يُظهر العالم العربي مقاومة للتغيير والتطوّر، وبالرغم من التغييرات الكبيرة التي حدثت في العالم، فإنّ الأنظمة العربية التي اتخذت ملامحها خلال عقدي الخمسينات والستينات ما زالت قائمة ومستمرة. انتهت الحرب الباردة وتفكّك الاتحاد السوڤياتي وفرط عقد المنظومة الاشتراكية، وقام الاتحاد الأوروبي وأصبحت الصين ثاني اقتصاد في العالم. ومع ذلك فإنّ العالم العربي يراوح مكانه منذ ما يزيد على نصف قرن. وإذا رصدنا بعض المظاهر الإيجابية، فإنّ تفاقم المشكلات يطغى على المشهد العربي الراهن.
ارتسمت ملامح العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، وانهزام الدولة العثمانية وخروجها من سوريا بعد وصول قوات الثورة العربية إلى دمشق. إلا أنّ ذلك لا ينفي الآثار التي تركها الحكم العثماني وخصوصًا حقبة التنظيمات لجهة الإصلاحات العثمانية والتعليمية والعسكرية التي أدّت إلى بزوغ طبقة من المتعلّمين والعسكريين التي سيكون لها الدور في تقلّد زمام حكم البلاد، ولا بدّ أن نذكر بأنّ تأسيس متصرّفية جبل لبنان وإعلان ولاية سوريا، كان من بين الملامح التي رسمت حدود المشرق العربي. أما مصر فقد كانت أول بلد عربي ارتسمت حدوده منذ مؤتمر لندن عام 1840 الذي أدّى إلى انسحاب القوات المصرية من بلاد الشام وجعل حكم مصر وراثيًا لأبناء محمد علي باشا.
شهدت مرحلة ما بين الحربين العالميّتين هيمنة الفكرة العربية
وقد لعبت التدخلات والاحتلالات الاستعمارية الأوروبية دورًا في نشوء الوطنية التونسية بعد الاحتلال الفرنسي 1881، والوطنية المصرية إثر الاحتلال الإنكليزي 1882، والوطنية المغربية بعد التدخلات الاسبانية والفرنسية.
وبعد الحرب العالمية الأولى رسمت الدول الاستعمارية حدود الدول في المشرق، الأمر الذي ينسب إلى اتفاقية سايكس- بيكو. وكما ساهم الفرنسيون في إقامة دولة لبنان الكبير، ثم دولة سوريا بعد تقسيمها إلى أربعة دول حتى عام 1936، كذلك ساهم الإنكليز في إقامة إمارة شرق الأردن والمملكة العراقية.
تولّت النُخب ذات التكوين العثماني الحكومات في البلدان الحديثة. واضطلعت بصياغة الدساتير، وصار لكل دولة نشيد وعلم وجيش وقوات أمن ونظام برلماني وقد تبنّت الحكومات النظام الليبرالي الذي سمح بتكوين الأحزاب وتداول السلطة. في الوقت نفسه الذي كانت تظهر فيه تيارات فكرية وعقائدية قومية واشتراكية، نشط باحثون اعتمادًا على الاكتشافات الأثرية التي قامت بها بعثات غربية في البحث عن جذور قديمة للكيانات الناشئة، فتعصّب بعضهم لمصر الفرعونية ولبنان الفينيقي وسوريا السورية والعراق البابلي.. إلا أنّ كل هذه الدعوات لم تؤثّر في تأكيد الهوية العربية اللغوية والثقافية لبلدان المشرق والمغرب.
كان إنشاء جامعة الدول العربية هو أقصى ما يمكن أن يقدّمه حكّام تلك المرحلة
وشهدت مرحلة ما بين الحربين العالميّتين هيمنة الفكرة العربية، التي أفضت إلى طرح فكرة اتحاد عربي بإيحاء من بريطانيا، إلا أنّ الحذر كان يدعو كلّ دولة للتحفّظ على فكرة الاتحاد، فكان الملك عبد العزيز بن سعود متوجّسًا من طموحات الهاشميين في العراق الذين كانوا لا يزالون يأملون بإقامة مملكة تضم العراق والأردن وسوريا، وقد لعبت مصر من خلال رئيس حكومتها آنذاك مصطفى النحاس دورًا في تقريب وجهات النظر، وأخذ تحفظات كل دولة بالاعتبار. وكان الأمر يتعلّق بالدول التي اعتبرت مستقلة وهي سبعة: مصر وسوريا والعراق والأردن واليمن والسعودية ولبنان، التي أقرّت في 22 آذار/ مارس 1945، ميثاق جامعة الدول العربية. وقد نصّت المادة الأولى على أنّ لكل دولة مستقلة الحقّ في أن تنضمّ إلى الجامعة إذا رغبت في الانضمام. ونصّت المادة الثانية، أنّ الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها.
وكان واضحًا تفادي أية صيغة اتحادية أو أي مسار يؤدي إلى مزيد من الاتحاد على حساب استقلال كل دولة بشؤونها. وكان إنشاء جامعة الدول العربية هو أقصى ما يمكن أن يقدّمه حكّام تلك المرحلة، الذين كانوا يواجهون مشكلات التأسيس، أو الصمود في وجه قوى تقول بالتغيير والخلاص من الطبقات التي حكمت في كنف الدول الاستعمارية.
ومع ذلك فقد استطاعت جامعة الدول العربية أن تبقى مؤسسة قومية تُبقي على الروابط الرسمية بين الدول العربية.
ففي القمة العربية عام 1964، كان عدد الدول المشاركة قد بلغ 14 دولة مع انضمام ملحوظ لدول المغرب العربي، تونس والجزائر والمغرب. إضافة إلى الكويت وفلسطين وليبيا والسودان. ليصبح اليوم عدد الدول العربية الأعضاء في الجامعة 22 دولة.
(خاص "عروبة 22")