ثقافة

طه حسين.. نصف قرن على الغياب

في 28 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري، تكون خمسون سنة قد مضت على وفاة عميد الأدب العربي طه حسين (1889-1973)، والذي عاش على مدى 84 سنة، سجّل في كتابه "الأيام" سيرته وكان له من العمر أربعون سنة عند صدوره عام 1929. وكان حينها قد اكتسب شهرة كبيرة، وخصوصًا بعد أن صدر له عام 1926 كتابًا في "الأدب الجاهلي" الذي أثار عند صدوره ضجّة تسببت بإحالته إلى المحاكمة لما نُسب إليه من آراء تُخالف المعتقدات السائدة.

طه حسين.. نصف قرن على الغياب

قد تكون من أسباب شهرته الفائقة التي تخطت كل أقرانه، فقدان بصره في سن مبكرة. وبالرغم من ذلك والظروف الصعبة التي يواجهها أمثاله خلال دراستهم في الأزهر، استطاع أن يتخطى كل الصعوبات ليُقبل في الجامعة المصرية التي افتُتحت حديثًا (1908)، وحصل على الشهادة الجامعية ليُبعث إلى فرنسا ويعود حاصلًا على شهادة الدكتوراه ليصبح أستاذًا في الجامعة، ثم عميدًا لكلية الآداب، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية ووزيرًا للمعارف.

وطه حسين كاتب غزير الإنتاج، فقد عرفه بعض القرّاء من خلال أعماله الروائية والقصصية مثل: المعذبون في الأرض و الأيام و دعاء الكروان، وعرفه بعض القرّاء من خلال أعمال أدبية مثل كتبه عن أبي العلاء المعرّي ومقالاته النقدية التي جمعت في كتب مثل قادة الفكر و فصول في الأدب والنقد. وبعض آخر عرفه من خلال كتابه الشهير في الأدب الجاهلي وبعض أقل عرفه من خلال أحد أهم كتبه وهو مستقبل الثقافة في مصر عام 1938. وعدا عن كل ذلك فقد اشتهر طه حسين بمؤلفاته الإسلامية، التي تناول فيها بعض الموضوعات مثل على هامش السيرة و الفتنة الكبرى. وبالرغم من هذا التنوع وهذه الغزارة، فإنّ طه حسين حافظ على منهجه النقدي، وكان يعتبر نفسه ويعتبره قراءه ديكارتيًا نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، صاحب المنهج العقلي. وقد حافظ حسين على عقلانيته، بالرغم من أنه خاض في مجالات أدبية ونقدية وفكرية منوعة.

إحدى القيم التي تعلّمها في الغرب هي الديمقراطية.. وأراد أن يقدّم قراءة جديدة للتراث الإسلامي

فقد بدأ حياته الفكرية متأثرًّا تأثّرًا عميقًا بالفكر الغربي وأصوله اليونانية، ففي كتابه قادة الفكر وهو من كُتبه المبكرة (1925) يتناول شخصيات من العصر اليوناني مثل هوميرس وسقراط وأفلاطون وأرسطو.. مما يعكس تأثّره بالفلسفة الغربية وعقلانيتها. وهذا ما أراد تطبيقه في كتاب في الشعر الجاهلي الذي نجد فيه معرفة عميقة بالآداب العربية المبكرة. وعلى هذا النحو جمع بين ثقافته العربية الإسلامية وثقافته الأوروبية الغربية.

وبالإضافة إلى تمسّكه بالمنهج العقلي، فإنّ إحدى القيم التي تعلّمها في الغرب هي الديمقراطية التي نجده يدافع عنها في مناسبات عديدة، من مقالات أو محاضرات جمعت مؤخرًا في كتاب تحت عنوان الديمقرافية.

وقد أثيرت تساؤلات حول تحوّله إلى الكتابة عن موضوعات إسلامية مثل الشيخان أي الخليفتان أبو بكر وعمر، وكذلك على هامش السيرة. ورأى بعض النقاد أنّ طه حسين تخلّى عن منهجه النقدي الغربي. ولكن تناوله لهذه الموضوعات الإسلامية يمكن تفسيره على النحو التالي: أن التحولات الفكرية والاجتماعية أظهرت في مصر، ومنذ العشرينات من القرن العشرين، أنّ التعبيرات الإسلامية في الفكر والمجتمع في اتساع، فأراد طه حسين أن يخاطب القرّاء من خلال ثقافتهم الإسلامية. وهذا ما فعله أيضًا كل من محمد حسين هيكل وعباس محمود العقاد، وهما مثل طه حسين كانا من أكبر المدافعين عن القيم الليبرالية الغربية، إضافة إلى ذلك يمكن القول بأن طه حسين أراد أن يقدّم قراءة جديدة للتراث الإسلامي، وهذه القراءة تريد أن تضفي قيمًا ليبرالية حديثة على شخصيات الصحابة، وقراءة موضوعية للوقائع والأحداث تبعًا لمنهج الكتابة التاريخية الحديثة.

دعا إلى إلزامية التعليم ومجانيته وهو القائل إنّ التعليم مثل الماء والهواء

وبالرغم من الشهرة الكبيرة التي اكتسبها كتابه في الأدب الجاهلي الذي ادعى فيه أنّ الشعر الجاهلي منحول ظهر في صدر الإسلام وليس في الجاهلية. إلا أنّ أهمّ كتب طه حسين هو مستقبل الثقافة في مصر، ففي هذا الكتاب نجد فكرته عن انتساب مصر إلى عالم المتوسط. في وقت كان الجدال لا يزال محتدمًا حول هوية مصر، هل هي فرعونية أم إسلامية أم غير ذلك. إلا أنه يُقرّ في الكتاب بالعامل اللغوي الذي يربط الناطقين باللغة العربية، وريادة مصر الثقافية واللغوية، ومع ذلك كان متحفّظًا حول فكرة الوحدة السياسية. والكتاب هو أيضًا في التربية، وكان يعتقد آنذاك بأن التربية والتعليم هما السبيل إلى النهضة والرقي. ودعا إلى إلزامية التعليم ومجانيته وهو القائل إنّ التعليم مثل الماء والهواء.

وحين حدث انقلاب الضباط في 23 يوليو 1952، وأطلقوا على انقلابهم اسم "الحركة المباركة" كان طه حسين أول من أطلق على هذه الحركة اسم الثورة، إلا أنه كان متحفّظًا على اندفاع عبد الناصر في القومية العربية. ومع ذلك فإنّ إشعاع طه حسين العربي كان كبيرًا، وقد قرِئ في كل البلاد الناطقة بالعربية وتابعته أجيال في كتبه التي نشرها على مدى عقود عديدة. وكان تأثيره على أجيال متعاقبة واضحًا. وهو من بين مجايليه الأكثر شهرة ومتابعة، وتعاد طباعة مؤلفاته، وتكتب حول تراثه الفكري والأدبي الدراسات، وبمناسبة مرور خمسين سنة على وفاته صدرت العديد من الأبحاث / من بينها كتاب د. عمار علي حسن: بصيرة حاضرة، طه حسين من ست زوايا، كما أعاد د. عماد أبو غازي نشر مستقبل الثقافة في مصر مع مقدمة مُسهبة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن