تقدير موقف

"النكتة اليهودية".. وصورة الحرب على غزّة!

النكتة اليهودية ليست مجرّد وسيلةٍ للتسلية، بل أداة ثقافية وتحليلية تعكس القلق الاجتماعي والسياسي والوجودي للمجتمع الإسرائيلي. في خضمّ الحرب على غزّة و"طوفان الأقصى"، تتكشّف النكتة كمرآةٍ للعجز والخيبة، وتُمكّن من قراءة المزاج الداخلي للمجتمع، وفهم ديناميّات الصراع العسكرية والاقتصادية والسياسية.

عبّرت النكتة اليهودية عن قمّة القلق السياسي الذي عانى منه المجتمع الإسرائيلي في سياق الحرب على غزّة، حيث أصبحت وسيلةً لتجسيد شعور العجز أمام صواريخ المقاومة المستمرّة وتفكّك الجبهة الداخلية.

مثال على ذلك، نجد في إحدى النكت التي رُويت في تل أبيب، أنّ طفلًا سأل والده: "لماذا لا ينام الناس ليلًا؟"، فأجابه الأب: "لأنّنا نحاول احتساب كم صاروخًا سيصل الليلة قبل أن يصلنا!". وتلخّص هذه النكتة شعور المجتمع بالعجز أمام الصواريخ المستمرّة، كما تبرز توتّر الجبهة الداخلية والخوف اليومي، إذ تعمل السخرية هنا كآليةٍ نفسيةٍ للتكيّف مع واقعٍ لا يمكن السيطرة عليه.

السخرية تعكس إحباط المجتمع الجماعي من الحرب

وفي مثال آخر، يُظهر إعلان الحكومة عن جاهزية الملاجئ للصواريخ مدى الانفصال بين الإجراءات الرسمية والواقع النفسي للمواطنين، إذ سأل أحد المواطنين ساخرًا: "هل هناك ملاجئ للثقة بالقيادة أيضًا؟"، وتعكس هذه النكتة فقدان الثقة بالجبهة الداخلية على الرَّغم من التحصينات العسكرية، وتبرز إحساس المجتمع بالضعف أمام التهديد المستمر.

ويستمرّ التعبير عن القلق عبر النكت اليومية، فعندما يسأل طفل والده: "لماذا نختبئ في الملاجئ؟"، يجيبه الأب: "لن نعرف، ربّما الصواريخ أفضل منّا في إيجادنا!"، فتسلّط هذه النكتة الضوء على الإحباط اليومي من العجز عن السيطرة على الأحداث الميدانية، وتكشف شعور المجتمع بانعدام الأمن في حياته اليومية.

وتتجلّى السخرية أيضًا في العلاقة بين المواطنين والجيش، إذ يقول أحد المواطنين: "الجيش يقول: نحن نسيطر على كلّ شيء... جيّد، إذن لماذا يُسيطر الصاروخ على نومي؟"، لتبرز هذه النكتة فجوة الثقة بين المواطن والدولة، وتعكس شعور العجز الواقعي على الرَّغم من التفوّق العسكري الظاهر.

وأخيرًا، نجد في النكتة التي يسأل فيها طفل والده: "هل سنربح الحرب هذه المرّة؟"، فيجيبه الأب: "لا تقلق، سنربح مثلما نربح كل شيء... بالتمنّي!"، ما يعكس القلق من قدرة الحكومة على تحقيق الانتصارات الحقيقية، ويسخر من التفاؤل الرسمي غير الواقعي، ويُظهر إدراك المجتمع للعجز أمام المقاومة الفلسطينية المستمرّة.

النكتة والبُعد العسكري واللوجيستي

الحرب الإسرائيلية على غزّة لم تكن مجرّد مواجهة عسكرية تقليدية، بل شكّلت صراعًا مُعَقّدًا يجمع بين القوة العسكرية الصلبة والمقاومة الذكية.

وفي هذا السياق، تأتي النكتة اليهودية لتعكس إدراك المجتمع الإسرائيلي لضعف الجيش في مواجهة حربٍ غير تقليديةٍ، على سبيل المثال، تقول إحدى النكت: "في اليوم الأول من الهجوم الصاروخي، قرّر الجنود تجربة الملاجئ... فوجدوا أنّ كلّ ملاجئهم أكثر أمانًا من اجتماع الحكومة!"، وتعكس هذه النكتة التهكّم على ضعف القرارات العسكرية مقارنةً بمخاطر المدنيين، وتُبرز فجوةً واضحةً بين القوة الرسمية والخطر الفعلي. وفي نكتةٍ أخرى، نجد السخرية تعكس إحباط المجتمع الجماعي من الحرب، حيث يقول أحدهم: "نحن نمتلك صواريخ دقيقة، لكنّنا لا نستطيع إصابة المشكلة الحقيقية: كيف نجعل الشعب يُصدّق أنّنا منتصرون!"، وتوضح هذه النكتة كيف يستخدم المواطنون السخرية للتعامل مع الهزائم الرمزية والواقعية على حدٍّ سواء، والشكوك حول الانتصارات المُعلنة.

