التقى علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي في الكرملين، السبت 19 يوليو الجاري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث جرى بينهما حوار وتبادل للآراء. وتأتي زيارة لاريجاني إلى روسيا، في وقت كانت قد نشرت فيه صحيفة "فرهيختغان" الإيرانية المحافظة الثلاثاء 15 يوليو، أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، نقل إلى بوتين خلال لقائه في موسكو إبان الحرب، "رسالة عتب" من المرشد الأعلى، وحسب الصحيفة فإن روسيا لم تتجاوز حدود التصريحات الرسمية في دعمها إيران خلال العدوان الإسرائيلي في يونيو الماضي.
على ما يبدو، لم يستمع بوتين كثيرا للتقييمات الإيرانية حول المنطقة، ولا اهتم لنتائج الضربات العسكرية مع إسرائيل، ولا لبطولات طهران الصاروخية، رغم تعمّده ترطيب الأجواء مع إيران، فالرجل اليوم يعاني الأمرين. من جهة لديه حلفاء، برأيه، هم ليسوا على قدر المستوى من التحديات الدولية، ومن جهة ثانية لديه أعداء لا يزالون بعد أربع سنوات (تقريبا) على عمليته العسكرية في أوكرانيا يدعمون كييف ويفرضون عليه المزيد من العقوبات.
أعلن الاتحاد الأوروبي فرض حزمة جديدة من العقوبات، وصفها بأنها الأقوى ضد روسيا، بسبب الحرب على أوكرانيا، بينما أكدت فرنسا أن الاتحاد سيعمل مع الولايات المتحدة على إجبار الرئيس بوتين على وقف الحرب. إذ قالت كايا كالاس المفوضة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، يوم 18 يوليو، إن "الاتحاد وافق على حزمة جديدة من العقوبات هي الأقوى ضدّ روسيا، وتشمل حظر خط نورد ستريم والضغط على الصناعة العسكرية الروسية".
لقد تضمّن اللقاء، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية "إيسنا"، نقل لاريجاني إلى بوتين تقييمات طهران للتطورات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك المستجدات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. هذا ما يهتمّ به بوتين في الشأن الإيراني، ليس برنامجها النووي بذاته، بل أن تسير إيران في مفاوضاتها بشأنه بطريقة سلمية للتوصل إلى تسوية مع الدول الغربية، من أجل رفع العقوبات عن إيران وهنا بيت القصيد بالنسبة إلى موسكو. فالروسي، رغم تبريرات بوتين بوقوف بلاده إلى جانب إيران في حرب الـ12 يوما الأخيرة مع إسرائيل، إلا أنه اختار اتباع سياسة "المتفرج الحذر"، فهو لا يريد لطهران امتلاكها سلاحا نوويا، لكنه لا ينتظر سقوط النظام فيها.
رغم إن الإيراني تخلى عن حياديته في الحرب الدائرة في شرق أوروبا، وزوّد روسيا بالطائرات المسيرة وبصواريخ بالستية. بالمنظور الروسي الاستراتيجي، إيران دولة جارة لروسيا، وإن العلاقات الدبلوماسية قابلة لأن تشهد على المزيد من التبدلات، لذا تبقى موسكو حذرة على عدم امتلاك طهران للقنبلة، كي لا تصبح في المستقبل مصدر قلق لأمنها القومي، إذ رغم كل التحليلات التي طالت الموقف الروسي من حرب إيران الأخيرة، لكنّها تصلّبت بموقف واضح في شأن ما يحدث لاسيما في ما يتعلق برفض إسرائيل الذهاب بعيدا في إسقاط النظام الإيراني، أو الاقدام على اغتيال المرشد الأعلى.
لا شكّ أن موسكو تريد من طهران ان تستمر، وأن تبقى حاضرة في المشهدية الدولية، خصوصا وهي اليوم تخوض الحرب مع الغرب على الصعد كافة، تحديدا الصعيد الاقتصادي. إذ تجد روسيا في إيران المنفذ الرئيسي للتهرب من العقوبات عليها، عبر ما بات يعرف بأسطول الظلّ الذي تتعمد من خلاله روسيا التحايل على العقوبات الدولية من أجل تصدير نفطها وغازها إلى الصين والهند.
رأى موقع "euro Maidan" أنه رغم الإنذار الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يظهر الرئيس بوتين أي نيّة للتخلي عن أهدافه في أوكرانيا، أو إنهاء الحرب، وحتى في ظلّ التهديد بعقوبات جديدة، يبدو أنه مستعد لتجاوز كل الحدود. حدد ترامب مهلة 50 يوما لروسيا للتوصل إلى اتفاق سلام أو الموافقة على وقف إطلاق النار في حربها ضد أوكرانيا، وإلا ستواجه موسكو قيودا اقتصادية كما ستفرض عقوبات على الدول التي تواصل شراء النفط الروسي. لم تعد خيارات موسكو كثيرة أمام مقاومة أتباع الغرب لطريقة فرض تمتين الطوق الاقتصادي عليها، ولم يعد لديها من جديد تقدمه على الساحة العسكرية الميدانية، في حال استمر الغرب في تقديم الدعم العسكري واللوجيستي لكييف، سوى الذهاب نحو استخدام القوة النووية.
وهذا الخيار رغم أن حظوظه باتت مرتفعة، إلا أنه خيار أقرب إلى الانتحار منه إلى رسم النهاية على الطريقة التي تريدها موسكو، بسبب استعداد الدول الغربية لمثل سيناريو كهذا. كما إن امتلاك النووي لا يعني قلب الطاولة، ولا يحقق النصر، بدليل أن إسرائيل لم تستطع وقف العدوان عليها من قبل جماعة الحوثيين في اليمن، الذين يفرضون حصارا بحريا عليها، رغم أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك مثل هذا السلاح.
لهذا يبقى أمام موسكو خيار التمسكّ بحلفائها التقليديين، الذين يجمعون على محاربتهم لسياسات الهيمنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على العالم. هذا ما يبرّر تخطي العتب والاستمرار في عقد اللقاءات بين روسيا وإيران، رغم حالة "العتب" التي نقلها لاريجاني إلى بوتين على موقف روسيا الرمادي من الحرب الأخيرة، وعدم تمكنها من تحديد موقف واضح كما فعل الاتحاد السوفييتي في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عندما هدد الرئيس نيكيتا خروتشوف، بضرب العواصم الثلاث المعتدية على مصر بقنابل نووية، في حال لم يتوقف العدوان على القاهرة.
تريد روسيا من إيران أن تكون قوية ولكن غير نووية، على مثال جارتها بلاروسيا، لأنّ هذا يبقيها دولة محورية لسياسة موسكو الخارجية، بهدف جذب الدول المناهضة لسياسات واشنطن إليها. فهي على غرار الاتحاد السوفييتي، عمل بوتين على مدى 25 عاما من حكمه للدفع بروسيا نحو الصعود إلى الساحة الدولية، لصيبح قطبا استقطابيا. لهذا فبوتين لا يريد إيران كما يريدها النظام القائم في طهران، بل يحتاجها خالية من العقوبات الغربية عنها، كي يتسنى لروسيا تحقيق نموها الاقتصادي، وما أسطول الظلّ إلا نموذج لذلك.
(القدس العربي)