صحافة

كيف نواجه سيطرة إسرائيل على القرار الأمريكي؟

عبدالعزيز محمد العنجري

المشاركة
كيف نواجه سيطرة إسرائيل على القرار الأمريكي؟

قال لي أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين، خدم في إدارات مختلفة تحت ثلاثة رؤساء، «عندما نشاهد ما يسيء لنا [اليهود] على أي قناة تلفزيونية، ننسق بيننا لإرسال رسائل استنكار للقناة وأيضًا نضغط على السياسيين في المنطقة التي تقع فيها القناة، بينما العرب يعبّرون عن استيائهم بشتم التلفزيون ورميه بالحذاء!» وأضاف، «يلتزم معظمنا بساعتين أسبوعيا لنصرة قضايانا، وأثرها علينا عظيم». لخّص هذا السياسي المخضرم جزءًا مما نعانيه نحن العرب في كيفية خدمة قضايانا دوليًا، وأهمها قضية فلسطين.

قبل أن تجف الدماء ومعها الدموع ونعود لحالة النسيان، يجب أن نواجه حقيقة مؤلمة: نجاح إسرائيل في تعزيز موقفها على الساحة الدولية لم يأتِ عن طريق السحر أو المعجزات. بل نتاج استراتيجيات مدروسة اتبعتها ومناصريها لأكثر من أربعة عقود. لكن كيف بدأت ولماذا؟

رغم الوئام المفرط بين رؤساء الولايات المتحدة واسرائيل منذ نشأة هذا الكيان الصهيوني، إلا انه صادف عثرات عام ١٩٨١، حيث لم يلتفت الرئيس رونالد ريغان لضغوط اللوبي الإسرائيلي لإيقاف بيع طائرات رادار AWACS للسعودية. نتج عن هذا الاستياء حملة اعلامية ممولة من اسرائيل داخل الولايات المتحدة لتشويه سمعة ريغان، وهو الأمر الذي قوبل بعدم تردد ريغان في تبيان ازدرائه العلني للرئيس الإسرائيلي.

ومما زاد الطين بلة في عام ١٩٨١ ايضا، تبيان ريغان عدم رضاه العلني على اسرائيل بعد قصفها للمفاعل العراقي، ودعمه لقرار مجلس الأمن بإدانة إسرائيل. وبعد ضم إسرائيل لهضبة الجولان، قام ريغان بتجميد اتفاقية التعاون الاستراتيجي معها، مما دفع رئيس وزراء اسرائيل حينها لاتهام ريغان بمعاملته لهم كـ«جمهورية موز».

ولم يتردد ريغان في معاقبة إسرائيل مجددا، فعلّق تسليم مقاتلات اف-16 إلى تل ابيب. وفي سبتمبر ١٩٨٢، تفاجأت إسرائيل بمقترح ريغان للحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وطلبه منهم التوقف التام لأي عمليات استيطان. وهو ما رفضته الحكومة الاسرائيلية، واعتبرته خطرا كبيرا على أمنها.

كانت اسرائيل حينها في وضع ضعيف نسبيًا في واشنطن، وكان تأثير المنظمات اليهودية والصهيونية محدودا رغم أنها تعمل منذ عقود. ووفقًا للإذاعة الإسرائيلية، أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، مناحيم بيجن، السفير الأمريكي في تل أبيب، صموئيل لويس، بأن اليوم الذي تلقى فيه مقترح ريغان حول وقف الاستيطان كان أكثر أيامه حزنًا. وعليه، أيقنت إسرائيل في منتصف الثمانينات أهمية كسب أصدقاء جدد وتملّك أدوات ضغط متنوعة لها في واشنطن، بعد أن شعرت بأن الاعتماد المفرط فقط على الرئيس الأمريكي يحمل مخاطر كبيرة. فنشطت عدة منظمات يهودية كما تأسست منظمات جديدة لتوسيع نطاق الاهداف والانتشار لخدمة قضيتهم غير العادلة، واستقطبوا أموالا هائلة، وتبلغ حاليا إيرادات المنظمات اليهودية المرتبطة بإسرائيل حوالي ٤٠٠ مليون دولار سنويا، منها ٨٠ مليونًا لتجمُّع «آيباك» وهو أقوى لوبي اسرائيلي بأمريكا.

وفي الميدان الأكاديمي، فإن الباحثين الإسرائيليين بارزون في المحافل الدولية ونشطون جدا في النقاشات العامة والخاصة، وأبحاثهم التي تنشر في الدوريات والمجلات العلمية الرصينة، حيث يروّجون لإسرائيل بالتوازي مع شيطنة العرب والفلسطينيين. وكل ذلك يتم بغياب شبه كامل للباحثين من منطقتنا العربية، ويمتد هذا التأثير الاسرائيلي ليشمل الإعلام، حيث توجد استجابة قوية ومنسقة لأي تصريحات أو تقارير يمكن أن تُفسر على أنها معادية لهم.

باختصار، ما نراه الآن من تأثير دولي وخاصة في الولايات المتحدة هو نتاج 40 عامًا على الأقل من العمل الدؤوب الذي لا يتغير بتغير رؤساء وزراء إسرائيل. لكنني مقتنع مما أراه في واشنطن بأننا نحن العرب، إذا عملنا بصدق لخمس سنوات أو أقل، ضمن خطة محكمة وجيدة التمويل قد نصل لنتيجة أقوى بكثير، لأن قضية فلسطين قضية عادلة وتسويق الحقيقة أسهل من تسويق الكذب، خصوصا مع وجود جيل جديد من الشباب في امريكا والعالم يُدرِكون حقيقة الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون، ويبدون تعاطفًا مع قضيتهم، رغم انحياز حكوماتهم الأعمى لإسرائيل، وتعرضهم للتنمّر من جماعات الضغط الصهيونية، خصوصا في الجامعات، بالاضافة لوجود مد شعبي من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية واكاديميين دوليين من اصحاب العلم والكفاءة.

ماذا نحتاج لنصرة قضايانا؟ ببساطة، بناء استراتيجيات متكاملة تشمل الدبلوماسية، البحوث الأكاديمية، الإعلام، والمناصرة السياسية، وهذا الجهد يتطلب تمويلًا مستدامًا وطويل الأمد. ولا شك أنّ هناك جهودًا مشكورة يقوم بها بعض العرب الامريكيين ممن يظهرون تفانياً وشجاعة استثنائية في دعم قضية فلسطين، ولكن غالباً ما تبقى جهودهم الفردية محدودة الأثر والانتشار رغم صدق نواياهم.

من جانب آخر، وهو الأهم نحتاج لقاطرة تتبنّى هذا الدور. وأرى بأنّ قطر مؤهلة للقيام بدور ريادي في هذا المجال. إذ تعتبر قطر داعمًا رئيسيًا لقضية فلسطين وشعبها، وهي مستمرة في تقديم دعمها المالي لهم دون تنازلات سياسية. ويوفر هذا الدور القطري الفريد خيارات أكثر بكثير مما يمكن للأنظمة الأخرى بالمنطقة أن تقدمه، ويمكن للكويت أن تكون رديفة للدور القطري بمواقفهما التاريخية الرسمية والشعبية المؤيدة لفلسطين.

هاتان الدولتان مؤهلتان للعب الدور الكبير بتأسيس جهة مستقلة مركزية لدعم القضية الفلسطينية من منظور انساني وتاريخي واجتماعي على المستوى الدولي. هذه الجهة المستقلة يمكنها أن تساعد في تحسين الوضع الحالي للقضية من خلال:

1. السعي لتوحيد الجهود الدبلوماسية العربية، وتسهيل الحوار مع المجتمع الدولي من باب شبه رسمي مرن في حركته.

2. تأمين التمويل لمشاريع تحسّن من الوضع الإنساني والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية.

3. تنظيم حملات إعلامية للتأثير على الرأي العام العالمي، وتسليط الضوء على الجوانب الإنسانية والقانونية.

4. إنشاء هيئة للمناصرة السياسية، يمكنها بناء علاقات مع المشرعين وصناع القرار والسياسيين في الدول الكبرى، وتقديم مقترحات مبنية على وقائع واضحة للمساعدة في تشكيل السياسات.

5. التركيز على التعليم والتوعية، والعمل على التخفيف من الانحيازات والتحيز في السياسة الخارجية للدول التي قد تؤثر على القضية.

هذا هو الوقت المناسب لهذه الدول للتحرك، وأخشى إذا لم نتحرك الآن، سيأتي اليوم الذي نجد أنفسنا فيه نعيش في واقع محكوم بالكامل من قبل رؤية طرف آخر، تكون فيه عبارة «الّلهم انصر فلسطين» عملا إرهابيا عدائيًا!

فلنبدأ اليوم بتحرك جاد نحو تغيير هذا الواقع، قبل أن يصبح الوقت متأخرًا بالنسبة لنا جميعًا.

("الشرق") القطرية

يتم التصفح الآن