كما يبرز الجانب اللوجيستي المُثير للسخرية في نكتةٍ تقول: "أرسل الجيش دبابةً إلى غزّة... وعادت من دون وقود لأنّ القادة نسوا تعبئتها"، ما يسلّط الضوء على ضعف التنظيم العسكري والتوتّر بين التكنولوجيا المتقدّمة والواقع الميداني الصعب، ويكشف عن فجوةٍ بين القوة النظرية والخطر العملي الذي يعيشه الجنود والمدنيون على حدّ سواء.

النكتة والبُعد الاقتصادي

لم تكن الحرب على غزّة و"طوفان الأقصى" مجرّد مواجهة عسكرية، بل ألقت بتداعياتٍ اقتصاديةٍ مباشرةٍ على المجتمع الإسرائيلي، من تكاليف عسكرية عالية إلى تعطيل الأعمال وتأثّر السياحة والاستثمار.

على سبيل المثال، تقول إحدى النكت: "نشتري صواريخ متطوّرة لتدمير الأنفاق، ولكنّنا لا نستطيع شراء طعام صحيّ للجنود"، وتوضح هذه النكتة التضارب بين الأولويات الحكومية واحتياجات المواطنين اليومية، وتكشف عن شعورٍ بالإحباط تجاه السياسات التي تعطي الأولوية للأسلحة المتقدّمة على حساب الاحتياجات الأساسية.

يستخدم المجتمع السخرية كآلية لتفريغ الضغوط الاقتصادية

وفي نكتةٍ أخرى، نجد السخرية تتناول أثر الحرب على الحياة اليومية بشكلٍ أكثر عمقًا، إذ يقول أحدهم: "ارتفاع الأسعار؟ لا تقلق، فالحرب على غزّة ستسوّي كل شيء!"، وتكشف هذه النكتة عن شعور المواطن بالإحباط من القرارات الحكومية، وتبرز كيف يستخدم المجتمع السخرية كآليةٍ لتفريغ الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الصراع المستمرّ وتأثيره المباشر في معيشتهم.

النكتة كأداة ضغط اجتماعي ونفسي

تتجاوز النكتة اليهودية كونها وسيلةً للتسلية، لتصبح أداة ضغطٍ اجتماعيّ ونفسيّ، تسمح للمجتمع بمناقشة القضايا الصعبة أو المحرّمة من دون مواجهة مباشرة مع السلطات.

على سبيل المثال، هناك من يقول: "نحن لا نخاف من الصواريخ... نخاف من الأخبار التي تشرح لنا أنّنا في مأمن!"، وتعكس هذه النكتة النقد الساخر لوسائل الإعلام والسياسة الرسمية، وتوضح الدور النفسي للنكتة في مواجهة الرّعب اليومي، حين يصبح التهكّم وسيلةً للتخفيف من القلق الناتج عن التهديد المستمر.

وفي نكتةٍ أخرى، يتجسّد تأثير الحرب على الحياة اليومية بشكلٍ أكثر وضوحًا، عندما يقول المواطن: "المَلاحق العسكرية تقول: نحن جاهزون لكل السيناريوات... إلّا سيناريو النوم!"، وتسلّط هذه النكتة الضوء على الضغط النفسي الذي تعانيه الأسرة والمجتمع، وتكشف كيف تؤثّر الحرب على روتين الحياة اليومية والراحة النفسية.

عكست النكتة اليهودية المأساة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي

كما حوّل الإسرائيليون الخوف إلى لعبةٍ ساخرة، ففي كلّ مرة تُطلق صافرات الإنذار، يقول المواطنون: "حسنًا، دعونا نلعب لعبة الاختباء... من دون قواعد!"، وتعكس هذه النكتة تأقلم المجتمع مع حالة العجز المستمرّة، واستخدام السخرية كوسيلةٍ للتخفيف من التوتّر النفسي الجماعي.

ولا يقتصر الأمر على لحظات الخوف، بل يمتدّ إلى الروتين اليومي، حيث يُخطّط الإسرائيليون حياتهم حسب جدول الصواريخ، حتى أنّ القهوة الصباحية أصبحت محفوفةً بالمخاطر، ما يوضح تغلغل القلق في الحياة اليومية، ويعكس تفكّك الجبهة الداخلية على مستوى الروتين اليومي.

هكذا عكست النكتة اليهودية المأساة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي نتيجة الحرب على غزّة، فهي ليست مجرّد فكاهة، بل مرآة للقلق والعجز والضغط النفسي، تعبيرًا عن تجربة جماعية مليئة بالخوف والتوتّر اليومي!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن