رغم تزايد حدة الانتقادات لخطة اسرائيل احتلال غزة وتصعيد عائلات الأسرى المحتجزين لدى "حماس" تحركاتهم في محاولة للضغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب وعقد صفقة تبادل فورًا تعيد ما يقارب 50 رهينة، يُعتقد أن 20 منهم ما زالوا على قيد الحياة، الا ان الأخير يسير بلا هوادة في تدمير ما تبقى من القطاع المنكوب وقتل الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة الحية وتجويع الاطفال والأهالي بشكل متعمد وممنهج وشنّ حملات ضد كل من ينتقد تل أبيب ومشاريعها العبثية في المنطقة.
ولأن سياسة الكذب هي في صدارة استراتيجية نتنياهو بعد فشل كل سيناريوهاته في تحقيق اهداف الحرب التي رفعها علنية منذ اليوم الأول لاحداث 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2023 وعدم تحقيق اي مكاسب، لا اطلاق لسراح الرهائن ولا القضاء كليًا على حركة "حماس" والفصائل المقاتلة، حيث تحولت الحرب الدائرة هناك، بحسب الكثير من المحللين، الى حربٍ تدميرية دون أي أهداف تُذكر. وهذا ما دفع نتنياهو أمس للخروج بمؤتمر صحفي من أجل تلميع صورة تل أبيب المتهالكة وتجميل خطته التهجيرية وانكار أي دور لبلاده في صور المجاعة التي احتلت عناوين كبريات الصحف العالمية معتمدًا على سياسة "اكذب اكذب"، وذلك من خلال بث سلسلة من الحقائق "المُفبركة". فأنكر رئيس الوزراء الاسرائيلي أي مسؤولية عن القتل والتجويع متهمًا "حماس" بنهب المساعدات كما اتهم الأمم المتحدة برفض توزيع المعونات، وهو ما تنفيه مصادر الجهتين.
كما أنه تداول عددًا من الصور المفجعة لأطفال جوعى ووصفها بـ"المزيفة"، معتبرًا ان من يتم تجويعهم في القطاع هم فقط الاسرى لدى حركة "حماس". وعن خطة احتلال قطاع غزة تدريجيًا، رفض اعطاء مهلة او تفاصيل دقيقة لكنه اكتفى بالتعبير عن تمنيه بأن تكون "في مدى زمني سريع". وكالعادة ادعى نتنياهو ان الهدف، في نهاية المطاف، هو إنشاء إدارة مدنية غير إسرائيلية في غزة لا تقودها "حماس" ولا السلطة الفلسطينية". وأضاف "إذا تمكنا من النجاح في الحرب، فهناك جهات مرشحة لأن تقود القطاع وستكون سلطة انتقالية". لكن الحقيقة المُرّة هي أن الخطط الاسرائيلية لا تهدف الى انتاج حكم في غزة بقدر ما تسعى الى تهجير الفلسطينيين وحشرهم في بقعة جغرافية معينة، وهو تكتيك اعتمده نتنياهو في الاشهر الاخيرة من الحرب بعد اقرار خطة "عربات جدعون" وتصاعد أوامر الاخلاء لمناطق واسعة جدًا في القطاع.
في غضون ذلك، عقد مجلس الامن الدولي جلسة طارئة بناءً على طلب العديد من الدول العربية والغربية وذلك لمناقشة إعلان اسرائيل نيتها احتلال غزة وتهجير سكانها. وقد أجمعت الكلمات على التحذير من مغبة تنفيذ هذه الخطة وتداعياتها على الصعيد الانساني بظل شح المساعدات وعدم وصولها الى مستحقيها، فيما رفعت واشنطن "بطاقة" الدعم وقررت مجددًا ان تقف الى جانب الاحتلال حيث قالت القائمة بأعمال المندوبة الأميركية في مجلس الأمن دوروثي شيا أن "لإسرائيل حق تحديد ما هو ضروري لأمنها ولها الحق في اتخاذ التدابير المناسبة لإنهاء ما وصفته بتهديد "حماس". ويترافق كل ذلك مع تحذيرات فلسطينية وأممية من تردي الاوضاع داخل القطاع وسقوط المزيد من الشهداء والضحايا كل يوم بظل عجز وتهالك القطاع الصحي والاستشفائي وتعمد الاحتلال قتل الكوادر الطبية او اعتقالها ضمن سياسة القضاء على كل مقومات الحياة.
وفي هذا الاطار، شدّد المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة الدكتور منير البرش على أن تسجيل 11 حالة وفاة في 24 ساعة بسبب التجويع "مؤشر خطير"، مؤكدًا أن الاحتلال انتقل في تعامله مع القطاع من التجويع إلى "هندسة المجاعة". فعلى الرغم من ادعاء اسرائيل ادخال المساعدات الا ان حجمها لا يزال دون القدرة على تلبية احتياجات ما يزيد عن مليوني فلسطيني، ناهيك عن تعرض معظم القوافل للسرقة والنهب واستمرار مجازر القتل بالقرب من مراكز التوزيع التابعة لـ"مؤسسة غزة الانسانية"، ما يعني قلة الفرص المتاحة أمام الأهالي الذين يجدون أنفسهم في رحلة بحث عن الطعام بشكل شبه يومي بعد توقف معظم المطابخ الخيرية والمنظمات الدولية عن العمل بسبب الاستهداف المباشر وغياب الموارد. يُشار الى أن ضحايا التجويع ارتفع الى 217 شهيدًا، بينهم 100 طفل، في مشهد يعكس عمق المأساة.
وفي مشهد أخر لا يقل مأساوية وإجرامًا، نجح الاحتلال في اخماد أصوات اعلاميين جدد كانوا ينقلون الواقع المُعاش في القطاع الى العالم، حيث اغتال الجيش الإسرائيلي في وقت متأخر من مساء أمس، الأحد، مراسلي قناة "الجزيرة" أنس الشريف ومحمد قريقع بعدما استهدف خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة. فيما خرج الاحتلال في بيان تبنى فيه عملية اغتيال الشريف واصفًا اياه بأنه "إرهابي تنكر بزي صحفي في قناة الجزيرة" كما انه "قائد خلية في حركة "حماس" وروّج لإطلاق الصواريخ على إسرائيل". ووسط جموع غاضبة وهتافات شعبية تم تشييع الشهيدين الى جانب اخرين قضوا في القصف الاسرائيلي لينضموا الى ما لا يقل عن 237 اعلاميًا قتلهم الاحتلال منذ بداية الحرب.
على المقلب اللبناني، شيَّع الجيش عسكريين استشهدوا بانفجار وقع أثناء الكشف على مخزن أسلحة وتفكيك محتوياته داخل منشأة تابعة لـ"حزب الله" في المنطقة الواقعة بين بلدتي مجدل زون وزبقين (قضاء صور). في وقت يحتل الحديث عن "حصرية السلاح" وبسط الدولة سيطرتها على كامل الاراضي حيزًا مهمًا من السجالات اليومية وسط تباعد في وجهات النظر السياسية دون خروج الامور، حتى الساعة، عن السيطرة رغم قيام محسوبين على الثنائي الشيعي بمسيرات "استعراضية" يومية للاعلان عن رفض تسليم السلاح تحت أي ذريعة وشنّ حملة تخوين واتهام بحق الحكومة وتحديدًا بشخص رئيسها نواف سلام. ويرفض الحزب ما يجري من مداولات باعتبارها أتت تحت "املاءات" و"ضغوط" أميركية، بحسب قوله، ويصرّ على ربط اي حديث بتحقيق الانسحاب الاسرائيلي ووقف التعديات والانتهاكات اليومية واطلاق الاسرى كما البدء بعملية اعادة الاعمار.
وفجر الدخول الايراني على خط الازمة اللبنانية واطلاق المسؤولين العنان لمواقفهم الرافضة لتسليم سلاح "حزب الله" والمؤكدة على وجوب إفشال قرار الحكومة وعدم الانصياع، حالة من الغضب والسخط في الشارع اللبناني الذي يعلن عن رفضه لكل التدخلات الخارجية ويعتبر أن الوقت قد حان من اجل وقف حالة الفلتان والتسيّب في البلاد واقرار خطة لجمع كل السلاح المتفلت وغير الشرعي واعادة ضبط دور الدولة ومسؤوليتها بعد سنوات طويلة من التدهور. وامام هذا المشهد المُعقد، لا بدّ من انتظار تطورات ستحملها الأيام المقبلة ستحدد المسار الذي سيسلكه لبنان قي تعاطيه مع هذا الملف الشديد الحساسية والخطورة نتيجة أيضًا لارتباطه بموازين اقليمية.
سوريًا، يستضيف الاردن اجتماع أردني- سوري- أميركي مشترك، غدًا الثلاثاء، لبحث تثبيت وقف اطلاق النار في محافظة السويداء وحل الأزمة هناك والتي تستعر بين كل حين وحين. ويأتي الاجتماع الذي سيحضره إضافة إلى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره السوري أسعد الشيباني، والمبعوث الأميركي الخاص لسوريا توم برّاك، اضافة الى ممثلين عن المؤسسات المعنية في الدول الثلاث، استكمالاً للمباحثات التي كانت استضافتها عمّان في 19 تموز/ يوليو الماضي لحل الأزمة في المحافظة وتثبيت وقف إطلاق النار. وتشكل الاوضاع الامنية هاجسًا امام الادارة السورية الجديدة خاصة بعد احداث الساحل السوري ومن ثم السويداء، والتي اشعلت النيران الطائفية في بلد يعاني أصلًا من تآكل اقتصادي واجتماعي بعد سنوات الحرب الطويلة.
في الشق الدولي، أشار نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الى أن الولايات المتحدة تعمل على تحديد موعد لإجراء محادثات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مرجحًا أن أي اتفاق سلام يُنهي الحرب الروسية - الأوكرانية "لن يُسعد أيًا من البلدين"، وذلك في إشارة ضمنية إلى التنازلات التي يتوقع أن تقدمها كييف وموسكو في حال التوصل الى تسوية. الى ذلك، تبدو الدول الاوروبية في حالة من القلق والريبة من تفرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقرار لاسيما بعد تأكيد اجتماعه مع بوتين نهاية الاسبوع الجاري وسط مخاوف من ان يكون هذا الاجتماع على حساب كييف والذي يدعو رئيسها، منذ أشهر عدة، إلى لقاءات "على مستوى القادة"، ولكن دون جدوى. دون أن ننسى أن الأوروبيين أنفسهم يرفضون أن يتم ابعادهم عن المفاوضات الجارية التي لا تعني أوكرانيا وحدها، بل أيضًا أمن أوروبا برمته، ولأن ما سيحصل هناك سيكون له انعكاسات كبيرة على أمنهم ومستقبل هذه البلاد على حدّ سواء.
وفي الصحف العربية الصادرة اليوم تسليط للضوء على الوضعين الفلسطيني واللبناني وهنا ابرز ما ورد في العناوين والتحليلات:
تحت عنوان "جسر نتنياهو على أجساد الأسرى"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "على وقع ضوء أخضر من الرئيس دونالد ترمب بعد فشل الوصول لاتفاق بين إسرائيل وحماس حول قطاع غزة، أطلق نتنياهو خطته لاحتلال قطاع غزة كاملاً…ولكن الجائزة الكبرى التي يتطلع إليها، وقد تغفر كل ذنوبه أمام الجمهور الإسرائيلي سيكون النجاح في تحقيق حلم التهجير الكامل من قطاع غزة، وبالنسبة له الباقي مجرد تفاصيل، سواء الاعتراضات الداخلية الكبرى، أو حتى الضغوط من أقرب الحلفاء، وآخرهم ألمانيا التي حظرت تصدير الأسئلة بعد إعلان احتلال غزة."، بحسب تعبيرها.
ولفتت صحيفة "الغد" الأردنية الى أن "الرهان على الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل بشأن احتلال غزة وتدمير ما تبقى منها، وتهجير سكانها جنوبا، هو رهان فاشل"، داعية الوسطاء الى الإسراع لتقديم مبادرة عاجلة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى لان "نزع سلاح "حماس" لا يلغي حق الفلسطينيين في المقاومة، إنه في هذه اللحظة التاريخية الفارقة يحمي حياة الملايين منهم، ليواصلوا رحلة الكفاح بوسائل عدة من أجل الحرية والاستقلال"، على حدّ وصفها.
صحيفة "الاهرام" المصرية، بدورها، رأت أن "حزب الله" الرافض لقرار تسليم السلاح واعتباره كأن لم يكن، ينطلق من قناعة راسخة لديه بأن سلاحه هو وسيلة لردع العدوان الإسرائيلي، وفقدانه يعنى دعوة لحكومة التطرف في تل أبيب لمزيد من العدوان حسب رؤيته"، مشيرة الى أن "هناك وضعًا سياسيًا وأمنيًا دقيقًا للغاية داخل لبنان وفي محيطه الإقليمي، ويجب التفاعل معه بحذر شديد. وإلا فلبنان لن ينطلق من موقعه الراهن إلى ما نحب ان يكون عليه من استقرار وسيادة وأمن لكل مواطنيه".
وايضًا، أوضحت صحيفة "اللواء" اللبنانية أنه "بدا لافتاً أن "حزب الله" ركز حملته على رئيس الحكومة نواف سلام شخصيا، وحيّدَ رئيس الجمهورية جوزاف عون، ما يؤشر بوضوح الى ان الحزب يهدف من وراء هذا التمايز بموقفه اولا، الى تصوير رئيس الحكومة بالعدو الوهمي للحزب، بالتصويب عليه واستهدافه بحملات التخوين المفبركة، التي اعتاد الحزب على رشق خصومه السياسيين، لتشويه صورتهم امام الرأي العام". واضافت "الهدف الثاني وهو حجب الاهتمام عن مسؤولية الحزب بما تسببت به حرب الاسناد، التي شنّها ضد اسرائيل، واعادت احتلال اسرائيل لمناطق استراتيجية جنوبا، وعجزه عن إعادة اعمار بلداتهم وقراهم المهدمة".
(رصد "عروبة 22")