منذ بداية الأزمة المستجدة، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، اختار الجانب المصري، على مستوى الموقف الرسمي، التأكيد على أنها شأن داخلي. وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماعه مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لدى تناوله أزمة الجنود المصريين الذين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع في بداية الأحداث.
وفي حين كانت قد برزت، في الفترة الماضية، الجهود التي يقوم بها الجانبان السعودي والأميركي، من أجل دفع الفريقين المتصارعين إلى الحل (وهو ما تُرجم، في 29 أيار، بالإتفاق على إعادة تجديد الهدنة، التي كانت قد وقعت في 20 منه، 5 أيام إضافية)، بدا الموقف المصري، بالرغم من أنّ السيسي كان قد جدد التأكيد على موقفه السابق، في طور التطوّر، إنطلاقًا من تداعيات الأزمة على القاهرة، لا سيما على مستوى تدفّق المهاجرين.
تمثل أزمة اللاجئين السودانيين، في الوقت الراهن، التحدي الأبرز لدول الجوار
موقف الرئيس المصري، الذي يعبّر عن السياسة العامة في البلاد، كان قد أعلن عنه في قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي بشأن الأزمة في السودان، مؤكدًا على "الأهمية القصوى للتنسيق الوثيق مع دول الجوار لحلحلة الأزمة بالسودان باعتبارها الأكثر تأثرًا بها، والأكثر حرصًا على إنهائها في أسرع وقت"، مشددًا على "ضرورة عدم السماح بالتدخلات الخارجية في أزمته الراهنة". ودول الجوار هي: مصر، ليبيا، تشاد، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، إريتريا.
التقديرات تشير إلى احتمال فرار أكثر من مليون شخص من السودان بحلول أكتوبر
تمثل أزمة اللاجئين السودانيين، في الوقت الراهن، التحدي الأبرز لدول الجوار، بالرغم من أن تداعيات الصراع، في حال استمراره، قد تكون أكبر من ذلك لاحقًا، خصوصًا على المستوى الأمني. في هذا السياق، كان مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي قد زار، في بداية الأسبوع الحالي، مخيمًا للنازحين السودانيين في مصر، ودعا من هناك إلى زيادة الدعم الدولي لهؤلاء النازحين واللاجئين، كما حثّ المجتمع الدولي على دعم الفارين من السودان مثلما فعلوا مع الفارين من أوكرانيا. لكن اللافت كان حديثه عن أن التقديرات التي تشير إلى احتمال فرار زهاء مليون شخص من السودان، بحلول أكتوبر/تشرين الأول، قد تكون متحفظة.
في المقابل، كانت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج قد أعلنت أن الظروف والتحديات الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على مصر، وكذلك الظروف الإقليمية وما يحدث في دول الجوار وما جرى في السودان مؤخرًا، كاشفةً أنّ عدد اللاجئين في مصر وصل حاليًا إلى 8 ملايين، وأنّ هذا العدد يضغط على السلع التموينية والخدمات. بينما تقدّر المنظمة الدولية للهجرة في مصر العدد بـ 9 ملايين شخص من 133 دولة، بينهم المجموعات الكبرى مثل المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريين (1.5 مليون) واليمنيين (مليون) والليبيين (مليون).
"الأهرام": يدنا كمصريين في النار ما دامت الأزمة في السودان مستمرّة
المؤشرات على إمكانية حصول تطوّر في الموقف أو الدور المصري في الأزمة السودانية، كانت قد برزت من خلال المواكبة التي تقوم بها الصحف المصرية، بشكل يومي، للموقف الرسمي، والتركيز على أمرين أساسيين: الأول هو وجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية في السودان، الأمر الذي يفسّر من قبل البعض بأنه إنحياز لصالح الجيش السوداني، أما الثاني فهو أنّ مصر هي المتضرر الأكبر والأكثر تأثراً بالأزمة، ما يعني أحقيتها بأن تلعب الدور الأبرز في معالجة الأزمة.
خلاصة القول، وتأكيداً على أهمية ملف اللاجئين بالنسبة للأمن القومي المصري، بدأت تتصاعد نبرة التحذيرات في مصر من إمكانية حصول توترات بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على هذا الملف، حيث حذر الكاتب عماد الدين حسين، في مقال ضمن صحيفة "الشروق"، من الأشخاص الذين يسعون لبث بذور الفتنة بين الشعبين، بوسائل غاية فى اللؤم والخبث، على مجموعات وجروبات على وسائل التواصل الاجتماعي تضمّ العديد من السودانيين المقيمين في مصر. بينما لفت الكاتب أسامة سرايا، في مقال ضمن صحيفة "الأهرام"، إلى أنه "يجب أن يعي الجميع أنّ يدنا كمصريين في النار ما دامت الأزمة في السودان مستمرة"، مذكّراً بأن نحو 150 ألف سوداني هرعوا إلى مصر منذ تفجر الصراع.
(خاص "عروبة 22")