منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية لنهر الأردن عقب حرب 5 يونيو 1967، وهي تنشئ وتقيم مستوطنات فيها. لكن المشروع الذي أعلنه بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ورئيس حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف الأسبوع الماضي هو الأخطر على الإطلاق، لأنه عمليًا يفصل رام الله عن بيت لحم، في الشمال عن الجنوب، ويفصل القدس عن بقية الضفة، وبالتالي يقتل عمليًا فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، أكثر مما هي متعثرة منذ عقود.
مساء الأربعاء الماضي صادق سموتريتش على بناء 3401 وحدة سكنية ضمن المخطط الاستيطاني في منطقة E1 شرقي القدس بعد أكثر من عشرين عامًا من تجميد هذا المشروع بسبب الضغوط الخارجية، والمعروف أنه منذ عام 2009 حتى عام 2020 فقد أعلنت إسرائيل مصادرات لأراضٍ وتصميمات وبناء طرق في إطار هذا المشروع، لكن كان يتم تجميده في كل مرة، بسبب الضغوط الدولية التي كانت تدرك خطورة هذا المشروع على أي تسوية مستقبلية. المشروع مطروح منذ عام 1990 واستؤنف في عهد رئيس الوزراء ووزير الإسكان الأسبق آرئيل شارون بمحاولة لبناء 2500 وحدة، ثم توسعت عام 2004 لبناء أربعة آلاف وحدة.
سموتريتش اعتبر المصادقة إنجازًا تاريخيًا، لأنه يربط القدس بمستوطنة معاليه أدوميم، التي يعيش فيها 38 ألف نسمة، وستزيد مساحتها بنسبة 33٪. المشروع الاستيطاني الجديد يفصل التواصل العربي بين رام الله وبيت لحم، ويدفن فكرة الدولة الفلسطينية على حد كلام سموتريتش، ويحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. المشروع يدخل مليون مستوطن جديدًا إلى الضفة. لكن على حساب من سيعيش المليون مستوطن؟
في تحقيق لموقع "بي بي سي" البريطاني فإن أبوعماد الجهالين، رئيس المجلس القروى لعرب الجهالين، في الضفة، يقول: المشروع يندرج تحت المسمى الإسرائيلى "نسيج الحياة"، وهو بالنسبة لنا "نسيج الممات"، فهو ظاهريًا يمكن الفلسطينيين من التنقل بين شمال وجنوب الضفة دون المرور بالحواجز الإسرائيلية، لكنه عمليًا يمنعهم من دخول الشارع الرئيسى رقم 1 الذي يربط بين جنوب ووسط وشمال الضفة.
سلطات الاحتلال أصدرت في الفترات الأخيرة 40 أمر هدم وإخلاء لمنشآت سكنية وزراعية في منطقة العيزرية والهدف عزل القدس عن الضفة وقطع الاتصال الجغرافي بينهما، وهذا الطريق والمستوطنة الجديدة ستكون على حساب المنازل والمزارع الفلسطينية في مناطق مصنفة "ب" و"ج"، ما يعني تشريد وفقدان أراضٍ واسعة. هذا الطريق ضمن هذا المشروع سيعزل 22 تجمعًا فلسطينيًا، ويمتد من محيط مستوطنة معاليه أدوميم حتى البحر الميت وهي خطورة تمهد لتهجير السكان قسرًا من خلال حرمانهم من الوصول إلى المستشفيات والمدارس والمرافق العامة في القرى المجاورة.
الكثير من الناس تنسى أن سموتريتش كتب دراسة خطيرة عام 2017 سماها "خطة الحسم" وجوهرها أن أمام الفلسطينيين في الأرض الواقعة بين البحر المتوسط والبحر الميت أي فلسطين التاريخية ثلاثة خيارات لا رابع لها، وهي إما القبول بالعيش كمواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل الكبرى أو الترحيل للخارج أو القتل لمن يرفض الخيارين الأول والثاني.
وما يحدث عمليًا منذ 7 أكتوبر 2023 هو تنفيذ هذه الخطة على أرض الواقع، مع تطور مهم، وهو تدمير قطاع غزة بصورة شبه كاملة، بحيث إنه غير صالح للحياة الآن لفترة طويلة. بعض الدول العربية أصدرت بيانات إدانة وشجب واستنكار للمشروع الاستيطاني الجديد، وهي بيانات لا قيمة لها بالمرة لدى إسرائيل، لكن الذين يصدرون بيانات الإدانة لا يدركون أن إسرائيل بدأت عمليًا ضم الضفة الغربية وطرد سكانها من بيوتهم ومزارعهم وأراضيهم. وخطورة ما يحدث أنه إذا استمرت ردود الفعل العربية والدولية بهذه الوتيرة، اللفظية فليس من المستبعد أن يكتمل تطبيق خطة الحسم خلال شهور وليس سنوات، وليس من المستبعد أن تلجأ إسرائيل لطرد الفلسطينيين بالقوة أو هدم المسجد الأقصى، أو حتى تنفيذ خطة إسرائيل الكبرى التي تحدث عنها نتنياهو الأسبوع الماضي.
(الشروق المصرية)