تقدّمت أكثر من 20 دولة بطلبات للانضمام إلى الكتلة، بما فيها إندونيسيا والجزائر والسعودية والأرجنتين وبنغلادش وكوبا ومصر وإثيوبيا وإيران وفيتنام. وأعربت أخرى مثل المكسيك وباكستان وتركيا عن اهتمامها بالعضوية، ورفع بعض التقديرات عدد الدول التي أبدت اهتمامًا بالـ"بريكس" إلى 40 دولة.
ولكن عندما أعلن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا عن توسيع عضوية "بريكس" في جوهانسبرج، ضمت القائمة، الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويُعتقد على نطاق واسع أنّ قرار ضم الدول الست تأثّر بشكل كبير بموقف الصين التي يُنظر إليها باعتبارها القائد الأبرز للمجموعة مع دور مهم لروسيا ثم الهند والبرازيل.
وكان لافتًا على سبيل المثال أنّ القمة لم تعلن عن انضمام إندونيسيا إلى المجموعة رغم أنه ينطبق عليها المعايير المفترضة في "بريكس" فهي دولة جنوبية رئيسية، ولديها رابع أكبر عدد سكان في العالم، ودور قيادي تاريخي للبلدان النامية، فقد انعقد أول لقاء آسيوي أفريقي واسع النطاق، في عام 1955 في باندونج بإندونيسيا، وهو "مؤتمر باندونج" الذي أسّس حركة عدم الإنحياز، ولديها اقتصاد ضخم وواعد وله صلات وثيقة مع الصين.
ولكن جاكرتا طلبت تأجيل الخطوة للتشاور مع نظرائها في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بشأن هذه الخطوة، وقال الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو: "لا نريد اتخاذ أي قرار متسرّع".
سواء كان قرار عدم إنضمام إندونيسيا جاء من "بريكس" أو جاكرتا، ولكنه يعكس التنافس الصيني الأمريكي، فإندونيسيا ذات الصلات الاقتصادية الوثيقة مع الصين تبدو حريصة على الارتباط بها ولكن قلقة من صعودها، ولديها على وجه الخصوص قلق من صعود النفوذ العسكري الصيني في منطقة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها، وهي تقترب أكثر من الولايات المتحدة والغرب عامة، وخاصة في المجال العسكري حيث أبرمت اتفاقات لشراء أسلحة أمريكية وغربية.
فوائض مالية لدى السعودية والإمارات يمكن أن تموّل طموحات "بريكس" لبناء مؤسسة تمويل منافسة لمؤسسات الغرب
هذه العوامل التي أبعدت إندونيسيا عن "بريكس"، هي ذاتها التي جعلت الحضور العربي كثيفًا في موجة الانضمام الأخيرة للتجمّع، فعلى عكس جاكرتا المتوجسة استراتيجيًا وسياسيًا من بكين، تبدو الدول العربية على الجانب الآخر من التوتر الصيني الأمريكي، فهي تسعى لتقوية علاقتها مع بكين دون أن تفقد واشنطن.
بل على العكس ترى الدول العربية في التقارب مع الصين فرصة لتعزيز أوراقها في مواجهة واشنطن، ولهذا لم يكن غريبًا أن يعقب القرار التاريخي لضم السعودية والإمارات إلى "بريكس"، إطلاق الرئيس الأمريكي جو بايدن لمشروع الممر الهندي والذي يهدف لبناء شبكة من المواصلات السككية والبرية والبحرية لربط الهند بدول الخليج وإسرائيل وقد تشمل الأردن وصولاً لأوروبا في منافسة معلنة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، رغم رفض الإمارات والسعودية لفكرة منافسة المشروع الهندي، وكان لافتًا أيضًا ظهور تصريحات إعلامية تقلّل من مغزى إنضمام السعودية لـ"بريكس".
على الجانب الآخر، فإنه بالنسبة لأعضاء "بريكس" الأصليين، فإنّ ضمّ ثلاث دول عربية، يعكس محورية الطاقة والنقل وإزالة الدولرة في تصوّرهم لمستقبل التجمّع، فالإمارات والسعودية من كبار منتجي الطاقة في العالم، ولديهم فوائض مالية ضخمة يمكن أن تموّل طموحات "بريكس" لبناء مؤسسة تمويل دولية منافسة للمؤسسات التي يقودها الغرب، بينما مصر تمثّل رغم مشكلاتها الاقتصادية بلدًا شديد الأهمية في حركة النقل البحري والجوي، إضافةً لثقلها المعنوي في العالمين العربي والإسلامي وأهميتها كاقتصاد ناشئ يمكن أن يشكّل مستقبلًا مهمًا للاستثمار.
