وجهات نظر

الكارثة والدرس

ليلة الجمعة الأخيرة (8 سبتمبر/أيلول) ضرب منطقة الحوز، في جنوب المغرب، زلزال مدمّر، بلغت شدّته 7 درجات على سلّم ريختر، وامتدّت آثاره لتشمل مناطق هائلة من وسط المغرب وجنوبه وجزءًا من شرق البلاد. فاق عدد الهالكين في الزلزال ألفين وتسع مائة نسمة، وأكثر من هذا أعداد المصابين (ولا تزال أعمال التنقيب عن الضحايا مستمرّة حتى كتابة هذا المقال).

الكارثة والدرس

من الطبيعي في أحوال الكوارث الطبيعية أن تتلاحق، من مناطق مختلفة من العالم، علامات الدعم والمساندة، والشأن إزاء كارثة زلزال الحوز كذلك.

التعبير الحيّ والمباشر عن رباط العروبة يُكسب "المشترك الثقافي" الوجود والمعنى

ومن الطبيعي أيضًا، أن تكون حكومات وشعوب البلاد العربية في الطليعة، وقد كان الأمر، ولله الحمد، والمغاربة يسجّلون بكل امتنان، أنّ الامارات العربية المتحدة، وكذا دولة قطر، كانتا سبّاقتين في ذلك، مثلما يسجّلون أنّ دولًا شقيقة (الأردن، تونس، البحرين... وأعتذر عمّا يكون مني من سهو) أعلنت جاهزيتها لإرسال فرق إنقاذ، وليس قولي يفيد أنّ الدول العربية الأخرى كانت في حال تقاعس أو عدم اهتمام، بل إن العكس تمامًا هو الصحيح، ولست أجد في تأكيد هذه الحقيقة أفضل من عمل القنوات التلفزية، في مختلف أرجاء الوطن العربي في التعريف بهول الكارثة وأيضًا في إشاعة الحس الوجداني العربي المشترك وفي التأكيد على عمق وقوة ما نعنيه بالحديث عن "المشترك الثقافي" وبالتالي التعبير الحيّ والمباشر عن رباط العروبة الذي يُكسب ذلك المشترك الوجود والمعنى معًا (وأفتح القوس لأقول: إنّ في قرار الحكومة الموريتانية إلغاء الحفلات طيلة أيام الحداد، تضامنًا مع الشقيق المغربي، صورة تجلي قولي في صورة بهية).

كل ما ذكرتُ يدخل في نهاية الأمر، في باب الطبيعي والقول المكرّر المعاد - وفي زمن شبكات التواصل وعصر الفضائيات يظهر عجز القلم وقصوره في التعبير - بيد أني، في رد فعلي آني ومباشر يستوجب التدقيق والتوضيح بعد ارتفاع الغمّة، أودّ أن أستخلص الدرس المستفاد من الكارثة وأن أنبّه إلى ما كان منه ذا صلة بالمشترك الثقافي العربي.

من المجتمع المدني في العالم العربي يمكن التعويل على الخير الكثير

أوّل أمر يستثير الانتباه، هو الوجود الحيّ والفاعل للمجتمع العربي في العالم العربي. نعم، تبيّن كارثة زلزال الحوز عن حضور المجتمع المدني في المغرب من خلال الفعالية والنجاعة اللتين تبديهما الجمعيات المدنية (= نسبةً إلى المجتمع المدني) في المغرب، في إنقاذ وإسعاف الضحايا. والحقّ، في الحديث عن روح التضامن الوطني والانساني في المغرب، أنّ في مشاهدة طوابير من الشباب، ذكورًا وإناثًا، ومن كبار السنّ تمتدّ - تحت حرّ الشمس - عشرات المئات من الأمتار أمام مراكز تحاقن الدم قصد التبرّع بالدم للضحايا الجرحى، ما يغني عن كل قول غيره، دعك من حملات جمع الألبسة والأطعمة ومواد التغذية. بيد أنني أزعم لنفسي، أنّ الأمر لن يكون مغايرًا لذلك في المناطق الشاسعة والبعيدة من البلاد العربية - وقاها الله من كل سوء ومكروه - إذا قُدّر لها الابتلاء بكارثة طبيعية تخرج عن إرادة الإنسان وتقديره. من المجتمع المدني في العالم العربي يمكن التعويل على الخير الكثير، ولربما وجب أن نضيف أنّ هذا المجتمع لا يزال في حاجة إلى مزيد تنظيم ومزيد توضيح للعلاقة مع الحكومات ومع النظام الإداري عند أغلب دول عالمنا العربي، ولكن الأساس موجود، وهو قويّ معافى.

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي أدوارًا قوية مباشرة ومؤثّرة في تكييف الوعي

ثاني أمر، وليس المجال يتّسع لي أن أتحدّث عن أمور أخرى لا تقلّ خطورة، يتعلّق بوسائل (أو وسائط) التواصل الاجتماعي من خلال شبكة الإنترنت والمواقع التي يعجّ بها. نعم، تلعب تلك الوسائل أدوارًا قوية، مباشرة وربما مؤثّرة، في تكييف الوعي وفي تسهيل نقل الأخبار والمعلومات. وفي كارثة الحوز أدلّة على ذلك قوية، ولها وللمساهمين فيها كامل الشكر والتقدير في التسهيل وفي الإخبار وفي الإسهام في نشر الوعي بهذا المشترك العربي الثقافي. غير أنها تلعب أدوارًا سلبية خطيرة - وهذا ما أرجئ القول فيه إلى الحديث المقبل.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن