سرعان ما اتشحَت خانات الصور الشخصية لمستخدمي منصة "فيسبوك" بالسواد، منذ فاجعة قصف الاحتلال الاسرائيلي لمستشفى غزّة، في رد فعل تلقائي لم يكن هو المحاولة الأولى من المستخدمين العرب للفت انتباه العالم لغضبهم حيال التصعيد المُمنهج ضد الفلسطينيين في غزّة، وحِيال إدارات منصات التواصل الاجتماعي، التي دخلت على خط القمع منذ بداية الحرب على غزّة، باتباعها حملات حظر عمياء ضدّ كل ما هو إدانة لإسرائيل، وجرائمها الأخيرة في غزّة.
سُميت تلك الحرب المُوازية، مجازًا، بحرب "الخوارزميات"، فصار مستخدمو "فيسبوك" العرب في حرب تستهدف رصد الكلمات التي يحظرها القائمون على إدارة "ميتا"، والتحايل عليها بالتمويه، لضمان عبور منشوراتهم إلى الفضاء الأزرق دون حظر أو تعطيل للحسابات، وتداول منشورات استجدائية مُكررة في محاولة لفك حصار "فيسبوك"، مثل "أرجو دعم الحساب" أو "يبدو أنّني مضطر فعلًا لوضع هذا المنشور لأني لاحظت أنّ عدد المتابعين ينخفض بشكل كبير" وإلى آخرها من المنشورات الذي أثبتت عدم جدواها، ولا قدرتها على حث خوارزميات "فيسبوك" لنشر المنشورات على نطاق أوسع، أو تجنّب حذف المنشورات التي يُقيمها "فيسبوك" على أنها ضد سياساته.
واختبر المستخدمون مع الوقت حيّل لمُناورة الخوارزميات بشكل مؤقت، عبر كتابة الكلمات التي يتحسّس لها "فيسبوك" بطريقة مُتقطعة، في محاولة لإضعاف تصنيفها أو الكشف عنها، على غرار كتابتها بحروف متقطعة مثل: "غ ز ة" و"إ س ر ا ء ي ل"، أو بحروف مُهجنة مثل: "غ z ة"، سعيًا لتعطيل قدرة المنصة على تتبع اللغة نفسها، وتحويلها للغة مُشفّرة، صارت مع الوقت مألوفة فيما بين المستخدمين العرب، كحيلة ربما لا تلوذ بالنجاة لفترات طويلة أمام تطورات الذكاء الاصطناعي المُتصاعدة على التعامل مع تعقيدات اللغات بما فيها العامية وحتى المُهجنة، كل هذا وسط توصيات بالانتقال إلى منصات أخرى أقل تحكمًا في المحتوى، وأخرى بتقييم "فيسبوك" بنجمة واحدة بسبب قيودها على حرية النشر، وملاحقة المحتوى الفلسطيني بأسلوب عنصري.
إنها مجرد جولة جديدة غير متكافئة بين مالك التقنية الغربي ومُستهلكها، تُبرزها الحرب الأخيرة على غزّة، فيها يتبارى مُلاك تلك المنصات على إثبات ولائهم للجانب الإسرائيلي، لا سيما بعد إشهار الاتحاد الأوروبي "عصا" العقوبات القانونية لشركات التكنولوجيا، في حال عدم حذف المحتويات التي تصنّفها أنها "مؤيدة لحركة حماس" من على منصات التواصل الاجتماعي، وهو التهديد الذي تبارت تلك المنصات على الرد عليه، بداية من تأكيدات منصة "إكس" على لسان رئيستها التنفيذية، بأنّ منصتهم "أزالت عشرات الآلاف" من المنشورات في الأيام التي أعقبت الأحداث في غزّة.
وتبعتها "ميتا"، المالكة لمنصات "فيسبوك" و"إنستجرام"، ببيان تؤكد فيه اتخاذها خطوات لإزالة مُحتويات تتضمّن دعمًا لحركة حماس من منصاتها، وطالت التهديدات الأوروبية "تيك توك" الصينية، التي جرى تحذيرها هي الأخرى من نشر محتويات "غير قانونية" بشأن الحرب الدائرة في غزّة.
في وقت لا يزال يبحث فيه المستخدم العربي عن وسائل "تمويهية" يستطيع بها مُشاركة العالم صُور ضحاياه، فلا يجد أمامه سوى مِقصلة "الحذف".
(خاص "عروبة 22")