من ناحية أخرى، فإنّ قرار ضم الأرجنتين، من الواضح أنه يأتي ضمن أجندة الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي يقدّم نفسه كزعيم عالمي ثالثي لاتيني يعمل على تعزيز التعاون الأممي وبالأكثر الإقليمي، كما يعكس المساعي الصينية القديمة والمتجددة لتقوية نفوذها في أمريكا اللاتينية، وتمثّل الأرجنتين ساحة مثالية لذلك، فهي رغم أزمات مديوناتها المتجددة دولة متقدمة نسبيًا ومنتِج رئيسي للحبوب، كما تقدّم محنتها نموذجًا لفشل مؤسسات التمويل الدولية التي يقودها الغرب.
أما إثيوبيا، فبالإضافة إلى أنّ قرار ضمّها يمثل معادلًا موضوعيًا للقاهرة حتى لا يبدو "بريكس" منحازًا للأخيرة، فإنها دولة ذات أهمية بالغة لاستراتيجية الصين الأفريقية باقتصادها ودورها الصاعدين، حتى أنها أحيانًا تُسمّى "صين أفريقيا" بحكمها شبه الاستبدادي ونموّها الاقتصادي اللافت المعتمد على مواردها الطبيعية والاستثمارات الخارجية، إضافةً لعلاقتها الوثيقة مع جنوب أفريقيا.
تعكس خريطة الدول المنضمة إلى "بريكس" سعي بكين لجذب حلفاء واشنطن العرب
ويبدو أنّ قرار ضم إيران بمثابة مكافأة روسية لها على دعمها للأخيرة في حرب أوكرانيا، إضافة للأهمية البالغة لطهران كمصدر للطاقة الرخيصة للصين تحديدًا (معظم النفط الإيراني يصدّر لبكين سرًا)، كما أنّ الخطوة تشكّل امتدادًا لسياسة بكين في الوساطة بين طهران والرياض، وهي السياسة التي تجنّب بكين حرج المفاضلة بين شريكيها المتناحرين، بل تساهم أيضًا في إضعاف النفوذ الأمريكي بالمنطقة القائم بشكل أساسي على الاستفادة من المخاوف الخليجية من إيران.
تعكس خريطة الدول المنضمة إلى "بريكس"، وبالأخص الدول العربية، سعي بكين لجذب حلفاء واشنطن العرب، بطريقة ناعمة تلائم أجندتهم، كما تعكس محورية الطاقة في سياسة بكين باعتبارها أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وكذلك الهند المستهلك الكبير للنفط والمرتبطة اقتصاديًا بقوة مع دول الخليج.
كما يعكس القرار رغبة روسية مماثلة في توثيق العلاقة مع دول الخليج باعتبارها منافسها الأكبر في إنتاج الطاقة، بما يعني أنّ مغازلتها يساعد على الحفاظ على أسعار مرتفعة للنفط تموّل خزينة موسكو.
ولكن الجمع بين بعض الخصوم، كإيران مع الإمارات والسعودية، ومصر مع إثيوبيا، يمثل تحديًا محتملًا لـ"بريكس"، وتنقل صحيفة South China Morning Post (التي يُنظر لها أنها مقرّبة من الحكومة الصينية) عن محلّلين قولهم إنّ توسع "بريكس" يقوّي نفوذ الصين، لكن توسّع الكتلة قد يجلب مخاطر وصراعات جديدة، والمنافسات الإقليمية والدوافع المتضاربة قد تجعل من الصعب على المجموعة التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الأمنية والاقتصادية.
فرصة ذهبية للدول العربية للاستفادة من المنافسة الصينية الأمريكية... لجذب الاستثمارات والتكنولوجيا
في المجمل العام، تُظهر موجة الإنضمام العربية لـ"بريكس" ومشروع الممر الهندي، ليس فقط تزايد الوزن النسبي للمنطقة، خاصة بعد الحرب الأوكرانية، ولكنها تعكس أيضًا الطبيعة السياسية شبه المحايدة التي باتت عليها المنطقة والتي تتيح لها الاستفادة من المنافسة الصينية الأمريكية، عكس دول ومناطق أخرى باتت مضطرة للاختيار بين العملاقين، خاصة الدول الرئيسية في أوروبا وشرق آسيا.
يمثّل ذلك فرصة ذهبية للدول العربية للاستفادة من المنافسة الصينية الأمريكية، وهي مهمّة سياسة دقيقة وصعبة، في ظلّ المساعي الغربية لشيطنة الصين وروسيا، ولكن احتياج الغرب لدول الخليج تحديدًا، وكذلك لكثير من الدول العربية الأخرى لأسباب تتعلّق بمكافحة الهجرة، والإرهاب وأسباب أخرى، تؤشر لإمكانية نجاح هذا المسار.
ولكن ما تحتاجه الدول العربية، سواء المنضمة إلى "بريكس" أو غيرها، هو تحويل هذا النجاح الدبلوماسي لآلية لتحقيق نجاحات واقعية عن طريق الاستفادة من هذا الوضع لجذب الاستثمارات، والأهم التكنولوجيا من الصين والغرب على السواء.
(خاص "عروبة 22")