هو جيل يتشكّل من مواليد أواخر التسعينيات، نشأوا في سياق عالمي جديد، يتميّز بتحوّلات تكنولوجية هائلة وظهور العالم الرقمي واتساع دائرة التواصل المكثّف والسريع والمستمر. فهو جيل الإنترنت والهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك جيل زمن السرعة التي تُعتبر قوة لمن يمتلكها ويتحكّم في قواعدها ومحدّداتها، فهي مجال صراع القوى العالمية، التي تتنافس في تشكيل النظام العالمي الحالي والقادم.
جيل الألفية تلتهمه حالة اللهاث وراء الإمساك باللحظة الراهنة
وقد ساهم المفكّر "بول فيريليو - Virilio"، في التنظير للسرعة، ودشّن حقلًا معرفيًا، هو "درومولوجيا - Dromologie"، وهو علم السرعة، يهتمّ بدراسة تأثير السرعة على الإنسان المعاصر، وتشكيل رؤيته للعالم، وتمثّله للذات والآخر والأشياء، وكذلك تحليل تداعيات تقنية السرعة، على الأنساق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والتفاعلات الجيوسياسية.
وذهب إلى كون السرعة تلتهم الزمن، وبالتالي فإنّ جيل الألفية تلتهمه كذلك فورية الاتصال وحالة اللهاث وراء الإمساك باللحظة الراهنة، فهو مقهور بانضغاط الوقت.
لذا يرى مجموعة من الباحثين، أنّ جيل الألفية يعاني من إنهاك نفسي خطير، بسبب هذه الرغبة الجامحة لملاحقة الأشياء والأحداث والحياة التي تنفلّت بسرعة.
هناك توجّس علمي من انهيار الصحّة النفسية لهذا الجيل
وهو سجين ظاهرة "Fomo: Fear of missing out" والتي يُراد بها، ذلك الخوف المتصاعد، من أن يفوت المستعمل لوسائط التواصل الاجتماعي أيّ شيء، كان أحداثًا عالمية أو أخبار الناس أو ما سيطرأ عمومًا في محيطه القريب أو البعيد، وهذا ما يجعله منغمسًا في العالم الرقمي، منطويًا على نفسه محرومًا من التمتّع بجمال الحياة الحقيقية.
وإن كان هذا المفهوم ليس جديدًا، حيث صاغه "باتريك ماك جينس - P.J.Mc Ginnis" سنة 2004، فإنّ تكاثر تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي، قد أعطت مفهوم "Fomo" أبعادًا خطيرة، فهناك توجّس علمي من انهيار الصحّة النفسية لهذا الجيل.
كما حذّر كتاب "نهاية النسيان" لكيت ايكورن، من خطورة التوثيق الرقمي المفرط لتفاصيل حياة الأطفال والمراهقين لأنّ هناك حاجة نفسية لنسيان بعض الذكريات، تفاديًا للحرج أو التنمّر مما يعرض هذا الجيل وخصوصًا "جيل ألفا"، لضغوط نفسية خطيرة. وإذا كان محو بعض الصور من حياة الإنسان، وإعادة ترتيب ذكرياته، ممكنًا قبل تضخّم قوّة الوسائط الاجتماعية التي تحتجز بيانات الناس وتتاجر بها، فإنّ الآن لم يعد المحو ممكنًا وبالتالي لم يعد النسيان كذلك ممكنًا، ويؤكد الكتاب على ذلك وعلى تداعياته، حيث "أدّت مجموعة من التغيّرات التكنولوجية والاقتصادية إلى تعريض الناسي والمنسي للخطر. بالنسبة إلى الشباب، كانت هناك أيضًا سلسلة من المقايضات عالية المخاطر. وقد حقّق الأطفال والمراهقون أخيرًا شيئًا لم يكن متاحًا الحصول عليه سابقًا: القدرة على تمثيل حياتهم من منظورهم الخاص وتقاسم هذه التمثّلات مع العائلة والأصدقاء، أو مع الغرباء. ولم يكن لدى الشباب في أيّ فترة تاريخية أخرى القدر نفسه من القوّة لتمثيل الذات وتوزيع المعلومات. ولكن لم تتحقّق هذه الحرية - التي بدأت الآن في الظهور على نحو كامل – من دون مقابل".
(خاص "عروبة 22")