صحافة

الإصلاحات في إيران... بناء الثقة مع الجيران

محمد بن صقر السلمي

المشاركة
الإصلاحات في إيران... بناء الثقة مع الجيران

مثلت حرب الاثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل، التي دارت رحاها من 13 يونيو (حزيران) إلى 24 منه عام 2025، تصعيداً محورياً في توترات الشرق الأوسط. ألحق الهجوم الإسرائيلي، الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية والمواقع الدفاعية الرئيسية، أضراراً جسيمة بالبنية التحتية العسكرية والاقتصاد في البلاد. لقد شكلت حرب الاثني عشر يوماً لحظة حاسمة في سياسة إيران الخارجية. لم يؤدِّ الصراع إلى تفاقم خطر التصعيد العسكري الإقليمي فحسب؛ بل كشف أيضاً عن حدود المناورة الدبلوماسية لطهران.

على مدى عقود، تأرجحت إيران بين البرغماتية والآيديولوجية، وغالباً ما استخدمت الأخيرة لتبرير التدخل في الدول المجاورة. اليوم، ومع ذلك، فإن الحاجة الملحة للبقاء تدفع طهران إلى ضرورة التفكير في التطور من الداخل. فمن دون إجراء تغيير جوهري، لا سيما في أسسها الدستورية والعقائدية، فإنها تخاطر بعزلة طويلة وانحدار استراتيجي. على الرغم من أن بعض التحليلات تقدم الصراع على أنه "انتصار" إيراني نابع من الصمود والردود غير المتناظرة، فإنه في الواقع كشف عن نقاط الضعف في الاستراتيجية الإقليمية لطهران.

أدَّت عمليات تبادل الصواريخ الباليستية والهجمات الإلكترونية والصراعات بالوكالة، إلى وضع تحالفات إيران تحت الضغط، وقوضت بشكل كبير الثقة مع جيرانها، وأصبحت هذه الدوائر الدفاعية نقطة الضعف التي من خلال أجوائها تم استهداف إيران من قبل إسرائيل. في أعقاب الحرب، واحتمالية عودة العقوبات الأممية عبر مجلس الأمن من خلال تفعيل "آلية الزناد"، تواجه إيران خيارات صعبة: التمسك بالصرامة الآيديولوجية أو تبني الإصلاح المنهجي لبناء علاقات حسن نية حقيقية مع جيرانها. لن تكفي الإيماءات الدبلوماسية السطحية، ما هو مطلوب هو تطور عميق في النظام السياسي للجمهورية الإسلامية إذا كانت ترغب في تحقيق تكامل إقليمي هادف.

عززت الحرب الدعوات الموجهة لإيران لإعادة بناء الثقة مع دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، وكذلك الدول المجاورة مثل الأردن واليمن. قبل الصراع، غذى دعم إيران للجهات الفاعلة غير الحكومية - مثل الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق - تصورات التدخل، مما قوض الجهود الدبلوماسية مثل التقارب الإيراني - السعودي الذي توسطت فيه الصين عام 2023. وقد عززت الحرب هذه الديناميكيات: حيث شنَّت الجماعات المدعومة من إيران هجمات على المصالح الإسرائيلية، لكن عجز النظام عن ردع الضربات الإسرائيلية سلط الضوء على تكاليف هذه العقيدة بالوكالة.

في أعقاب الحرب، أدَّى التباين في السياسات الإيرانية إلى مزيد من تآكل المصداقية. على سبيل المثال، خلال الحرب، استهدفت إيران القاعدة العسكرية الأميركية في قطر بالصواريخ؛ ومع ذلك، وبعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة خلال الصراع، سارعت طهران لإدانة الهجوم. وتسلط مثل هذه التحولات النهج العملي قصير المدى في معالجة جذور عدم الثقة؛ إذ ينظر الجيران إلى هذه الخطط على أنها مناورات تكتيكية، وليست تحولات محاور استراتيجية، الأمر الذي يعمق دائرة الشك.

ولتجاوز هذا الوضع، ينبغي على إيران انتهاج سياسة حسنة النية تقوم على الشفافية والاحترام المتبادل، وهذا يتطلب الانتقال من الخطابة إلى الإجراءات الملموسة التي تظهر التزاماً حقيقياً بعدم التدخل والاستقرار الإقليمي. إلا أن مثل هذا التحول الجوهري لا يمكن أن ينبع فقط من المؤسسات المنتخبة؛ مثل الرئاسة أو البرلمان، التي تعمل في إطار قيود نظام؛ حيث يسيطر المرشد الأعلى والمؤسسات غير المنتخبة، مثل مجلس صيانة الدستور و"الحرس الثوري"، على السياسة الخارجية. إن المرونة التي أظهرها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قد تحدث تغييرات شكلية. ستبقى هذه التغييرات سطحية في ظل غياب إصلاح شامل، حيث يظهر التاريخ أن النظام قادر على إجراء تعديلات برغماتية، كما حدث عند قبول وقف إطلاق النار الذي أقرته الأمم المتحدة لعام 1988 في الحرب الإيرانية - العراقية، حيث قدم حينها بقاء النظام على الآيديولوجيا.

تشكل حرب الاثني عشر يوماً منعطفاً مماثلاً: فالضغوط المحلية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية والاضطرابات العامة والنكسات العسكرية، تتطلب تطوراً جوهرياً لتجنب الانهيار وبناء جسور الثقة مع جيران إيران. يكمن الدستور الإيراني في صميم أي تطور جوهري، حيث يكرس عقيدة سياسة خارجية توسعية؛ فالمادة 3 (16) تلزم الدولة بتقديم "دعم غير محدود للمستضعفين [المضطهدين] في العالم"، بينما تنص المادة 154 على التضامن مع "النضالات العادلة للمستضعفين ضد المستكبرين"، حتى في الوقت الذي تعلن فيه عدم تدخلها رسمياً في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لطالما تم تفسير هذه الأحكام لتبرير الحروب بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة.

وبالمثل، تلزم المادة 11 الحكومة بتعزيز الوحدة بين الشعوب المسلمة، وهو بند غالباً يستشهد به لإضفاء الشرعية على دعم الحركات الشيعية في الخارج. وتؤكد المادة 152 على الدفاع عن حقوق جميع المسلمين والالتزام بسياسية عدم الانحياز، لكنها في الممارسة العملية كانت بمثابة أساس لطموحات الهيمنة. توفر هذه التفويضات الدستورية مجتمعة غطاء شرعياً للتدخلات التي تتراوح من تسليح الحوثيين في اليمن إلى تشكيل السياسة العراقية. إن إعادة النظر في مثل هذه الأحكام من خلال مراجعة دستورية متأنية - وليست ثورة، بل تطور مدروس - يمكن أن تساعد في إعادة تعريف دور إيران من دور المعطل الإقليمي إلى شريك موثوق به.

ثمة سوابق لإجراء تعديلات دستورية: فالتعديلات الدستورية لعام 1989 وسعت صلاحيات السلطات التنفيذية، ويمكن لعملية مماثلة أن تفرض أو تعدل البنود التي تمكن حروب بالوكالة، مما يشير إلى إعادة ضبط عقائدية. تشكل الخطوات العملية خريطة طريق لهذا التغيير. أولاً، يجب على إيران أن تعلن علناً تبرؤها من الوكلاء المسلحين وإيقافاً كاملاً للدعم، وتحول نفوذها نحو الاندماج السياسي. وفي اليمن، يجب على طهران ممارسة الضغط على الحوثيين للمشاركة في الحوارات التي تقودها الأمم المتحدة، وتحويلهم إلى كيان سياسي شرعي تحت مظلة حكومة وطنية، بدلاً من أن تكون قوة مسلحة توغل في قتل أبناء جلدتها وتشكل تهديداً للجوار.

وفي العراق، يجب حث الميليشيات المدعومة من إيران مثل كتائب "حزب الله" على نزع سلاحها، الأمر الذي سيسهم في تقليل الانقسامات الطائفية. وتردد أصوات داخل إيران بالفعل هذا التوجه، بحجة أن الأعباء المالية والاستراتيجية تجعل الدعم المستمر لهذه الجماعات لا يمكن تبريره. ثانياً، يجب السعي نحو إجراء إصلاحات دستورية من خلال مجلس الخبراء أو هيئة مخصصة، مع التركيز على المواد 3 و11 و152 و154 للتأكيد على عدم التدخل والدبلوماسية التعاونية. ويمكن أن يشمل ذلك بنوداً تعزز الترابط الاقتصادي؛ مثل الأطر الأمنية الخليجية المشتركة.

ثالثاً، لبناء الثقة، يجب على إيران أن تواكب أفعالها أقوالها. إن إنهاء الخطابات المزدوجة - وثنائية الثورة والدولة أمر بالغ الأهمية، ويمكن أن يتبع ذلك إجراءات واضحة لبناء الثقة. ختاماً، فإن حرب الـ12 يوماً ليست مجرد انتكاسة، ولكنها فرصة لإعادة السياسية الخارجية الإيرانية؛ من خلال بناء نظام جديد من خلال المراجعات الدستورية والخطوات الملموسة فيما يخص الوكلاء، يمكن لطهران صياغة فصل جديد من التعاون الإقليمي. فمن دون مثل هذه التغييرات الجذرية، ستصبح الإيماءات الدبلوماسية محدودة التأثير، مما يترك إيران على هامش المشهد الإقليمي.

إن جيران إيران على استعداد للتفاعل معها، ولكن فقط إذا أظهرت إيران تحولاً ذا مصداقية. يتطلب هذا المسار الشجاعة، لكنه الطريق الأكثر ضماناً لتحقيق استقرار وازدهار دائمين في الشرق الأوسط ما بعد الحرب.

(الشرق الأوسط)

يتم التصفح الآن