مع سيطرة الحوثين على العاصمة اليمنية وعدد من المحافظات في شمال البلاد، ذهبوا نحو تغيير المناهج الدراسية وفق رؤية طائفية، كما توقّفوا عن صرف رواتب الموظفين العمومين في مناطق سيطرتهم منذ نهاية العام 2016، وذهبوا موخرًا نحو إنشاء مدارس تعليم طائفية وُفّرت لها كلّ الإمكانات المادية والكادر التعليمي، في خطوة تعيد التذكير بمعاهد التعليم الديني التي كانت منتشرة في اليمن منذ نهاية السبعينات وحتى مطلع الألفية.
في المقابل، اتخذت الحكومة المعترف بها دوليًا قرارًا بإلغاء الاعتراف بالشهادات المدرسية الصادرة عن مناطق سيطرة الحوثيين، واكتفت بصرف رواتب المعلّمين في مناطق سيطرتها وشكّلت فريقًا لمعادلة الشهادات التي تصدر في المناطق الواقعة خارج سيطرتها.
اللجنة الدولية لـ"الصليب الأحمر"، ذكّرت من جهتها بأنّ خمس المدارس في البلاد لا تزال مغلقة، جرّاء الحرب، وأكّدت تسرّب أكثر من مليوني طفل من التعليم، مبينةً أنّ التعليم يتعطّل بسرعة وبشدّة بسبب النزاعات المسلحة وأشكال العنف الأخرى، لا سيما الهجمات والتهديدات التي يتعرَّض لها التلاميذ والمعلمون.
وحسب "الصليب الـحمر" فإنّ المئات من المدارس الابتدائية والثانوية في اليمن أغلقت أبوابها، وعجز نحو ثلاثة ملايين طفل عن الالتحاق بالمدرسة، مشددًا على أنّ "التعليم قضية إنسانية، وقواعد القانون الدولي الإنساني تهدف إلى ضمان مواصلة الأشخاص لتلقي تعليمهم حتى أثناء النزاع المسلّح، وتوفير الحماية لهم وللمعلّمين والمدارس والمرافق التعليمية الأخرى من الأعمال العدائية حتى لا يجدوا أنفسهم على خط النار".
وسبق للأمم المتحدة أن حذّرت من أنّ نظام التعليم في اليمن "على حافة الانهيار"، حيث تعرّضت 2700 مدرسة للدمار أو الضرر، وتسرّب أكثر من 2.7 مليون طفل من التعليم جرّاء الصراع الدائر منذ اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية والاستيلاء على السلطة وتفجير نيران الحرب، وهو أمر عاد فأكد عليه فريق خبراء الأمم المتحدة البارزين، الدوليين والإقليميين، من أنّ أطراف الصراع استخدموا المدارس لأغراض عسكرية ما يجعلها أهدافًا معرّضة للهجوم.
وفي السياق نفسه، أكد فريق الخبراء أنّ الحوثيين استمرّوا في تجنيد الأطفال وتحويل المدارس إلى مواقع للتدريب على القتال، بينما تصاعد إضراب المعلّمين المطالبين برواتبهم في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وقد دخل هذا الإضراب شهره الثالث على وقع تعطّل الدراسة في معظم المدارس العامة وتجاهل الحوثيين لمطالب المعلّمين.
بدورها، حذّرت منظّمات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، وأخرى دولية ومحلية، من أنّ "تسعة ملايين طفل في اليمن معرّضون للخطر ويحتاجون إلى الحماية والخدمات الأساسية". وقالت إنّ "ما لا يقلّ عن 17.7 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة والخدمات المتعلقة بالحماية"، مشيرةً إلى أنّ "النساء والفتيات، على وجه الخصوص، يواجهن مخاطر متزايدة من العنف والاستغلال أثناء محاولتهن الوصول إلى الخدمات الأساسية بسبب الرحلات البعيدة والصعبة، وأنّ أكثر من 5.5 مليون شخص، يعانون من اضطرابات الصحة العقلية نتيجة العيش لسنوات في ظلّ الصراع".
ونبّهت هذه المنظمات إلى أنّ نقص التمويل خلال العام الحالي سوف يؤثّر سلبًا على مساحة المجتمع المدني النشطة وقدرته على العمل، في حين حذرت منظّمة "إنقاذ الطفولة" من الانخفاض الشديد في التمويلات، ومن وجود تأثير فوري ومثير للقلق لـ"الجفاف المالي"، لأنّ قطاعات الأطفال هي الأقلّ تمويلًا، إذ تم تأمين 7.5% فقط من التمويل اللازم لحماية الطفل و9.6% اللازمة للتعليم حتى الوقت الراهن من العام الحالي.
وبعيدًا عن الأرقام، فإن الأطفال في اليمن، وفقًا للمنظّمة، يتعرّضون لخطر نقص الأخصائيين الاجتماعيين والمساحات الآمنة والدعم النفسي الاجتماعي، بالتوزاي مع نقص المواد وتدهور المرافق التعليمية وارتفاع معدّل التسرّب، الأمر الذي دفع راما هانسراج، المدير القُطري لمنظّمة "إنقاذ الطفولة" في اليمن إلى التحذير من المخاطر الناجمة عن شحّ التقديمات من المانحين، بالقول: "لقد وفّر سخاء المانحين لليمن شريان حياة بالغ الأهمية للأطفال وأسرهم، وبينما نقدر بشدة سنوات الدعم الذي تم تقديمه، فإنّ الوقت الآن ليس مناسبًا للنظر بعيدًا عن اليمن. فنحن على وشك ترك جيل كامل خلفنا".
هذه التحذيرات الدولية والأممية المتتالية، تأتي لتضاف إلى تأكيد المنظمات المعنية من مواجهة اليمنيين "نقصًا حادًا في المياه لكل من الإنتاج الزراعي والاستخدام البشري"، بحيث أنّ "ما يقرب من 15.4 مليون شخص بحاجة إلى الحصول على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي لتجنب التعرّض لخطر الإصابة بالكوليرا وغيرها من الأمراض الفتاكة"، كما أنّ "الظروف المعيشية المكتظة في المخيمات، وانخفاض معدلات التحصين، وعدم إمكانية الوصول إلى العديد من الأطفال، أدّت الى زيادة في حالات الحصبة والحصبة الألمانية، ما يدفع إلى انهيار النظام الصحي تحت ضغط الاحتياجات المتزايدة والموارد القليلة أو المعدومة"، وأفادت التقارير الدولية في هذا المجال، بأنّ "ما يُقدّر بنحو 20.3 مليون شخص باتوا يفتقرون إلى الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد، حيث تموت امرأة واحدة كل ساعتين أثناء الحمل أو الولادة، في حين تتم 6 من كل 10 ولادات من دون وجود قابلة متخصّصة".
(خاص "عروبة 22")