اقتصاد ومال

مصريّون يدقّون ناقوس الخطر: "الطبقة الوسطى" مهدّدة بالتآكل!

حنان حمدان

المشاركة

في الأشهر القليلة الماضية، تضاعفت أسعار السلع والخدمات في مصر، حتى الغذائية منها، وانخفضت القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المصريين بفعل انهيار العملة الوطنية (الجنيه مقابل الدولار الأميركي) وانخفاض قيمة الرواتب والأجور.

مصريّون يدقّون ناقوس الخطر:

تأثّر أبناء الطبقة الوسطى بشكل كبير جرّاء الأزمة الإقتصادية والنقدية الراهنة في مصر، حيث بدأوا بتقنين مصاريفهم وشراء الحاجات الضرورية فقط، فيما تبدّل نمط حياة شريحة كبيرة منهم.

"بدلًا من أن نشتري كلّ حاجاتنا الأساسية، بتنا نقنّن مشترياتنا، حتى الأساسية منها..." يقول محمد (في العقد الرابع من العمر)، ويضيف في تعليقه لـ"عروبة22" على تطورات الأوضاع المعيشية في مصر: "منذ أشهر استغنينا عن شراء سلع كثيرة، بدأنا نتكيّف مع الواقع، وتخلّينا للأسف عن أسلوب حياتنا الذي كنا نعتمده سابقاً".

أسعار السلع قفزت ثلاث مرّات... بما يشمل السمن والأرز

محمد، هو أحد أبناء الطبقة الوسطى التي تضرّرت كثيرًا بفعل الأزمة، ولا تزال تناضل من أجل البقاء والإستمرار في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة. فـ"أسعار السلع قفزت ثلاث مرّات، حتى الأرز والسمن، بسبب جشع التجار"، حسبما يوضح، والتبرير يكون دائماً: "إرتفاع كلفة النقل والوقود والشحّ في الدولار والمواد الخام (...) في وقت يعجز المسؤولون عن وضع حدّ لمثل هذه الممارسات".

ويتقاضى محمد راهناً (يعمل في قطاع الإتصالات وأب لطفلتين)، 7 آلاف جنيه شهريًا، أيّ ما يقارب 200 دولار أميركي. ويروي كيف يفقد هذا الراتب يومًا بعد يوم قيمته الشرائية. ففي مقارنة بسيطة، الراتب نفسه أو حتى أقلّ منه بقليل، كان يكفي لشراء كافة مستلزمات المنزل ومتطلبات عائلته من أساسيات وكماليات، أما اليوم فهو يفكّر "ألف مرّة" قبل الخروج وتناول وجبة الغذاء في مطعم مثلًا، حسبما يقول.

هذا الواقع جبر العاملين في القطاع الخاص، على البحث عن مصدر دخل جديد، وهو أمر صعب جدًا لمن يعمل بحدود 9 ساعات يوميًا، أو السعي إلى السفر للاستفادة من فارق صرف العملة في إعالة أفراد العائلة داخل مصر.

غلاء اللحوم "حدّث ولا حرج"... وأسعار الفراخ زادت بنسبة الضعف

يحصل محمد، كما مصريون آخرون، على دعم مباشر، من خلال بطاقة تموينية يحصل بموجبها على بعض السلع الغذائية الأساسية، لكنه يقول: "بسبب التدهور الكبير في الأسعار والانهيار الدراماتيكي في العملة الوطنية، لم تعد هذه البطاقة تكفي للتموين، إنما كنا نستفيد منها سابقًا بشكل أكبر".

أما أسعار اللحوم فحدّث ولا حرج عن الغلاء، ويلفت إلى أنه قبل أربعة أشهر إشترى حوالى 6 كيلوغرامات من اللحم، وعمد إلى تخزينها في الثلاجة، قبل أن يرتفع سعرها، الذي زاد ثلاثة أضعاف راهنًا، بينما يشير إلى أنّ "أسعار الفراخ زادت بنسبة الضعف، وهي تتذبذب بين ارتفاع وانخفاض لكنها تبقى مقبولة أكثر من اسعار اللحوم، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام منها حوالى 70 جنيه، مقابل حوالى 360 جنيه لسعر كيلوغرام اللحمة".

نحو 30% من السكان تحت "خط الفقر" ونسبة الطبقة الوسطى تتراجع شهريًا

وتناضل الغالبية من أبناء الطبقة الوسطى في مصر من أجل الصمود أمام الغلاء الفاحش والتضخم، وتتراجع نسبتها بفعل الأزمة الإقتصادية والنقدية التي تعصف بالبلاد، حيث بدأت تتقلص في السنوات الماضية، بسبب الإرتفاع الكبير في معدلات التضخم، حسبما يقول الخبير الإقتصادي وأستاذ الإقتصاد في أكاديمية السادات للعلوم الإدارية دكتور إيهاب الدسوقي لـ"عروبة 22".

ويعيش نحو 30 في المئة من السكان تحت خط الفقر في مصر، بينما تشكل الطبقة الوسطى حوالى 50 في المئة من المصريين، إلّا أن هذه النسبة باتت تتراجع شهريًا لصالح ارتفاع نسبة الطبقة الفقيرة. ويحذر الدسوقي من خطورة هذا الأمر "لا سيما وأنّ الطبقة الوسطى تشكل عماد المجتمع وهي طبقة متعلمة إلى حد ما، كانت تسعى دائمًا من أجل تحسين أحوالها، وبالتالي فإنّ تداعيات تراجع واقعها المعيشي بالغ السوء على النسيج المجتمعي".

"متوسّط الأجر" لا يكفي لتأمين حاجات المواطن الأساسية

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 2700 جنيه، أيّ ما يعادل 77 دولاراً، إذا ما احتُسب على أساس سعر صرف السوق الموازية وهي 35 جنيه للدولار الواحد.

ويتراوح متوسّط الأجر في مصر بين 7 آلاف و10 آلاف جنيه (بين 200 و300 دولار)، لا يتمكن من خلاله الناس تأمين حاجاتهم الأساسية من طبابة وملبس وغذاء وسكن. ويقول الدسوقي: "للأسف لا يضمن هذا الراتب الحاجات الأساسية، إلا في حال كانت الأسرة مقيمة في منزل الأهل أو في ملك خاص فيكون الحال أفضل بقليل من سواهم".

وأجرت مصر زيادة على مرتّبات موظفي القطاع العام قبل حوالى الشهرين، بنحو 1000 جنيه، لمواجهة غلاء المعيشة وتحسين معيشتهم، فيما سار القطاع الخاص على الخطى نفسها، حسبما يؤكد الدسوقي.

وتحاول الحكومة المصرية تقديم الدعم للمواطنين، ومنهم أبناء الطبقة الوسطى، من خلال البطاقات التموينية التي تؤمن السلع الأساسية من أرز وسمن وخبز بأسعار مدعومة، ومرتّبات شهرية لعدد من العوائل المحتاجة.

على مقلب آخر، يرى الدسوقي أنه لا يمكن تحسين واقع هذه الطبقة، كما مجمل أوضاع المصريين المتضررين جراء الأزمة، إلّا من خلال تحسين الإنتاج في مصر وزيادة الإعتماد على الإستهلاك المحلي وخفض نسبة الصادرات، ما يؤدي تاليًا إلى تحسين واقع العملة المحلية وزيادة معدلات النمو والدخل.   


(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن