لم تعد أزمة سد النهضة، تتمحور حول الخلاف المصري - السوداني مع الجانب الإثيوبي، فيما يتعلق بقواعد عادلة للملء والتشغيل، تقبل بها الأطراف الثلاثة، بقدر ما هي الآن أزمة مزدوجة المخاطر، قياسًا على ما حدث في انهيار سدود مدينة درنة الليبية، عندما أغرقها إعصار «دانيال»، وقتل 11 ألفا، وسجل 10 آلاف مفقود بين الركام ومخلفات الدمار، وهي النتيجة نفسها، التي حذرت دراسات وخبراء جيولوجيا، من أن انهيار سد النهضة، سوف يشكل كارثة أكثر عدوانية، قد تهدد وجود 150 مليونا، من أبناء مصر والسودان، حتى إثيوبيا صاحبة السد، لن تنجو من الكارثة، إذا لم تضطلع جميع الأطراف، بمسؤولية التوافق على إجراء يمنع ذلك.
من بين التحذيرات، التي انطلقت حول العالم، عن انهيار السد الإثيوبي، ما قاله الدكتور هشام العسكري، أستاذ نظم وعلوم الأرض، بجامعة تشابمان الأمريكية، عن إمكانية انهيار سد النهضة، على غرار ما حدث مع سدود مدينة درنة، ويدلل على صحة كلامه، بأن إثيوبيا هي الدولة الأولى في أفريقيا، من حيث النشاط الزلزالي، وأن سد النهضة يقع بالقرب من منطقة زلزالية، فيما تتضاعف احتمالية وقوع كارثة، بقوة الحمل المائي خلف السد، كونه يؤثر في القشرة الأرضية، ومن ثم يؤدي إلى تصدعات تنتهى بالانهيار، الذي إن حدث- لا قدر الله- سوف يقتل ما بين 20 و30 مليون سوداني على الفور، وستكون مشكلة كبيرة تهدد العاصمة «الخرطوم» بالغرق.
ومن عندنا في مصر، دوما ينبّه الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والخبير المائي، إلى أن انهيار سد النهضة، يرتبط بسلوك «أديس أبابا»، إذا ما أصرت على الملء لمستوى 74 مليار متر مكعب من المياه، وفي هذه الحالة، سيكون هناك طوفان مائي، أشبه بطوفان نوح، وعندئذٍ لن تستطيع إثيوبيا، تحمل واستيعاب الآثار المدمرة، نتيجة تدفق 80 مليار متر مكعب، بقوة 1000 من قنبلة هيروشيما، سوف تهدم ما في مسارها من سدود وقرى سودانية وإثيوبية، بينما يكون خطر الانهيار أقل تأثيرًا على مصر، التي يمكنها فتح مفيض توشكى أو كل قناطر البلاد، لتصريف المياه الفائضة، لكن هذا لا يعني رضا «القاهرة»، لأن يبقى الوضع على ما هو عليه.
الآن.. على رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن يظهر جدية بلاده، تجاه التحرك بإيجابية مع طرفي الأزمة -مصر والسودان- وأيضًا مع المجتمع الدولي، والدول المهتمة بأزمة سد النهضة، طالما يسمح الوقت لإيجاد مخرج، يمنع حدوث انهيار السد، أو وضع سيناريوهات للحد من مخاطر الانهيار، أو النزول بآثارها إلى أقل المستويات، وهي خطوات تتطلب العجلة، ونحن نعلم حدود الألاعيب والمراوغات الإثيوبية، على مدى سنوات الأزمة، التي امتدت إلى 12عاما، لم تظهر طوالها أي مبادرات أو نوايا لإنهاء الخلافات، حول قواعد الملء والتشغيل، التي تتمسك بها دولتا المصب، مصر والسودان، رغم التوسطات والضغوط الدولية.
مصدر القلق، يكمن في تصرفات رئيس الوزراء الإثيوبي، الذى خرج الأسبوع الماضي، يهنئ شعبه باكتفاء ملء السد، عند الملء الرابع، وهو ما لم يطمئن له مراقب، أن يتوقف الملء عند الـ41 مليار متر مكعب، وعلى الرغم من التفاؤل بحذر، إذا كان ما أعلنه صحيحا، بأنه لا عمليات ملء أخرى، لبلوغ التخزين 74 مليارا، يظل الموقف المصري، أكثر تشددا في مواجهة ما نخشى أن تكون مناورة، كما حدث في مفاوضات «القاهرة»، منذ أسبوعين، وأظنه سيكون كذلك في جولة «أديس أبابا» هذا الشهر، وهو ما يلقي على الدبلوماسية المصرية مهمة تكثيف الضغوط الدولية والأممية، حتى تنصاع إثيوبيا لصوت العقل والقانون.. وعندها قد نتجنب كارثة انهيار السد.
("الوفد") المصرية