صحافة

الوجود الأميركي واستثمار النفط العراقي

عدنان كريمة

المشاركة
الوجود الأميركي واستثمار النفط العراقي

وفقاً للخطة "الاستراتيجية" المتفق عليها في سبتمبر 2024 بين بغداد وواشنطن، يفترض أن تبدأ القوات الأميركية الانسحاب من العراق في سبتمبر المقبل، لتكتمل عملية الانسحاب في سبتمبر 2026. لكن يبدو أن هذا الانسحاب، لن يبدأ، ولن ينتهي، في ظل الظروف الحالية، لأن ضرورات المرحلة التي تعيشها المنطقة، في ضوء تداعيات ما شهدته سوريا، وتطورات المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، وتقاطع المصالح "الجيوسياسية" بين دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة.. فكل ذلك يقتضي ليس فقط تأجيلَ الانسحاب لفترة محددة، بل إلى "أجل غير مسمى"، ووفق مقتضيات أمنية تتطلبها عملياتُ استثمار النفوذ واقتسام المغانم.

ومع الأخذ في الاعتبار أن الدول ليست غافلة عن متطلبات المرحلة المقبلة، فإن حكومة بغداد تتابع بقلق بالغ تطورات المشهد الإقليمي، وتسعى للحفاظ على أمن العراق واستقراره، وهي ترى أن قدراته العسكرية تطورت كثيراً منذ الاجتياح الذي نفذه تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014، وأن قواته المسلحة باتت قادرة على تنفيذ المهام القتالية بكفاءة عالية.

لكن المراقبين يؤكدون أن الحديث عن انسحاب أميركي وشيك "غير واقعي" في ظل الظروف الحالية. وفي الوقت الذي يبدو فيه العراق غير مستعد للتخلي التام عن دعم التحالف الدولي، لاسيما في ظل التوترات المتصاعدة التي تجعل من الاستقرار أولويةً قصوى، فإن واشنطن بدورها لا تفكر في التخلي عن نفوذها في العراق، لحماية مصالحها، خصوصاً بعد دخول عدة شركات أميركية في استثمارات ضخمة في قطاع الطاقة الذي يشمل النفط والغاز والكهرباء. وقد جرى في 22 يوليو المنصرم، الاتفاق مع شركة «مورغان هيوز» النفطية الأميركية، للتوسع في الاستثمار، من خلال المشاركة في تطوير حقول النفط والغاز المصاحب له.

وفي هذا السياق، تأتي مساعي وزير النفط العراقي، حيان عبدالغني، لتقديم مزيد من العروض والمغريات للشركات الأميركية لاستثمار الغاز في محافظة الأنبار ومنطقة نينوى التي ما زالت تعتبر من المناطق الساخنة التي تنشط فيها خلايا تنظيم "داعش" الإرهابي، لذا ابتعدت عنها الشركاتُ الصينية في جولات التراخيص الخامسة والسادسة، في مايو الماضي، بينما يرى المراقبون أن الشركات الأميركية تتمتع بقدرات كبيرة لتوفير الحماية الأمنية في الرقع الاستكشافية.وسبق لشركات عراقية وأميركية أن وقّعت سلسلةَ اتفاقيات لاستغلال الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء، ولمعالجة 300 مليون قدم مكعب يومياً في حقل بن عمر النفطي. ومن بين الشركات الأميركية الموقِّعة: شركة "كيه بي آر" و"بيكر هيوز" و"جنرال إلكتريك". وتشمل الاتفاقيات مد خطوط أنابيب بطول 400 كيلومتر لنقل الغاز، ومنشأة بحرية للتصدير، ومحطة لمعالجة الغاز.

ومع استمرار التحولات العالمية في قطاع الطاقة، يزداد الاهتمام بإقليم كردستان العراق الذي يشكل فرصةً معقدة لكنها استراتيجية للاستثمار الأميركي. ورغم التوترات المستمرة بين بغداد وأربيل، فإن الانخراط الأميركي يمكن أن يعيد تشكيل توازنات القوى في المنطقة، ويقود الإصلاحَ الاقتصادي، ويواجه القوى المزعزعة للاستقرار. وانطلاقاً من أهمية استئناف تشغيل خط الأنابيب الممتد من كركوك إلى ميناء جيهان على الساحل التركي، والمتوقف عن العمل منذ مارس 2023، تبرز ضرورةُ الحفاظ على مصالح الشركات الأميركية، خصوصاً بعد أن أعلنت الحكومة التركية رسمياً إنهاء العمل باتفاقية تشغيله في يوليو 2026، مطالِبةً بتعديله لجهة استخدام طاقته الكاملة البالغة نحو1.5 مليون برميل، الأمر الذي يتطلب تكثيف جهود "الوسيط الأميركي"، للوصول إلى اتفاق يضمن مصالح الدول الثلاث (العراق وتركيا والولايات المتحدة نفسها). وهذا مع العلم بأن الاتفاقات الغازية التي جرى توقيعها مؤخراً بين الإقليم وشركات أميركية، تحقق إيرادات إجمالية تصل 110 مليارات دولار.

أما البعد الجيوسياسي لتلك الاتفاقات فيتمثل في مساهمة الاستثمار الأميركي الاستراتيجي في موازنة النفوذ الإيراني والتركي، وهي موازنة يعتقد على نطاق واسع أنها عامل رئيسي في تحديد مستقبل دور العراق الإقليمي. 

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن