إنّ ازدراء الآخر واحتقاره وكراهيته، ليس سلوكًا جديدًا، وإنما هو رعونة نفسية رافقت تاريخ البشرية، وليس هناك عرق أو شعب سلم من ذلك ومن تداعيات التهجّم على "الآخر"، سواء كان من العرق نفسه أو الثقافة نفسها أو الدين نفسه أو المجتمع نفسه أو لم يكن. ولا يخفى على أحد أنّ خطاب التعالي والتميّز عن الآخرين، مصدره إيديولوجيات، تشكّلت من رؤية للعالم وللذات وللآخر، تخوّل لمعتنقيها ادعاء النقاء العرقي والأفضلية على العالمين لتبرير التحكّم فيهم وإقصائهم وتهميشهم وسحقهم بل إبادتهم.
ولا شكّ أنّ الأديان، ومنها الإسلام، ربطت قيمة الانسان بحُسن الخلق والتقوى، لكنّ التمثّل غير السوي للدين نفسه يؤدي الى ترسيخ ثقافة التفسيق والتبديع والتكفير والتقتيل بغير حق.
انتقل خطاب الكراهية إلى المستوى الإقليمي بين الشعوب العربية بسبب هجرة العمالة العربية إلى البلدان العربية
وبالرغم من اشتراك العرب في اللغة والثقافة والأصول والتاريخ وأنماط من التديّن، وفي وحدة المصير، فإنهم لم يسلموا من التراشق بخطابات الكراهية وازدراء بعضهم البعض. وذلك لأسباب طائفية ومذهبية وسياسية وإيديولوجية وجيوسياسية وجيو اقتصادية وثقافية، بل حتى لأسباب تافهة مثل "خلافات رياضية"، التي تتحوّل إلى نعرات قومية وسباب بين أنصار فريق دولة وأخرى، أو بين أتباع فرق محلية، فيصبح معها السباب والقدف والشتم بنكهة عنصرية وازدرائية.
ورصد عدة باحتين مؤشرات انتشار خطابات الكراهية، حيث طفت إلى السطح أشكال متعددة من التعصب والاتهامات، سواء من القاموس الديني أو السياسي أو الطائفي. وقد انتقل خطاب الكراهية من المستوى المحلي حيث التنافر السياسي والمذهبي والعقائدي، إلى المستوى الإقليمي بين الشعوب العربية بسبب هجرة العمالة العربية إلى البلدان العربية. فأصبح هناك تمييز وعنصرية في التعامل مع عمّال عرب منحدرين من بعض الدول دون آخرين، أو هناك تفاوت في حدّة العنصرية حسب الدولة التي ينتمي إليها العربي الوافد. وساهمت وسائط التواصل الاجتماعي في أبرز معالم هذه العنصرية، كما أصبح خطاب الكراهية أكتر رواجًا وبأكبر سرعة وفي مجالات متعددة ولأسباب متباينة، مما أصبح يشكل خطورة كبيرة على التماسك بين شعوب المنطقة العربية.
وأصبحت الحكومات العربية أمام تحدي قدوم مهاجرين ولاجئين من آسيا وأفريقيا ومناطق أخرى، مما جعل عدة منظمات مهتمّة بحقوق الإنسان والهجرة، ترصد حالات ومؤشرات كراهية العرب للأجانب.
ومند سنوات عديدة والحكومات العربية، تحاول التخفيف من آفات كراهية الأجانب عبر سنّ تشريعات زاجرة لأنماط السلوك المحرّضة على كراهية الأجانب والتمييز ضدهم، بل تجريم جرائم كراهية الأجانب كما هو منصوص عليه في خطة عمل الأمم المتحدة.
ولذا فإنّ الحكومات العربية مطالبة باحترام مقتضيات الهجرة العادلة، وكذلك تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، وقد أطلق المغرب منذ 2014 خطة لإدارة تدفّق المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، لإدماجهم في المجتمع المغربي.
حوالى 75% من الشركات العقارية في إسبانيا تمارس العنصرية العقارية
يعاني العرب بدورهم من خطابات الكراهية في مجتمعات غير عربية، بحيث انتشرت ظاهرة الإيجار العنصري، تحت شعار "أنا لا أؤجّر العرب" في إسبانيا مثلًا، إذ صدر سنة 2020 تقرير ("هل هي للإيجار"؟ العنصرية وكراهية الأجانب في سوق الإيجار)، وتبيّن أنّ حوالى 75 في المئة من الشركات العقارية التي يتمّ التعامل معها تمارس العنصرية العقارية، و81 في المئة تتشدد في شروط عقد كراء المنزل للمهاجر. وقد تم تغريم مالك شقة بحوالى 45 ألف يورو في برشلونة بتهمة العنصرية العقارية، لأنه رفض تأجير شقته لشاب من المغرب، وذلك سنة 2020. وليس هناك إحصائيات دقيقة، حول هذه الممارسة العنصرية في حقّ العرب، في دول الاتحاد الأوروبي وغيرها.
كما يواجه العرب ومند زمان، أشكالًا متعددة من الكراهية، في إسرائيل وعبر إعلامها، وخطابات السياسيين الإسرائيليين.
كما تعتبر موجة العنصرية ضد العرب في تركيا، أمرًا مقلقًا للحكومة التركية نفسها، حيث رفض ذلك أردوغان في عدة مناسبات، قائلًا: "لا يمكننا أن نسمح للعنصرية وكراهية الأجانب التي ليس لها مكان في تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا بالانتشار في مجتمعنا". ويعتقد ياسين أقطاي، الكاتب التركي، والمستشار السابق لأردوغان، بأنّ العنصرية ضد العرب، كلّفت الحكومة التركية حوالى 5 مليارات دولار صيف 2023.
العالم العربي بحاجة إلى تجديد المنظومة التربوية والتعليمية، لإعطاء الأولوية للقيم بدل مجرّد نقل المعارف
إنّ عوامل بروز العنصرية وكراهية الأجانب، بل الكراهية بين أبناء البلد الواحد، هي بالتأكيد متعددة، لكن الغالب فيها هو هذا الانقلاب القيمي الذي يشهده العالم، والذي ساهمت في توسيع نطاقه، جيوسياسية الخوف وصناعة العدو واستفحال الفردانية الفائقة والاستهلاكية السائلة ورأسمالية الكوارث، التي تمكّن الشركات الكبرى والقوى العالمية، من الإثراء على حساب معاناة الشعوب.
وهناك حاجة في العالم العربي إلى تجديد المنظومة التربوية والتعليمية، لإعطاء الأولوية للقيم، بدل مجرّد نقل المعارف، كما يتعيّن تحصين المجتمعات العربية بالتوعية الدينية وتزكية النفوس والعمل على ترسيخ فهم سليم لمقتضيات الدين، الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى نبذ أشكال التميّز والتعصّب.
كما يجب مساهمة الجميع، أفرادًا ومنظمات المجتمع المدني، في صياغة ميثاق أخلاقي، يُلزم المؤثرين في وسائط التواصل الاجتماعي، بتفادي تأجيج النعرات والكفّ عن ترويج خطابات الكراهية والتحريض ضد الآخر.
(خاص "عروبة 22")