تبدو خطة الانفتاح الأميركي على حركة "حماس" واضحة، وتتم في دوائر محددة، ومن خلال مؤشرات عديدة جرت وقائعها في مراحل سابقة، وطوال الأشهر الأخيرة التي ارتبطت بالفعل بشخص آدم بوللر، مسؤول ملف الرهائن في الإدارة الأميركية، والمقرب من الرئيس ترامب، ومضت إلى الانفتاح على بعض الشخصيات الأميركية من أصول فلسطينية، والتي مهدت الأجواء بين قيادات حركة "حماس" والإدارة الأميركية، وهو ما فتح الطريق أمام ما يجري، خاصة أن الإدارة الأميركية باتت تتعامل بواقعية ونفعية في آن واحد.
والهدف محاولة تطويع حركة "حماس" خاصة بعد صدور القرار الدولي الأخير من مجلس الأمن، ومسعى الإدارة لتطويق أي ممانعة لدى الحركة في رفض القرار الدولي، وما هو قادم من خطوات تتعلق بتشكيل القوة الدولية، والانتقال تدريجياً لتنفيذ خطة ترامب. ولهذا فإن الانفتاح الأميركي المندفع على حركة "حماس" سيظل أمراً مطروحاً من دون وسطاء مع رفع مستوى التعامل، وبصورة غير معلنة، وفي إشارة إلى أن رأس الدولة الأميركية يسعى للتعامل مع الحركة في إطار ما يجري من تطورات، حيث يبدو الهدف الأميركي واضحاً في إطار تطورات منضبطة تتعلق بمحاولة استيعاب "حماس"، وتقديم قائمة تحفيزية لها في إجراء الاتصالات الدبلوماسية مباشرة، وتغيير زاوية المقاربة الراهنة مع العمل على خيارات عدة تتعلق بالهدف الرئيس المعني بإشكالية نزع السلاح، من خلال القوة الدولية، وعبر الوسطاء الأمر الذي تحفظت عليه حركة "حماس" عقب صدور القرار الدولي، وأيدته السلطة الفلسطينية على اعتبار أنه يعطي ضوءاً مهماً بالإقرار بدولة فلسطينية في نهاية المسار الراهن.
وفي المقابل، فإن حركة "حماس" لديها مجموعة من الأهداف أهمها، الحصول على اعتراف الأمر الواقع، وإسقاط السردية الأميركية والإسرائيلية معاً بأن حركة "حماس" حركة إرهابية، ما سيكون له انعكاسات حقيقية على شعبية الحركة، وإمكانية أن تتحول إلى حزب سياسي في الفترة المقبلة، مع بقاء السلاح أو على الأقل تجميده، ما يؤكد أن الأهداف الكبرى لـ"حماس" تتجاوز الاعتراض على القرار الدولي، خاصة وأنها ظلت طرفاً رئيساً في المعادلة الراهنة، ولم تُقصَ بعد، وأن خطة تشكيل لجنة الإسناد ماضية برغم بعض العثرات.
في هذا السياق تتحرك حركة "حماس" انطلاقاً من حسابات محددة في المقام الأول من خلال الحصول على حضور جديد في المعادلة الفلسطينية المقبلة ومناوأة السلطة الفلسطينية الراغبة في استعادة الموقف الراهن، وأن تبدو في الصورة برغم أن القرار الدولي طالب بالفعل بإصلاحات حقيقية ومداخل جوهرية للمشاركة في ما هو قادم من تطورات، وهو ما يضع السلطة إلي جوار حركة "حماس" التي لا تزال موجودة في مساحة محددة في القطاع، كما أن حركة "حماس" يمكن أن تناور في ملف السلاح، إما بالتجميد أو النزع المرحلي، أو ربط ما يجري بتطورات إقليمية، أو مستجدات داخل القطاع، وفي السلطة التي تشكل أساساً للحكم في رام الله وغزة معاً. ومن ثم، فإن المصالح المشتركة بين الإدارة الأميركية، وحركة "حماس" ستدفع إلى مزيد من الانخراط المشترك بعيداً عن الأضواء، وما يدو وراء الكواليس مهم في إطار بناء رؤية مشتركة تستوعب حركة "حماس" أولاً، ثم الانتقال تدريجياً لبناء علاقات أكثر رسوخاً مع الإدارة الأميركية، بل ومع مجلس السلام الذي سيشكل بصرف النظر عن رفضه من قبل التنظيمات الفلسطينية.
ومن المؤكد أن أي شراكة ستتم بين "حماس"، والإدارة الأميركية سيكون لها تأثيراتها الكبرى على الأطراف الوسطية، وقد تقلل من مساحات التعامل التي ساهمت الدول الوسيطة في التعامل معها طوال الفترة الماضية، ما يعني أن حركة "حماس" تريد التعامل المباشر دون وسطاء، وأنها قادرة وفقاً لرؤية المكتب السياسي الخارجي على إنجاز ذلك مع توفير مظلة الأمان لأي تحرك في ظل الرهانات الكبرى على الدور الأميركي، وحدود تأثيره على إسرائيل لوقف أية انتهاكات، أو استهدافات لقيادات "حماس" في الخارج خاصة، وأن الحركة– وبصرف النظر عن حالة الانقسامات بين تياري الداخل والخارج في بعض التفاصيل المتعلقة بما هو مطروح –إلا أن جوهر العناصر التي تتعامل فيها يتم التوافق بشأنها، ولا توجد خلافات جوهرية، ما يؤكد أن الانقسام داخل "حماس" يتم التعامل معه برؤية مصلحية.
وفي تقدير "حماس"، يبدو أن ما تم بتجربتي الإدارة السورية الجديدة، وحركة "طالبان" وغيرها ما يؤكد أن الحركة تتعامل مع التطورات بواقعية، ولن تتخلى عنه مع مراعاة ما يجري بالقطاع والتسليم الأميركي بوجود الحركة داخل المناطق التي تسيطر عليه في الوقت الراهن.
وحتى في حال تشكيل اللجنة واعتماد عناصرها، فإن مؤسسات حركة "حماس" وأجهزتها موجودة على الأرض، بما في ذلك القطاعات الخدمية، والتي لم يتم حلها. مرحلة جيدة من نمط العلاقات بين الجانبين الإدارة الأميركية، و"حماس"، وبما يمكن أن يتم البناء عليه لاحقاً في إطار خطة العمل الجاري تنفيذها، والتي لن تتوقف عند لقاءات أو اتصالات بين الجانبين، فالأهم في الوقت الراهن أن ينجح المسار الأميركي مع استيعاب الدور الراهن لحركة "حماس"، وبما يدفعها للانخراط، ولو بصورة غير مباشرة في المساهمة في إدارة المشهد القادم في غزة.
(الاتحاد الإماراتية)

