صحافة

"المشهد اليوم"..تفاؤل حذر بـ"صفقة غّزة" وطهران تواجه "آلية الزناد"سوريا تتعهد بعدم "تهديد أحد" وحماية سلاح "حزب الله" تتصدّر أهداف زيارة لاريجاني إلى لبنان

من المسيرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء إلقائه كلمة أمام الجمعية العامة في نيويورك. (أ .ف ب)

بين عودة العقوبات الأممية على ايران واللقاء "المفصلي" الذي سيجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض اليوم للتباحث بشأن خطة لإنهاء الحرب في غزّة ينقسم المشهد السياسي وسط تطورات دراماتيكية في المنطقة التي تعيش أجواء التصعيد العسكري والمخاوف من انزلاق الأمور إلى المزيد من الصراعات المحتدمة بعد اختلال موازين القوى لصالح اسرائيل بشكل غير مسبوق. فتل أبيب التي تتباهى بانتصاراتها وتفوقها العسكري تجد نفسها محاصرة بين ضغوط ترامب من جهة وتزايد الرفض لاستمرار الحرب في غزة، والتي ستدخل عامها الثالث خلال الأسبوع المقبل من جهة أخرى.

ورغم مكابرة نتنياهو إلا أن الأمور تبدو، وفق المعطيات، بأنها تتجه إلى حل حاسم بعدما حظيت الخطة الأميركية بموافقة الأطراف على الرغم من إدخال بعض التعديلات عليها، سواء من قبل القادة العرب والمسلمين أو من قبل الجانب الاسرائيلي الذي لا يزال لديه بعض التعليقات عليها. وكان الرئيس الأميركي بشر، أمس الأحد، بأن المفاوضات "في مراحلها النهائية"، معربًا عن أمله في التوصل لإتفاق خلال الاجتماع الذي سيجمعه بنتنياهو. الكلام عينه نقله نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس الذي أشار إلى أن المحادثات المعقدة بشأن غزّة مستمرة منذ يومين، ويشارك فيها القادة العرب وإسرائيل وإدارة ترامب. ولكنه مع ذلك ابدى "تفاؤلًا حذرًا"، متخوفًا من أن "تخرج الأمور عن مسارها في اللحظة الأخيرة". فـ"الشيطان الذي يكمن في التفاصيل" لطالما برز في الخطوات التي تسبق إبرام الصفقة وعرقل أي إنجازات، تمامًا كما حصل على مدار العامين الماضين واخرهم الضربة الاسرائيلية التي استهدفت وفد "حماس" المفاوض في العاصمة القطرية، الدوحة، خلال اجتماعهم لمناقشة المقترح الأميركي الذي كان طاولة المفاوضات.

إلى ذلك، كرّرت "حماس" مواقفها السابقة لجهة قبولها بعدم حكم القطاع وانفتاحها على أي خطوات لوقف الإبادة ولكنها لفتت إلى أنها لم تتسلم من الوسطاء أي مقترحات جديدة بعد. أما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، فلفت إلى أن الخطة المعروضة "شهدت توافقًا بنسبة كبيرة"، متحدثًا عن "تقارب كبير مع القادة العرب والمسلمين وتطابق في وجهات النظر مع الدول الصديقة حول التطورات في المنطقة، وخاصة القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة". ولا يزال الوسطاء يراهنون على حل قريب، إذ أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأحد، بأن وزير الخارجية بدر عبد العاطي التقى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وأكد له ضرورة استمرار تكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ونفاذ المساعدات دون عوائق. 

صحيفة "يديعوت أحرونوت"، من جهتها، نقلت عن مصادر أن نتنياهو"في حالة هستيريا قبل لقاء ترامب، وأن ثمة توترًا بسبب الخشية من تعرضه لمفاجأة". وقالت المصادر عينها إن الرئيس الأميركي مصمم بشدة على إنهاء الحرب، ويعتقد أنه آن أوان الحسم، ولن يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بإفساد خطته. هذا وتتكاثر المعطيات وتتضارب بشأن خطة "اليوم التالي" في غزة بينما يبدو أن الكرة اليوم باتت في ملعب نتنياهو المحشور برغبة "حليفه" بإرساء السلام "المزعوم" وعدم قدرته على المناورة أكثر والتحايل لمنع وقف الحرب التي يعني تلقائيًا التأثير على حياته السياسية، خاصة بعدما جرّدها من الأهداف التي رفعها منذ بدء العمليات العسكرية والتي تقلصت في ما بعد إلى التدمير الممنهج والقتل الوحشي دون أي أفق. فالرهائن الذي "يحتمي" بهم نتنياهو ويستخدمهم دعائيًا لاستمرار القتال في غزّة يواجهون الموت، خاصة بعدما أعلنت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، انقطاع التواصل مع الأسيرين الإسرائيليين عمري ميران ومتان إنغريست، نتيجة "العمليات العسكرية الهمجية والاستهدافات العنيفة في حيي الصبرة وتل الهوا (بمدينة غزة) خلال الساعات الـ48 الأخيرة"، محذرة من أن "حياتهما في خطر حقيقي". 

أما الرّد الاسرائيلي فجاء بتعميق العمليات العسكرية ومواصلة التدمير والقتل والتهجير الجماعيين في المدينة في إطار الهجوم البري الذي بدأته في 16 أيلول/سبتمبر الحالي ضمن عملية "عربات جدعون 2". وتستمر المجارز في وقت يرّكز الاحتلال ضرباته على القطاع الصحي مستهدفًا سيارات الاسعاف كما مستشفى الشفاء، الذي لا يزال يعمل رغم الظروف المحيطة. في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن شهود ومسعفين أن الدبابات الإسرائيلية توغلت بشكل مكثف في أحياء الصبرة وتل الهوا (جنوب) والشيخ رضوان (شمال) وحي النصر (غرب)، لتقترب من قلب مدينة غزة والمناطق الغربية من المدينة حيث يلجأ مئات الآلاف من السكان. تزامنًا، نفذ جيش الاحتلال حملة اقتحامات واسعة لمختلف بلدات ومدن الضفة الغربية المحتلة في وقت متأخر من مساء الأحد وفجر الاثنين تخللها إصابة عدد من الفلسطينيين. يأتي ذلك بعد الاعلان رسميًا عن مقتل أحد الجنود الإسرائيليين من لواء المظليين متأثرًا بإصابته في عملية دهس نُفذت عند مفترق جيت شمالي الضفة الغربية.

التطورات الفلسطينية هذه تأتي على وقع إعادة العقوبات على ايران والتي توعّدت أمس بالردّ بشكل "حاسم" على أي تهديد لمصالحها. ورفضت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، إعلان القوى الغربية إعادة تفعيل العقوبات بعدما جمدت لـ10 سنوات حسب الاتفاق النووي، مشددة على أن "هذا الإجراء لا يستند إلى أي أساس قانوني". بدوره، استنكر الرئيس مسعود بزشكيان هذه الخطوة، مجددًا التأكيد بأن بلاده "مستعدة لمواجهة أي سيناريوهات محتملة، ولن تقبل بمفاوضات تجرها إلى أزمات جديدة". وقال بزشكيان "نرفض وندين أي قيود أو عقوبات". وأضاف "نحن أمام خيارين إما الاستسلام، وإما الصمود والاعتماد على طاقات شعبنا، وسنسلك خيار الصمود". أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فوصف إعلان الترويكا الأوروبية تفعيل "آلية الزناد" بأنه "يشوبه خلل قانوني وإجرائي، ويعد لاغيًا وباطلًا". 

ومع عودة العقوبات الدولية على طهران، سجل الريال الإيراني أدنى مستوى له مقابل الدولار الأميركي، كما دخلت بنوك إيرانية في دائرة الحظر الدولي. وعليه يزداد المشهد تعقيدًا بظل صعوبة إحداث خرق ما بعد جمود المفاوضات بين ايران وواشنطن عقب الحرب التي شنتها اسرائيل على ايران بمؤزارة أميركية. وسبق لدول الترويكا الثلاثة (ألمانيا، فرنسا وبريطانيا) أن وضعت شروطًا لتأخير فرض العقوبات ولكنها اعتبرت أن ما قُدم في هذا الإطار "غير كافٍ". وكان نتنياهو دخل على خط ما يجري، معلنًا بأن إسرائيل تعلم مكان تخزين إيران لما يقرب من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، مشيرًا إلى أنه تم إطلاع الولايات المتحدة على هذه المعلومات الاستخباراتية. كما دعا إلى المحافظة "على الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على إيران، لأننا لن نتسامح مع استئناف جهودها لبناء قنابل نووية تهدف إلى تدمير بلدي وبلدكم"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وتبدو طهران في وضع حرج لاسيما أن الأمور الحالية لا تصب في صالحها بعد الضربات التي تم توجيهها لمحورها منذ أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلا أن لا تزال تغتنم الفرص وتحاول اختراق بعض "الساحات" للتأكيد بأنها تملك نفوذًا وسطوة. ومن هنا يمكن فهم دلالات زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، التي بظاهرها كانت المشاركة في إحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمينين العامين السابقين لـ"حزب الله" حسن نصر الله وهاشم صفي الدين. بينما في باطنها حملت العديد من الرسائل إلى الداخل والخارج، فإيران لا تنفك تؤكد دعمها للحزب واعتباره ركنًا أساسيًا في مشروعها، وبالتالي الوقوف في وجه كل محاولات نزع سلاحه التي توليها طهران أهمية استثنائية. في حين تجد الحكومة اللبنانية نفسها في "كباش" بين المطالب الأميركية الحاسمة في إطار حصرية السلاح وبسط الدولة سيطرتها على كامل أراضيه وبين موقف الحزب التصعيدي والرافض لذلك برعاية ودعم إيراني.

وإزاء هذا المشهد المُعقد، يتخوف الكثير من المحللين من عودة المواجهات إلى لبنان بظل المعطيات الحالية واهمها تنصل واشنطن من دورها كضامنة لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما جاء على لسان الموفد الأميركي توم برّاك الذي اعتبر أيضًا أن الدولة اللبنانية لم تقم بسحب سلاح "حزب الله،" وأن الحزب يعيد تكوين قدراته. وهذه التصريحات تعمّق الأزمة وسط تمسك الحزب بمواقفه السابقة والتي كررها أمس الأمين العام نعيم قاسم حين قال: "لبنان صامد أمام التحديات والتهديدات الأميركية - ‏الإسرائيلية، والشعب المقاوم على درجة عالية من العزة ودعم التحرير والاستقلال، ومن يرَ مواقف الناس ‏الشجاعة والصابرة؛ يؤمن بأن النصر حليفهم في مواجهة العدو الإسرائيلي". ‏ كلام قاسم أشعل سجالًا لبنانيًا داخليًا إذ سارعت القوى الرافضة لمواقف الحزب إلى الاعلان عن تمسك بالقرارات الرسمية الداعية لحصرية السلاح وعدم التنازل عنه لتجنيب البلاد تداعيات كارثية هي بغنى عنها. وبينما ينشغل لبنان بهذا الملف المتشابك، يواصل الاحتلال الاسرائيلي انتهاكاته حيث نفذ الطيران الحربي سلسلة غارات على مناطق متفرقة في جنوب البلاد بينما قال الجيش الإسرائيلي بأنه "قصف مخازن ووسائل قتالية تابعة للحزب". 

ومن بيروت إلى دمشق التي تشهد حركة نشطة، حيث تحدث وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، عن أن هناك توافقًا بين بلاده والولايات المتحدة حول ضرورة استقرار سوريا والحفاظ على وحدتها وسلامتها السياسية. وتلعب أنقرة دورًا سياسيًا متقدمًا منذ سقوط النظام السابق في وقت تسعى واشنطن لابرام اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب. وعلى الرغم من وجود العديد من النقاط الشائكة، إلا أن الأطراف المعنية تدفع بهذا الاتجاه للتوصل إلى اتفاق يحدّ من استمرار الاعتداءات الاسرائيلية. وعلّق زير الخارجية السوري أسعد الشيباني على هذه الأحداث بالقول إن الهجمات على الأراضي السورية "تجعل أي مسار للتطبيع صعبًا". وأضاف "إسرائيل تقابل سعينا للسلام بالغارات والتهديدات". كما أعاد تكرار المواقف السابقة لجهة أن "سوريا لا تمثل تهديدًا لأحد في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل".

وفي إطار الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم، نلحظ تركيزها على المواضيع والعناوين التالية:

أشارت صحيفة "النهار" اللبنانية إلى أن "الخطة الأميركية التي تضم الكثير من أفكار تقدمت بها دول أخرى طوال العامين الماضيين، قد يقبل نتنياهو ببعضها ويرفض بعضها الآخر، ويعمد إلى شراء الوقت ريثما يعمل على توطيد أمر واقع جديد في غزة. ولا تحتل استعادة الأسرى الإسرائيليين الأولوية لدى نتنياهو، بل يريد استسلاماً غير مشروط لـ"حماس"، بما يوفر له ادعاء "النصر المطلق" في الحرب"، معتبرة أن "كل قرارات نتنياهو منذ الآن تتحكم بها الانتخابات المقبلة في 2026. وانطلاقاً من هذا، فإنه سيرفض أي إشارة إلى إمكان فتح أي أفق سياسي، في سياق الخطة الأميركية أو أي خطة أخرى، ولن يقبل أيضًا ربط مصير غزة بمصير الضفة الغربية".

صحيفة "الدستور" الأردنية، كتبت تحت عنوان "بلفور وبريمر وبلير" "إذا كان بلفور أنشأ وطنًا لليهود في فلسطين، وإذا كان (بول) بريمر قد وضع أسس ضعف الدولة العراقية بعد تدمير قدراتها العسكرية والمدنية، فإن توني بلير سيكون أمام مهمة تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية، أو ما تبقّى منها بحيث لا تقوم دولة قابلة للحياة مستقبلًا". وأضافت "إذا صحت التكهنات بتولي توني بلير ومعه صهر الرئيس ترامب، جريد كوشنر و(الموفد الأميركي ستيف) ويتكوف مسؤولية إدارة انتقالية لقطاع غزة لمدة خمس سنوات، فإن مستقبل وحدة أراضي الدولة الفلسطينية سيكون في خطر، حتى لو تم تقديم ضمانات مسبقة".

وعن أسطول الصمود، لفتت صحيفة "القدس العربي"  إلى أن "إسرائيل تتعامل مع هذه المبادرة الإنسانية العالمية باعتبارها معركة "توراتية" جديدة، ولكن المبادرة في حقيقتها، تحدّ لظواهر حديثة تجد أسبابها في ظاهرة الاستعمار والاستيطان الكولونيالية الحديثة، وتقوم المبادرة عمليا بتحدي احتلال إسرائيل الفاجر للأراضي الفلسطينية، وغطرستها الإقليمية الفظيعة، وقانون الغابة الذي فرضته، مع حليفتها العظمى، أمريكا، على العالم اليوم". وخلصت إلى ان "الدولة العبرية تحولت، مع انفلاتها الكامل عن القوانين الإنسانية والدولية، من عدوّ وجوديّ للفلسطينيين، إلى تهديد كبير للسلم العالمي، ولكامل المنظومة الأممية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، في دلالة كبيرة على حصول تغيّر غير مسبوق في الديناميّات الدولية المتعلقة بإسرائي".

أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فألمحت إلى "أن الاعترافات الصادرة لم تقترن بتعريف محدد لحدود الدولة الفلسطينية، أو معالجة العديد من الإشكاليات الأخرى، لكن ذلك لا ينال من أهمية تكريسها لمبدأ حل الدولتين أولا، وتؤكد ثانيا حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة"، داعية الفلسطينيين إلى "تقديم نموذج لدولة مدنية يمكن الدفاع عنها، وتشكل أساسا لتعميق قناعة المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين وجدارتهم في امتلاك دولتهم، كما أهمية إنهاء حالة الانقسام، وإعادة بناء المؤسسات السياسية الوطنية، وتكريس نموذج للديمقراطية وتداول السلطة، وتطوير خطاب سياسي موحد وحديث إزاء المجتمع الدولي...

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن