المتتبع لسلوك حركة "حماس" وتحركاتها يكتشف أنه لا توجد أية مؤشرات حقيقية للتقدم للأمام باستثناء وقف إطلاق النار في ظل ما يجري من تطورات، خاصة أن إسرائيل تعمل على تحقيق مكاسبها الكبرى، واستمرار التفاوض تحت النار دون أن يكون هذا التفاوض رادعاً لوقف الحرب، أو أن يدفعها لإنهاء الحرب، حيث لا تزال تركز على العمل العسكري، ما قد ينذر بالفعل بمخاطر حقيقية على تنفيذ اتفاق غزة.
وفي المقابل، فإن مراوغات حركة "حماس" تشير إلى أن الحركة لن تخرج من القطاع أو القبول بما هو مطروح من توجهات، بما في ذلك التخلي عن السلاح في مقابل المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق، وهو ما يؤكد ضرورة الحاجة للوسيط الأميركي بالأساس، ومن خلفه الوسطاء الآخرون الذي يتحركون في دوائر متفاعلة بهدف تحصين الاتفاق خاصة أن المطروح تشكيل قوة أممية تعمل في القطاع، ما قد يؤدي إلى تدويل مسألة غزة من الآن فصاعداً، وإلا فإن الحرب ستستمر بصورة أو بأخرى ما قد يؤدي إلى مزيد من المواجهات المحتملة، والاتجاه إلى التصعيد فالبحث عن الجثامين قد يستمر أشهراً عدة، وبدء عمل القوة الأممية يجب أن يتم على وجه السرعة لإفساح المجال إلى تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة، ولذلك فإن الإدارة الأميركية تريد الانتقال والنفاذ سريعاً إلى الخطوة التالية، بدليل أن ما يتم في سياق من التوافقات الأولية، وفي ظل حسابات حذرة مطروحة في ظل الوضع الراهن.
ومع إدراك الطرفين أن الوقت كفيل بتغيير الرؤية أو المنهج، فإن زرع سلاح حركة "حماس"، على سبيل المثال، قد يتم في سياق سيناريوهات عدة، الأول: سيطرة "حماس" على نصف القطاع، وبقاء إسرائيل في نصفه الآخر، ما يعني أن الحركة ستعيد بناء نفسها، الثاني: أن يتم نزع السلاح بالقوة من خلال الوسطاء، الثالث: إقامة حكم جديد في القطاع دون نزع السلاح وهذا يخيف إسرائيل، ويجعلها تضغط، خاصة أن تقليص دخول المساعدات هو رسالة للجميع بأن إسرائيل لن تتفاوض على أي بند من بنود الخطة، وخصوصاً نزع السلاح برغم أن العديد من الدول متفقة على ضرورة نزع سلاح "حماس"، لكن ذلك قد يكون صعباً، كما أن مسألة منْ سيتولى مسؤولية الأمن في غزة في المستقبل لا تزال موضع خلاف.
والواقع تركز المرحلة الثانية على مجموعة من النقاط المرتبطة ببعضها، كانسحاب القوات الإسرائيلية -وهو أمر مستبعد -وإعادة الإعمار وتشكيل لجنة لإدارة غزة، لذلك لا يمكن للجانبين الأميركي والإسرائيلي التركيز على جزئية نزع السلاح دون غيرها من النقاط، لا سيما وأن حركة "حماس" في ردها على خطة ترامب لم تقبل إلا بوقف الحرب مقابل تسليم الأسرى. وفي المقابل، فإن جيش الاحتلال قام بترسيم الخط الأصفر، والذي سيقتطع نصف قطاع غزة، وحذر السكان من الاقتراب، وسيُوضع علامات مادية ومتواصلة على الخط الأصفر، حيث يتمركز الجيش الإسرائيلي في منطقة تزيد على 50% من قطاع غزة، وذلك لتحديد مسار خط الفصل الأمني-السياسي الذي يعمل الجيش على طوله.
ومن ثم فإن مفهوم الخط الأصفر يُستخدم في السياق العسكري والسياسي الإسرائيلي للدلالة على الحدود التي يُعتبر تجاوزها تهديداً مباشراً للأمن القومي، ولن يقتصر هذ الخط يقتصر على المجال العسكري فقط، بل يمتد ليشمل المجال السياسي والدبلوماسي، حيث تُحسب كل خطوة بالنسبة لإسرائيل وفق معايير الخطوط الصفرية المحيطة بالخط الأصفر، ولعل هذا هو الجاري في هذا التوقيت، ومن خلال التحركات الإسرائيلية في قطاع غزة، وتحديداً في رفح والشجاعية وخان يونس ودير البلح، مع العلم أن نحو 26% من نقاط التمركز الجديدة توجد في شمال غزة خصوصاً في بيت لاهيا وبيت حانون، بينما تستحوذ مدينة غزة وحدها على 16% من هذه النقاط في حين يتمركز 27% من القوات جنوباً في رفح وخان يونس، وهو توزيع يعكس توجه القوات الإسرائيلية في إبقاء السيطرة العسكرية على الأطراف الحيوية بالقطاع بأكمله.
كما سيظل "محور صلاح الدين" بين قطاع غزة ومصر، يمثل النقطة الأساسية في المرحلة المقبلة من الاتفاق إن مضت الأمور في طريقها، ولم تتوقف أو يتعثر الاتفاق بين إسرائيل و"حماس"، والذي يحتاج إلى تشكيل قوة لتحقيق الاستقرار من الولايات المتحدة للحفاظ على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبدء العملية الإنسانية، وإعادة تشغيل الكهرباء والمياه، وبدء عمليات إعادة الإعمار، وإنشاء قوة شرطة فلسطينية محلية، حيث ستقوم فرقة من القيادة المركزية الأميركية بإنشاء "مركز تنسيق مدني عسكري" لتحريك المشهد الراهن، وهو ما أكده المبعوث الأميركي ستيف وتكوف مؤخراً في جولته الشرق أوسطية.
وستتشابه هذ القوة المقترحة في غزة بما تم من قبل في إقليم كوسوفو، وستحتاج هذه القوة إلى تفويض من الأمم المتحدة لتوفير أساس قوي في القانون الدولي، وتسهيل الحصول على مساهمات محتملة من الدول، وبمجرد رسم الخطوط، ربما سيتم نشر خمسة ألوية دولية في جميع أنحاء غزة، يمكن أن تبدأ مهمة المساعدات الإنسانية، ومن المحتمل إنشاء ما سماه مناطق آمنة، وسيبقى الأمر في مجمله مرتبطاً بحالة الأمن والاستقرار - إن تم - ولكن ستبقى كل الخيارات قائمة، وكل السيناريوهات محتملة في غزة، وحتى إشعار آخر.
(الاتحاد الإماراتية)

