعتاد والاسلحة والغاء اتفاقيات الشراكة وفرض عقوبات على الجانب الاسرائيلي الماضي في تنفيذ سياسات التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين دون أي رادع.

وعن المفاوضات، فيبدو أن "التعثر" سيد الموقف إلى حين بروز معطيات جديدة. وفي هذا الصدد، أفاد مصدران فلسطينيان مطلعان، في تصريحات لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، أن الوسطاء القطريين والمصريين "طلبوا من الطرفين تأجيل التفاوض حول الانسحاب الاسرائيلي إلى وقت لاحق وتحديدًا وصول المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى الدوحة". فيما نقلت "أكسيوس" الأميركية عن مصادر مطلعة، أن الولايات المتحدة طلبت من "حماس" تأجيل مناقشة مسألة حجم انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، والانتقال إلى بحث قضايا أخرى، في محاولة لمنع انهيار مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى.

ووسط تلك المتغيرات السلبية التي تقض مضجع الفلسطينيين الطامحين الى هدنة "ولو جزئية"، استكملت اسرائيل عملياتها حيث أعلنت عن شنّ موجة غارات عنيفة أمس، السبت، على بيت حانون شمال القطاع، مشيرة إلى أن عشرات الطائرات أغارت على ما لا يقل عن 35 هدفًا لحركة "حماس" وذلك بعدما تكبدت خسائر جسيمة في عملياتها الجارية هناك عبر نصب الفصائل الفلسطينية الكمائن وتحقيق اصابات مباشرة في صفوف قواته البرية. هذا وتزامنت تلك الغارات مع استشهاد أكثر من 100 شخص في أنحاء متفرقة من القطاع بينهم ما لا يقل عن 34 من منتظري المساعدات ليرتفع عدد شهداء "مصائد الموت" الى أكثر من 800 فلسطيني و5,252 مصابًا.

والتصعيد في قطاع غزة يقابله عمليات قتل واقتحام وتدمير ممنهج في الضفة الغربية المحتلة وتحديدًا على يد المستوطنين الذين زادت، في الاونة الاخيرة، تحركاتهم واعتداءاتهم بحماية من القوات العسكرية. وأخر هذه المستجدات كانت في بلدة سنجل، شمال شرقي رام الله، حيث عمد عشرات المستوطنين الى قتل شابين فلسطينيَّيْن بدم بارد أحدهما يحمل الجنسية الأميركية. وهذا الحادث المأساوي والمتكرر، لم تدنه الخارجية الاميركية التي اكتفت بالقول إن الولايات المتحدة على علم بالحادث، وتقدم المساعدة القنصلية إلى أسرة الضحية، مضيفة أن "ضمان سلامة المواطنين الأميركيين في الخارج يشكل أولوية قصوى". بدوره، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت جماعة "شبان التلال" الاستيطانية المتطرفة بإرتكاب "جرائم حرب يومية" في الضفة، محملًا الشرطة المسؤولية عن هذه الجرائم "بغض الطرف عنها وإهمال الجيش واجبه".

في سياق ذات صلة، رفع المبعوث الأميركي توم برّاك سقف المواجهة محذرًا الجميع في لبنان "من سيطرة قوى إقليمية في حال لم تنجح حكومته في التغلب على إشكالية سلاح "حزب الله"، كما نبه الى امكانية عودته الى "بلاد الشام من جديد". وقد شكلت هذه التصريحات صدمة في الاوساط المحلية، خاصة أن الاخير بدا راضيًا، في وقت سابق، عن الرد اللبناني على المقترح الاميركي القاضي بحصر السلاح بيد الدولة فقط. ويدرك برّاك "هشاشة" الوضع في لبنان ودقته ومن هنا أقرّ بأن أي محاولة لنزع سلاح الحزب بالكامل تهدد بإشعال حرب أهلية، داعيًا الى تسليح الجيش اللبناني بالموارد اللازمة كي يستطيع النجاح في مهمته. في المقابل، بعث براك بـ"رسالة غزل" إلى "حزب الله" لحثه على تسليم سلاحه و"تتمثل في الاعتراف بجناحيه السياسي والعسكري"، وذلك للمرة الأولى منذ نشأته لاسيما أن لوائح العقوبات لطالما ضمت الجناحين.

من جهته، يراقب "حزب الله" ما يجري على الصعيد السياسي بدقة خصوصًا ان الظروف الاقليمية لا تصب لصالحه بعد الضربات الاسرائيلية - الاميركية على منشآت ايران النووية واستمرار العمليات على الحوثيين في اليمن الى جانب تراجع حركة "حماس" وتصفية كبار شخصياتها. الا ان الحزب يرفض المهادنة، حتى الساعة، ويتمسك بسلاحه الذي يربط وجوده باستمرار الاحتلال الاسرائيلي لأراضٍ داخل لبنان ما يُعقد الأوضاع بشكل عام ويطرح تحديات وعراقيل كثيرة لم تجد بعد الحكومة الحالية مخرجًا لها، فهي حاليًا تواجه ضغوط خارجية ومطالب داخلية ما يضعها في موقف شديد الحساسية لتجنيب البلاد المزيد من الخضات.

