التحدي القائم الآن، زمني بالأساس، فصل الشتاء على الأبواب، والكلّ يعلم أنّ المناطق المنكوبة هي مناطق جبلية تتراجع فيها درجات الحرارة دون الخمس درجات تحت الصفر وتتساقط فيها الثلوج والأمطار بكثافة، وهو ما ينذر بكارثة أخرى في الأفق، إن لم يكن هنالك تدخّل عاجل من قبل السلطات المغربية على مستوى إيواء الساكنة وتوفير التدفئة والغذاء والعناية الطبية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
كلفة الإنقاذ والتحرّكات العاجلة على المدى القريب وكلفة إعادة الاعمار على المديين المتوسط والبعيد، قد ترهق موازنة المغرب المثقلة بتبعات الصدمة التضخّمية والتقلّبات المناخية التي فرضت عليها توجيه جزء منها لدعم المحروقات وبعض المواد الغذائية، وهو الأمر الذي كانت تستعدّ الحكومة لتجاوزه خلال السنة المقبلة عبر إقرار آلية للدعم المباشر تعوّض منطق الدعم العام، وهو ما كان سيوفّر للحكومة هوامش مالية كان من المنتظر أن تستثمر في مشاريع تنموية واجتماعية.
تحاول المملكة مواجهة العبء المالي الطارئ بتحويل الاعتمادات وإنشاء صندوق تضامني
الواقع الجديد، سيفرض على الحكومة مراجعة حساباتها بشكل سريع، للتكيّف مع طبيعة الحاجيات المستجدة المرتبطة بعمليات الإنقاذ وإعادة الاعمار، وهو ما يعني رصد اعتمادات إضافية وتحويل اعتمادات أخرى عن وجهتها المبرمجة لصالح برامج إعادة الإعمار، ما قد يعطّل تنزيل عدد من المشاريع المبرمجة لسنة 2024 المرتبطة بعدد من القطاعات الاقتصادية.
في الوقت الراهن، تحاول المملكة المغربية مواجهة هذا العبء المالي الطارئ باعتماد مجموعة من الآليات، في مقدّمتها، كما أشرنا سالفًا، تحويل الاعتمادات، إلى جانب آلية إنشاء صندوق تضامني بتوجيهات من العاهل المغربي، وهي آلية أثبتت فعاليتها خلال فترة الجائحة حيث مكّنت المغرب من مواجهة تبعات الأزمة عبر تعبئة موارد مالية إضافية، من خلال تبرعات الأشخاص والشركات والمنظّمات الأهلية، وهو ما مَكّن من تقديم مساعدات مالية للأشخاص الذين فقدوا عملهم وللأشخاص والأسَر في وضعية صعبة، هذه الآلية من المرتقب أن تمدّ الحكومة بتدفقات مالية مهمّة ستوظّف لاقتناء الحاجيات الأساسية من غذاء وخيام وأدوية، وكذلك ستوظّف لدعم عملية إعادة الإعمار، التي يجب أن تتمّ بشكل سريع لتلافي تبعات شتاء يتوقّع خبراء المناخ أن يكون قاسيًا على ساكنة المنطقة.
في السياق ذاته، يمكن تعبئة موارد إضافية من خلال المساعدات المالية التي سبق لدول صديقة ومؤسسات مالية دولية أن تعهّدت بمنحها للمملكة، في مقدّمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان يعتزمان تنظيم اجتماعاتهما الخريفية خلال الأسابيع المقبلة بمدينة مراكش.
الاقتصاد المغربي إجمالًا سيتأثّر بتبعات هذا الزلزال خاصة القطاع السياحي
التحدي الثاني، مرتبط بعملية إعادة الإعمار، تقنيًا من الصعب تشييد آلاف المنازل والدور والمؤسسات والبنى التحتية المدمَّرة في وقت وجيز، نظرًا لشساعة المناطق المنكوبة، غير أنه للمغرب تجربة سابقة في هذا السياق، فتجربة إعادة اعمار منطقة الريف عقب زلزال الحسيمة سنة 2004 يمكن استحضارها لتسريع إعادة إعمار منطقة الحوز، حيث كان يتمّ تزويد الأسَر بمواد البناء وبالمساعدة التقنية والهندسية وفق معاير البناء المقاوم للزلازل، ويتم تشييد الدور والمنازل بشكل تضامني بين الساكنة ومنظمات المجتمع المدني والمتطوعين، وهو ما قد يُسهم في تسريع عمليات البناء.
في انتظار ذلك، يجب التفكير في مسألة الإيواء المؤقت عبر فتح الفنادق والملاعب والمؤسسات المدرسية الغير متضرّرة في وجه الأسَر وترحيل من بقي من الساكنة في المناطق الخطرة إلى المناطق الآمنة في انتظار إعادة الإعمار.
لا تنحسر الخسائر المادية عند الدمار الذي لحق بالبنى التحتية، فالاقتصاد المغربي إجمالًا سيتأثّر بتبعات هذا الزلزال، خاصة القطاع السياحي، فمدينة مراكش التي تُعتبر القلب النابض للسياحة المغربية قد تأثّرت جزئيًا من خلال الأضرار التي لحقت ببعض الوحدات السياحية وبعض المآثر التاريخية التي تُعدّ من بين أهم عناصر الجذب، وهو الأمر الذي قد يكون لديه انعكاس سلبي على حجم تدفقات السياح وقد يزجّ بالقطاع في أزمة مؤقتة إلى حين تجاوز تبعات المرحلة، ما يعني تكبّد خسائر على مستوى النموّ وعلى مستوى مناصب الشغل.
ومعلوم أنّ القطاع السياحي يُعدّ من بين أهمّ القطاعات المشغّلة والمساهمة في الاقتصاد المغربي، وقد أسهم بشكل كبير في الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية بفضل أدائه الجيّد معوضًا بذلك تراجع أداء بعض القطاعات كالفلاحة والصناعات الاستخراجية جراء الصدمة التضخمية وتقلّبات الأسعار وجراء الاضطرابات المناخية والجفاف.
ولعلّ معالم ونتائج تدبير هذه الأزمة، فرصة لكي تتمّ مقارنته مع السائد في دول المنطقة، أو على الأقلّ الاستفادة منه، أخذًا بعين الاعتبار هول بعض الأحداث التي نعاينها، وآخرها الإعصار الذي ضرب ليبيا، مباشرةً بعد زلزال المغرب، ولنا أن نتخيّل معالم التدبير والتضامن والمساندة مع هذه الأحداث لو أنّ مؤشرات التضامن العربي كانت مرتفعة عمّا هي سائدة حاليًا في الساحة.
(خاص "عروبة 22")