رغم أنّ الاجتماع انعقد فى إطار "التحرّك السياسي على المستوى العربي والدولي لوقف العدوان الإسرائيلي ومساءلة مرتكبيه لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وتحقيق السلام والأمن المرتكز على القانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام"، إلا أنه تسبّب فى عودة كلاسيكية إلى تموضع الدول العربية بين معسكري "الاعتدال" و"الرفض"، فيما يخصّ النظر إلى إسرائيل.
ومع أن الاجتماع تمّ فى ظلّ أجواء مشحونة بسبب تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في فلسطين المحتلة، فقد اختار ما يُسمّى بمعسكر "الاعتدال"، الذى يضمّ الدول العربية التي تربطها اتفاقات مع إسرائيل استخدام عبارات دبلوماسية منمّقة لا تتناسب مع حجم السخط والغضب في الشارع العربي.
"تجنّب الصدام"
مصدر مسؤول في الجامعة العربية نقل لـ"عروبة 22" أنّ الاجتماع خلص إلى ما خلص إليه من نتيجة بغية "تجنّب حدوث صدام" داخل قاعة الاجتماعات بمقرّ الجامعة في القاهرة. وأضاف: "حدثت توازنات، بين التيار الداعى للتصعيد مع إسرائيل، والمعسكر الذى يأمل فى أن تسفر الاتصالات الجارية معها عن التوصل إلى هدنة سريعة بهدف وقف عدوانها الغاشم المدعوم أمريكيًا وغربيًا".
ووفقا لرواية المصدر الذي شارك فى الاجتماعات، واشترط عدم ذكر اسمه، فقد كانت الرؤية التي اعتمدتها الجامعة العربية، تتضمّن "إمكانية فتح حوار مع الأطراف الدولية والمجتمع الدولي، من دون اللجوء إلى عبارات خشنة أو حادة".
وبحسب الموقع الرسمي للجامعة العربية فقد شهدت جلسة الاجتماع الافتتاحية إلقاء كلمات للوزير المغربي ناصر بوريطة، بالإضافة إلى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وأحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، فيما وُزّعت بقية كلمات رؤساء الوفود مطبوعة دون إلقاء.
ولم يحظَ البيان الختامي الذي تضمّن 11 بندًا، بموافقة جميع الوفود، إذ سجّلت وفود 5 دول عربية، هي الجزائر، وليبيا، والعراق، سوريا، وتونس، تحفظّاتها على الاجتماع الذي ترأسه وزير الخارجية المغربي، باعتبار بلاده تتولى الرئاسة الحالية للمجلس الوزاري.
وكان واضحًا، أنّ الدبلوماسية المصرية، حرصت على أن يتضمّن البيان رفضًا على لسان الاجتماع الوزاري العربي، لمقترحات توطين الفلسطينيين في سيناء، عبر التأكيد على رفض محاولات التهجير ونقل المشكلة إلى دول الجوار. وفي المقابل، خلا البيان من أيّ إشارة إلى دعم المقاومة الفلسطينية، ممثلةً في حركة "حماس" وجناحها العسكري "كتائب القسام"، لكنه تعهد بدعم "السلطة الفلسطينية".
القاتل والضحية
مطالبة البيان بوقف قتل المدنيين من الجانبين، أثار تحفّظات الدول الخمس، باعتباره يساوي بين القاتل الإسرائيلي والضحية الفلسطينية.
ورغم أن النسخة الأصلية للبيان تضمّنت اعتراض 4 دول فقط، فقد انضمّت تونس إليها لاحقًا، بتعليمات من رئيسها قيس سعيد، ما دفع الجامعة العربية إلى إصدار "بيان معدّل"، وذلك بعد أن تلقّت الجامعة العربية إخطارًا من وزارة الخارجية التونسية بشأن تحفّظها "جملةً وتفصيلًا على القرار"، ولفت الإخطار إلى أنّ "فلسطين ليست ملفًا أو قضية فيها مدّعٍ ومدّعى عليه، بل هي حقّ الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم أو يسقطه الاحتلال الصهيوني".
كما نأت الجزائر بنفسها "عن كل ما يساوي بين حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره لإقامة دولة ذات سيادة على حدود 1967 وممارسات كيان الاحتلال التي تنتهك المواثيق وقرارات الشرعية الدولية".
وتحفّظت سوريا على أية "صياغات يُفهم منها المساواة بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال"، بينما سجّل وفد العراق تحفّظه على بعض الفقرات، "لتعارضها مع القوانين العراقية المرعية، خاصة مصطلح "حلّ الدولتين" وعبارة إدانة قتل المدنيين من الجانبين".
وتمثّل تحفظ وفد حكومة الوحدة الليبيبة المؤقتة، في المطالبة بحذف كلمة "من الجانبين" وتعديل فقرتين بشأن إطلاق سراح جميع الأسرى والمدنيين، ودعم الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه لما يتعرّض له حاليًا من عدوان وانتهاكات لحقوقه.
امتعاض فلسطيني
لكنّ مندوب دولة فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية مهند العكلوك صرّح لـ"عروبة 22" قائلًا: نحن لسنا راضين تمامًا عن الاجتماع الوزاري الأخير، لأنه لم يُتح المجال أمام وزراء الخارجية العرب لإلقاء كلمات في إطار التعبير عن دعم الشعب الفلسطيني"، وأضاف: "دعونا لاجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري لاستجماع قوة العرب، لأنّ ما يحصل الآن في قطاع غزة هو جنون الحرب والإبادة الجماعية، ولذلك كان يجب أن يكون القرار محسوبًا".
وإذ نقل امتعاض السلطة الفلسطينية جرّاء مساواة البيان بين الضحية والجلاد "وهو ما لم يكن ينتظره الشعب الفلسطيني من الأشقاء العرب"، وصف العكلوك بيان الجامعة بـ"العادي"، إذ إنه لم يحمل في مضمونه أية إجراءات عملية يمكن فعلًا أن تؤثّر في مجريات الحدث، وهو ما دفع عدد من الدول العربية إلى إعلان تحفّظها على البيان الذي لا يرقى إلى مستوى الأحداث.
بدوره، يشير المصدر الذي حضر الاجتماع إلى أنّ الجلسة الافتتاحية أغلقت فورًا بعد كلمة الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية الفلسطيني، ما استدعى تسجيل دول لاعتراضها على اعتبار أنهم حضروا من بلادهم للتعبير عن مواقفهم من العدوان الاسرئيلي، سيّما وأنّ السلطة الفلسطينية كانت قد طالبت بأن تكون الجلسة الافتتاحية بما تتضمّنه من كلمات الوفود علنية أمام الصحافة، ليتمكّن كل وزير خارجية من التعبير عن موقف بلاده مما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطيني، "لكن للأسف تم إغلاق الجلسة مباشرةً خلافًا لما طالب به وفد فلسطين".
بيد أنّ مسؤولًا رفيع المستوى في الجامعة العربية، أرجع ما حدث إلى الرغبة فى تجنّب حدوث ما وصفه بـ"خلافات علنية أمام وسائل الإعلام بسبب التباينات فى مواقف الحاضرين"، لافتًا إلى أنّ الوضع لم يكن يحتمل نصب "سيرك إعلامي أو استغلال الوضع لتسجيل مواقف كلامية لن تفيد القضية الفلسطينية" على حد تعبيره، بينما اكتفى دبلوماسي مصري، في معرض التعليق على تباين المواقف بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية بالقول: مواقف الدول العربية في الشأن الفلسطيني، تتناسب طرديًا أو عكسيًا مع موقعها الجغرافي من "مركز الحدث".
(خاص "عروبة 22")