الخيار الصفري.. ومسار مفاوضات غزة

بات واضحاً أن مسار موقفي كل من إسرائيل وحركة «حماس» يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تراضت بما طُرح من قبل الوسطاء بالنسبة للملفات الرئيسية ومنها: مدة الهدنة، إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، الانسحابات الدورية والمرحلية من القطاع، تحديد المناطق التي سيتواجد الجيش الإسرائيلي فيها في مدة الـ60 يوماً، الرجوع إلى ما قبل خط موراج كممر، وكنطاق استراتيجي يجب العمل فيه خلال مدة انتقالية، كما قبلت الحكومة الإسرائيلية العمل على مراحل على عكس موقف حركة "حماس"، التي طرحت طوال مدة التفاوض فكرة الصفقة الواحدة والانسحاب من القطاع وبدء مسار الأعمار، وإن قبلت في نهاية الأمر بالتفاوض وفق خطة جزئية تدريجية تخوفاً من إسقاط الحكومة، أو ذهاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للمحاكمة حال توقف الحرب نهائياً.

الحكومة الإسرائيلية متخوفة من حالة الاحتجاج الكبرى في المستوى العسكري حال استمرار حرب مفتوحة، وهو ما قد يؤدي إلى صدام داخلي لن تتحمله إسرائيل. وأمام الحكومة الإسرائيلية عدة مسارات بديلة وفقاً لما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستعادة المحتجزين (وفقاً لما تردد على لسان ترامب/ نتنياهو) الاستمرار في العمل العسكري بالصورة الراهنة، واستكمال احتلال القطاع بالكامل والوصول إلى نسبة 100%، وهو ما قد يعطي الفرصة لاحتمالية الوصول إلى المحتجزين، وإنْ كان هذا السيناريو المفتوح مكلف وباهظ التكلفة للجيش الإسرائيلي، ويحتاج هذا الأمر دعماً كبيراً غير متوافر وقدرات عسكرية وإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية، والبديل الثاني احتمال دخول الولايات المتحدة المواجهة على الأرض (خيار مستبعد على الأقل في الوقت الراهن)، وهو ما قد يُعطي للقدرات الإسرائيلية فرصة إتمام الهدف خاصة، وأن دخول الولايات المتحدة المواجهة لن يكون عسكرياً فقط، بل لتنفيذ مخطط التهجير القسري هذه المرة، وترحيل الفلسطينيين خارج أراضيهم وهو سيناريو وارد ومحتمل.

وأخيراً تقبل العودة للمفاوضات مجدداً وهو أمر وارد، وقد يكون مطروحاً في حال استئناف الاتصالات بين الأطراف المعنية، وقبول حركة "حماس" بالعودة عن مواقفها حال إدراكها لخطورة ما قد يتم، ومن ثم فإن العودة لمسار المفاوضات مجدداً سيحتاج إلى جهد الوسيطين وتقبل الإدارة الأميركية العمل من جديد على خريطة المفاوضات الراهنة وليس العودة للتفاوض مجدداً، خاصة وأن الرئيس ترامب قد ينتقل بالتفاوض من مرحلة التكتيكي في سحب فريق المفاوضين إلى الاستراتيجي من خلال العمل على محددات معينة، وهو التوصل لاتفاق دون مفاوضات جديدة.

في المقابل تتخوف "حماس" من انتهاء دورها الراهن ليس فقط بعد تسليم المحتجزين، وإنما من الآن، فمعظم التصريحات الأميركية والإسرائيلية تمضي في هذا السياق، ولا يوجد ما يطمئن الحركة من أنها ستكون جزءاً من كل، في وقت لاحق، خاصة وأن ترك القطاع إلى حكم تيار فلسطيني آخر لم يتضح بعد، خاصة وأن لجنة الإسناد المجتمعي المفترض أن تُشكل لم يتم تعيين أعضائها بعد.

ومن ثم فإن قبولها تكتيكياً بالتفاوض لا يعني تسليمها بأن الأمر قد يؤدي إلى بقائها في القطاع خاصة مع قيام إسرائيل بتشكيل ميلشيات على الأرض في أجزاء من غزة بهدف إضعاف "حماس" وشلها، وإيجاد سلطة بديلة لها في مناطق متعددة، مع الرهان على أن الهدف بات واضحاً: لا وجود للحركة في حكم القطاع ما يتطلب الاستمرار في النهج الراهن والتمسك بترتيبات أمنية تخدم عودتها إلى القطاع، وإفشال مخطط تقسيم غزة أو إخلائها أو وجود عناصر مناوئة في الوقت الراهن، قد تمثل تحدياً كبيراً لسلطة حركة "حماس". سيكون أمام "حماس" خلال الفترة الراهنة والمنتظرة عدة سيناريوهات في التعامل أهمها دفع الوسيطين لاستئناف المفاوضات والتأكيد على إتمام ما تم التوافق بشأنه بالكامل بصرف النظر عن الموقف الأميركي الراهن، وعلى اعتبار أن هذا الخيار هو المطروح رغم التفكير الاستراتيجي لدى قادة "حماس" في الداخل المتمحور حول إطالة أمد المواجهة.

كذلك مراجعة السلوك التفاوضي الراهن تجاه الإدارة الأميركية خاصة وأن حركة "حماس" ستخسر قنوات أخرى للتفاوض مع الإدارة الأميركية، وهي قناة مبعوث الرهائن آدم بوللر والأميركيين من أصول فلسطينية، الذين ينخرطون في مفاوضات أوسع وأشمل حول دور حركة "حماس" على المدى الطويل.. ومن المؤكد أن خسارة الحركة لهذه المسارات ستؤدي إلى تداعيات كبيرة عليها كونها تريد العمل على أكثر من مسار، بل والحصول على اعتراف غير رسمي قد يفتح الباب لاحقاً للتعامل في ظل الرهانات على تغيير قواعد التعامل بشأن السلطة الفلسطينية الحالية، وقد تعمل حركة "حماس" على تصعيد العمل العسكري من خلال إجراءات رمزية طويلة الأجل بهدف التأكيد على وجودها.

وفي المجمل، وفي ظل تباين موقفي الحكومة الإسرائيلية وحركة "حماس"، فإن العودة مجدداً للمفاوضات خلال الأيام المقبلة ستحتاج إلى عدة ضوابط خاصة مع احتمال عودة المفاوض الأميركي ومدى ما يملكه من خيارات في التعامل مجدداً مع "حماس" واحتمال إقدام الولايات المتحدة على تغيير بوصلة المشهد باعتماد خيار القوة والمواجهة أمام حركة "حماس" لإجبارها على العودة للمفاوضات وتقديم التنازلات، وهو أمر محتمل في ظل رسائل التهديد التي أطلقها ترامب، وهي رسائل ملغمة يمكن أن تؤدي إلى تصعيد المشهد العسكري ما لم يتحرك الوسيطان المصري والقطري لإنقاذ المشهد الراهن والمرشح بالتأكيد للتصعيد.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن