بعد الزلزال الذي ضرب المغرب وأفضى إلى مصرع وإصابة وتشريد آلاف الأشخاص، كما إثر الفيضانات التي اجتاحت مناطق في ليبيا وأهلكت آلاف الناس هناك، تطوّعت الدول لتعلن استعدادها للدعم وتقديم يد العون، وتغلّبت المواقف الإنسانية ودبلوماسية "الأسى والتضامن" على لغة المشاحنات والخلافات السياسية.
مباشرةً بعد أن اهتزت الأرض تحت أقدام ملايين المغاربة، أعلن ما يزيد عن سبعين دولة تضامنها مع المغاربة، بل وأبدت رغبتها في تقديم مساعدات فورية للمملكة، ومن بينها دول من المعروف أنها على خلاف دبلوماسي معها. الأمر نفسه جرى حيال مأساة مدينة درنة الليبية مع تلك الفيضانات الكارثية التي أتت على الأخضر واليابس فيها، بحيث أعلنت دول عديدة تضامنها مع ليبيا واستعدادها لتقديم مساعدات غير مشروطة لمواجهة هذا الحدث الرهيب، في الوقت الذي دعت فيه الأمم المتحدة المانحين إلى تقديم 71.4 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لتلبية احتياجات أكثر من 250 ألف شخص تضرّروا جراء السيول في ليبيا.
خلافات دبلوماسية... وغايات استراتيجية
ويُعلّق الخبير في العلاقات الدولية، الأستاذ في جامعة شيربروك الكندية، الدكتور مولاي هشام معتضد، على الموضوع بتشديده على أهمية "التآزر الدولي وقت الأزمات والكوارث" باعتباره يتجاوز الخلافات الدبلوماسية الظرفية "عندما تكون الدول المعنية لها تدبير عقلاني لعلاقتها الخارجية ولديها رؤية إنسانية تقدّمية".
ويوضح معتضد لـ"عروبة 22" أنه "من الطبيعي أن تسارع الدول لمساعدة غيرها في الظروف الصعبة المرتبطة بحوادث ناتجة عن كوارث طبيعية"، لكنه يستدرك بالإشارة إلى أنه "في بعض الحالات، قد لا يكون الهدف من هكذا مساعدات هو المساعدة الإنسانية المحض فقط، بل هناك دول تغتنم فرص الكوارث الطبيعية التي تتعرّض لها دول أخرى لتحقيق غايات سياسية واستراتيجية"، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنّ "العاطفة الإنسانية للمجتمعات المدنية في الدول تضغط غالبًا على حكوماتها من أجل تقديم المساعدات الممكنة للمواطنين المنكوبين في الدول التي تعرّضت للكوارث الطبيعية، إلا أنّ تدبير ديناميكية تقديم المساعدات في الكثير من الأحيان يتلوّن بإيديولوجيات سياسية يُراد منها تحقيق أهداف استراتيجية معيّنة".
وأبرز الخبير في العلاقات الدولية أنّ مقاربة المغرب، على سبيل المثال، لمسألة تلقي المساعدات تنطلق من مبدأ "تدبير التداعيات الناجمة عن الكوارث بمقاربة براغماتية ذات منهجية سيادية تحفظ أمنها القومي، بعيدًا عن المزايدات أو الضغوط التي قد تعصف بجهود السلطات في ضبط التحديات الناتجة عن هذا النوع من الأزمات"، مضيفًا في هذا السياق أنّ "الدول قد تحتاج إلى نوع معيّن من المساعدات حسب الوضع الميداني والتشخيص الإنساني والجغرافي للكارثة، بالإضافة إلى محدودية قدرات فرقها الإغاثية فوق الميدان، لذلك لا ينبغي أن تكون هناك مجاملات سياسية في قبول المساعدات، وإنما يكون القرار مبنيًا على تقييم شامل للوضع وتحديد اللازم والضروري في تدبير الكارثة."
التزام أخلاقي... و"بروباغندا إعلامية"
من جهته يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة مراكش، الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، أنه "ليس في القانون الدولي ما يُلزم الدول تقديم المساعدات الإنسانية في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تضرب أية دولة في العالم".
غير أنّ الدكالي يؤكد لـ"عروبة 22"، أنه "لدى الدول والمنظمات غير الحكومية التزام أخلاقي من أجل إنقاذ جماعة بشرية تعيش خطرًا داهمًا ومؤَكدًا، فكلّما كان الدعم الدولي سريعًا وكبيرًا، كلّما ساعد ذلك على إنقاذ أكبر عدد من الأرواح البشرية"، ملاحظًا أنّ "العديد من الخلافات السياسية الدولية يتم تذويبها وقت الأزمات والكوارث الطبيعية العظيمة مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير وغيرها، ولنا في تعريف العلاقات بين الدول العديد من الأمثلة في هذا المجال".
وعلى غرار ملاحظات مولاي هشام معتضد، يشير بن طلحة الدكالي إلى أنه "أحيانًا تخضع المساعدات الدولية أثناء الأزمات للمساومة والابتزاز السياسي وترويج "بروباغاندا إعلامية" أمام المجتمع الدولي تخدم أجندة الدولة صاحبة المساعدة"، ليخلص في ضوء ذلك إلى أنه "من حقّ الدول في إطار مبدأ السيادة أن تتعامل بحذر مع هذا النوع من المساعدات".
حريّ بالذكر أنّ الأمم المتحدة أطلقت في ديسمبر 1999 "الاستراتيجية الدولية للحدّ من الكوارث"، تدعو من خلالها المجتمع الدولي، بما في ذلك الجهات المانحة، إلى أن تقدّم الدعم للدول النامية وللجهات الفاعلة المحلية من المجتمع المدني والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر لبناء قدراتها للوقاية من الكوارث والتخفيف من آثارها والتأهّب لها والتصدي لها على المستوى المحلي".
(خاص "عروبة 22")