الكلمة كما نفعل في المعتاد - نحن العرب - في الكثير من الألفاظ والتعابير في أحاديثنا اليومية، تُصرف، في الكلمة المنقولة إلى العربية، في منطوقها الأجنبي. ولعلّ أكثر تلك الكلمات تداولًا بين المتواصلين على الشبكة العنكبوتية، باللّسان العربي، كلمتان:
الأولى هي "اللّايكات" (وهي تحريف للفظ الإنجليزي "like" الذي يفيد الإعجاب بالشيء أو الرغبة في الشيء)، أو في منطقة المغرب العربي تخصيصًا كلمة "الجيمات" (وهي بدورها تحريف للعبارة الفرنسية "j’aime") - المقابل الفرنسي للفظ "أحب" أو "أرغب" - في اللغة العربية.
أمّا الكلمة الثانية فهي لفظ "الشيرات" (وهي، كما هو واضح لدى الكثيرين من القرّاء، تحريف بالجمع للفعل الإنكليزي "to share")، الذي يعني التقاسم والمشاركة. واللّفظ المقابل في اللغة الفرنسية "partager"، وهو الفعل الذي يُفيد المشاركة آنًا وطلب التقاسم، أو الأمر به آنًا آخر.
لكلّ مُصطلح دلالة تُلتمس في قاموس الشبكة العنكبوتية وفي لغة التواصل الاجتماعي وليس في القواميس اللّغوية
ما يستوجب الانتباه إليه هو أنّنا، في لغة المتواصلين عبر الشبكة العنكبوتية، نوجد أمام مُصطلحَيْن وليس أمام كلمتَيْن من مفردات القاموس اللّغوي العام، وفرقٌ شاسعٌ بَيْنَ اللّفظ في عمومه، وبَيْنَ المصطلح في خصوصه ودقّة معناه. لا يرجع السبب في ذلك إلى أنّ الكلمة التي تُكتب هي "تو شير" أو "بارتاجي" وليس "تَقَاسَمْ" أو "وَزِّعْ" (أي قُم بالتوزيع). السبب آخر، إذ إنّه يتعلّق بالقصد في الخطاب عند كلٍّ من المُخاطِب والمُخاطَب.
حقيقة الأمر أنّ الألفاظ المذكورة (اللايكات، الجيمات، الشيرات) مصطلحات لكلّ منها معنى مُحدّد في الحقل الدلالي للشبكة العنكبوتية، وفي عُرف اللّسانيين، فإنّ كلًّا منها يُعتبر "علامةً" تنطق بذاتها أو "شِفرة" يُعين فكّ رموزها والكشف عن غامضها. وتوخيًّا للمزيد من الوضوح نقول إنّ الكلمات الثلاث المشار إليها قد صارت، منذ عقودٍ قليلةٍ، مُصطلحاتٍ ولكلّ مُصطلح منها دلالة تُلتمس في قاموس الشبكة العنكبوتية وفي لغة التواصل الاجتماعي وليس في القواميس اللّغوية.
تأتي كلمة "لايك" في مواقع التواصل الاجتماعي في مكانٍ مُخصّصٍ لكتابة "التعليق" على ما يرد في الموقع الإلكتروني من رأي. وبالتالي، فعندما ينقر المُبحر على لفظ "لايك" أو على كلمة "جيم"، فإنّه لا يعبّر عن إعجابه وموافقته على ما قرأ من رأيٍ وحسب، بل إنّ فعله عملية تصويت يُشارك فيها، تصويت بالإيجاب لصالح الموقع ولصالح الشخص صاحب الرأي.
ما تقوم به الأصبع من نقرٍ على الأيقونة "لايك" وكذا على الأيقونة "شارك"، صوتٌ ينضاف إلى العدد الموجود في الموقع: عدد مرات "المشاهدة" أو "الزيارة"، وعدد "اللايكات"، ولكلّ ذلك ترجمة عملية ــ ترجمة حسابية مالية صرف، ذلك أنّ الموقع يُسجّل، بالضرورة، في بوابة محرّكٍ عملاقٍ من محرّكات البحث في الشبكة، وهو يمتلك لوحة إشهارٍ ضخمة.
"المؤثّرون" يصنعون الرأي العام ويُكيّفونه بائتمار من سلطة خفية لعلّهم في مقدّمة الجاهلين بطبيعتها
اختصارًا للقول، فإنّ ارتفاع أعداد "زوّار الموقع" يخدم مصالحه التجارية بشكلٍ غير مباشر، مثلما هو يخدم، بكيفيةٍ مباشرةٍ، أغراض الموقع الذي يستضيفه محرّك البحث العملاق، مقابل اشتراك مالي وما إلى ذلك. ودعك من الحسابات الإيديولوجية التي يقوم بها الموقع، ودعك من الفوائد الأخرى الخفيّة التي لا أُحسن الحديث عنها ومن الحروب التي تُجنَّد لها طاقات وأموال عظيمة، ومن ثمّ حرب المواقع الإلكترونية ومعارك "الذباب الإلكتروني".
ما يعنيني من هذا كلّه هو أنّ فئةً جديدةً ومُصطلحًا جديدًا قد أفرزتهما الشبكة هما فئة "المؤثّرين" (Influencers) مقابل فئة "التابعين" (followers) أي أولئك الذين يصنعونهم أو، بالأحرى، يخلقون لهم فرص الارتقاء إلى رتبة "المؤثّرين": أولئك الذين يصنعون الرأي العام ويُكيّفونه، بائتمار من سلطةٍ خفيةٍ، لعلّهم في مقدّمة الجاهلين بطبيعتها.
(خاص "عروبة 22")