ومن لبنان الى ايران التي أكدت على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي تلقي رسائل متعددة من أميركا لاستئناف التفاوض بشأن برنامجها النووي، ولكنها جددت موقفها بالحصول على "ضمانات" أميركية بعدم اللجوء الى "الخيار العسكري مجددًا" كما شددت على أن طهران، لن تقبل بأي اتفاق لا يشمل حقها في تخصيب اليورانيوم "ولن نتفاوض بشأن قدراتنا العسكرية". وهذا الموضوع هو ما يعيق تحقيق أي تقدم في المباحثات التي تبدو عالقة عند نقطة محددة دون أن تفلح الوساطات الجارية بإيجاد حل لها. الى ذلك، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، قولهم إن نتنياهو، أخبر الرئيس ترامب أثناء زيارته الاخيرة الى واشنطن، بأن إسرائيل ستضرب إيران إذا استأنفت برنامجها النووي. وأضافت الصحيفة عينها أن ترامب لم يعترض على خطة نتنياهو، لكنه أخبره بأنه يفضل المفاوضات، على الرغم من اقتناع المسؤولين الإسرائيليين بأن الأخير سيمنحهم في نهاية المطاف الضوء الأخضر لمهاجمة إيران مجددًا.

دوليًا، لا تهدأ "عواصف" الرئيس الأميركي نتيجة القرارات التي يتخذها أو في وارد ذلك. وبهذا السياق، دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاتحاد الاوروبي الى الإسراع في إعداد تدابير مضادة، منها أدوات مكافحة الإكراه، بعدما هددت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على سلع الاتحاد. أما مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية فشدد على ضرورة مواصلة التركيز على المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة وتجنب حدوث مزيد من الاستقطاب. وتتشابه مواقف الدول الأوروبية، خاصة بعدما أعلن ترامب أن هذه الرسوم ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من شهر آب/أغسطس القادم، معتبرًا أن "العجز التجاري الأميركي يشكل تهديدًا للأمن القومي". يُذكر أنه قبل يومين، تلقت كندا تحذيرًا مماثلًا حدد فيه الرئيس الأميركي نسبة الرسوم على سلعها بـ35%.

وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم تسليط للضوء على ما يجري من معطيات متحركة في المنطقة، لاسيما في الملف الفلسطيني:

أكدت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "المرحلة المقبلة من المفاوضات تقتضي من الأطراف الوسيطة، برعاية واشنطن، سد الفجوات المتبقية بين "حماس" وإسرائيل، حتى لا تذهب المفاوضات إلى تعثر جديد، وتزيد حدة المعاناة للشعب الفلسطيني بعد تجاوز الوضع مرحلة الخطر وارتفاع حاد في مستويات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال"، منبهة الى أن كل النقاط العالقة بين الجانبين، أي اسرائيل و"حماس"، تبعد نافذة الأمل للوصول إلى اتفاق وقف النار في غزة، بما يدخل المنطقة في نفق مظلم يُزيد من مضاعفات عدم الاستقرار الإقليمي"، على حدّ تعبيرها.

ورأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن غياب النتائج المبهرة، لأي من اسرائيل وحركة "حماس"، "في الانتصار أو الهزيمة، تُعقد معركة المفاوضات السياسية الجارية في الدوحة، والتي لم تصل إلى نتائج حاسمة، انعكاسًا لعدم الحسم على الأرض وفي الميدان". وقالت "يسعى كل طرف أن يحقق أهدافًا لم يتمكن من تحقيقها في الميدان وعبر الاشتباكات المسلحة، وسيبقى الاشتباك السياسي التفاوضي مفتوحًا طالما أن الاشتباك العسكري الأمني لم يتوقف ولم يتمكن من تحقيق نتائج حاسمة لأي منهما".

صحيفة "الغد" الأردنية، بدورها، أشارت الى أن "كلمة السر في المنطقة هي إعادة صياغة الخرائط أو صناعة شرق أوسط جديد، وبهذا المعنى لا يمكن قراءة نتائج ضربة 7 أكتوبر باعتبارها، من حيث التأثير، قضية تخص الغزيين، بل فتحت بابا على كل المنطقة بعدما رأينا أفعال الاحتلال ضد سورية، ولبنان، واليمن، والعراق، وإيران". وخلصت الى أنه "لا يبدو في الأفق أي نية عربية أو إقليمية لمواجهة التبعات المقبلة، وربما تسود حالة من الترقب والانتظار لما سيحدث، أو يستبد بنا عدم القدرة على الإدارة الاستراتيجية للمشهد في ظل غياب أي تعاون عربي وإقليمي لتجنيب المنطقة كلف الحرب او كلف ما بعد الحرب"، بحسب قولها.

في السياق، لفتت صحيفة "عُمان" العمانية الى "أننا أمام انسداد سياسي عربي وعالمي، حيث تُستنزف المبادرات الدبلوماسية داخل دائرة تفاوضية مفرغة لا تقوم بشيء سوى إعادة إنتاج العجز، والتواري عن مواجهة الأزمة". وقالت "إن الإنسانية قد تخلّت عن غزّة، ولم يبقَ أمام ضمير العالم إلا أن يعترف بأن غزّة تُحاكمه، وتعرّي هشاشة وعيه. أما نحن العرب فإن لم تتغير بنية الوعي، وإن لم ترتفع قيمة الإنسان في سُلّم القيم السياسية؛ فإن المذبحة ستظل طقسًا سنويًا نحوم حوله بالرقص على جثث الموتى حاملين كلماتنا الجاهزة في موسم عزاء غير مقدّس".

وتحت عنوان "دعم قطري ثابت ومستمر لسوريا"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "تقف الدوحة دائمًا بجانب الشعب السوري الشقيق؛ من أجل تحقيق تطلعاته في الاستقرار والتنمية والازدهار، وتقديم الدعم في المجالات الإنسانية والإغاثية، إلى جانب جهود التعافي"، مشددة على أن قطر تسعى لـ "تقديم الدعم الكامل لسوريا في كل المجالات، وتساهم مساهمة فعالة في كافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية، والتنمية والازدهار كما تؤكّد على موقفها الداعم لوَحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، ودعم جهود إعادة الإعمار والبناء والاستقرار".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن