وجهات نظر

تساؤلات شائكة عند معبر رفح

هل انقضى مشروع التهجير القسري.. أم أنّ الخطر ما يزال ماثلًا عند معبر رفح؟ إذا مضينا مع ظاهر التطمينات الأمريكية بالتصديق فإنّ خطره أزيح ولا داع لأي قلق. وإذا نظرنا في التصرفات الإسرائيلية بالتدقيق فإنه الهدف الجوهري للإبادة الجماعية التي تُرتكب في غزّة.

تساؤلات شائكة عند معبر رفح

لم ينشأ ذلك المشروع فجأة، أو من فراغ، فهو من طبيعة نشأة إسرائيل. بذريعة أو أخرى كان محتّمًا أن نجد أنفسنا أمام أخطاره المحدقة. النوايا ليست خفية والخطط شبه معلنة.

لا حل الدولتين ممكن في ظل التوسّع الاستيطاني المضطرد، ولا حل الدولة الواحدة متاح بالفصل العنصري. التخلّص من الفلسطينيين هو الحل، هكذا يعتقد اليمين الفاشي في إسرائيل.

وقد وجد مشروع التهجير القسري من غزّة إلى سيناء ومن الضفة الغربية إلى الأردن فرصته في ظلّ الدعم الأمريكي المطلق، استراتيجيًا وعسكريًا واستخباراتيًا، بعد السابع من أكتوبر.

مشروع التهجير مأزوم بضراوة المقاومة وغير قادر على الوصول إلى غايته

كان الرفض المصري والأردني والفلسطيني القاطع لذلك المشروع، داعيًا إلى تراجع في موقف الإدارة الأمريكية من الترويج المعلن إلى الرفض المراوغ، الذي لا يعتد به ولا يعوّل عليه.

ثم كان العامل الحاسم في الإبعاد المؤقت لشبح التهجير عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على إنجاز اختراق كبير في الحرب على غزّة، أو حيازة علامة نصر واحدة.

المقاومة الفلسطينية المسلّحة حائط الصد الأوّل ضد مشروع التهجير القسري. هذه حقيقة مؤكدة. إذا ما تهدم ذلك الحائط، فكل خطر وارد ومحتمل.

لا يوجد حتى الآن أدنى تراجع عن مشروع التهجير، سواء كان قسريًا أو طوعيًا، إلى سيناء أو أي مكان آخر، لكنه مشروع مأزوم بضراوة المقاومة وغير قادر على الوصول إلى غايته.

لم تكن هناك مفاجأة في الإلحاح على التهجير القسري وإنهاء الوجود الفلسطيني من فوق أرضه المحتلة، الذي صاحب صدمة السابع من أكتوبر.

بداعي الانتقام مما لحق به من إذلال غير مسبوق، أمعن الجيش الإسرائيلي، الذي يصف نفسه بلا خجل أنه الأكثر أخلاقية في العالم، بارتكاب جميع الجرائم البشعة ضد الإنسانية.

عبور معبر رفح ضربة مميتة للقضية الفلسطينية تنتظر تصفية نهائية بتهجير آخر من الضفة الغربية إلى الأردن

من وقت لآخر تتغيّر أهدافه وأولوياته المعلنة، من اجتثاث "حماس" إلى عدم عودتها إلى حكم غزّة، ومن إعادة الأسرى بالقوة إلى الموافقة على صفقة تبادل معها، دون أن يغادر التهجير القسري كهدف استراتيجي العقلية الصهيونية المتطرّفة.

إنه هدف يستدعي إعادة إنتاج نكبة (1948) والتخلّص إلى الأبد من صداع غزّة والمقاومة فيها والقضية الفلسطينية كلّها.

بافتراض أنّ القوات الإسرائيلية كسبت بفوارق السلاح المعارك الشرسة في شمال غزّة، فإنّ الخطوة التالية المعلنة التوجّه إلى الجنوب بذريعة أنّ قيادات "حماس" متمركزة هناك.

في هذه الحالة سوف تبدأ موجة أشد عنفًا من حرب الإبادة والتجويع لدفع الفلسطينيين، الذي قيل لهم بالخداع إنّ الجنوب أكثر أمنًا، للاندفاع إجباريًا إلى سيناء هربًا بالحياة من موت محقق.

إذا سمحت مصر بعبور معبر رفح فإنها ضربة مميتة للقضية الفلسطينية تنتظر تصفية نهائية بتهجير آخر من الضفة الغربية إلى الأردن "الوطن البديل".

في هذه الحالة تكون مصر قد فقدت سيادتها على سيناء وتقوض أمنها القومي كله.

وإذا ما جرى منع النزوح الاضطراري بقوة السلاح فإنها مأساة تاريخية كاملة تفوق في بشاعتها وتداعياتها أي تصور.

لا مخرج من ذلك المأزق المحتمل، غير دخول مصر في حرب مباشرة مع إسرائيل أيًا كانت التضحيات والمخاطر.

لا أحد في العالم يريد مثل ذلك السيناريو، لكن قد تندفع إليه الحوادث بهوس القوة الإسرائيلية.

يختلف النزوح المحتمل - هذه المرّة - في أسبابه ودواعيه عما جرى يوم (22) يناير (2008) حين زحف عشرات آلاف الفلسطينيين عبر المعبر الحدودي إلى داخل سيناء.

بدا النزوح احتجاجًا على الحصار الخانق. لم تطلق رصاصة واحدة، إذ "إنّ مصر ترفض تجويع الفلسطينيين"- حسب تعبير الرئيس الأسبق حسني مبارك.

كان ذلك تصرّفًا صحيحًا، لكنه تناقض في روحه مع معالجات إعلامية وتصريحات دبلوماسية لا تليق ولا تصح أن تصدر عن بلد بحجم مصر.

ظهرت على السطح شروخ حقيقية في مفهوم الأمن القومي وطبيعة العلاقات المفترضة على الحدود مع قطاع غزّة، وتأكدت معضلة "حماس" في حسابات الأمن القومي المصري.

الأمن القومي ليس اختراعًا، فهو من مسؤوليات الدولة، وهو لا يناقش بالقطعة، كأن تلخصه في الحدود، ثم تلخص الحدود في معبر "رفح"، قبل أن تتقبّل وقتها اقتراحًا إسرائيليًا بمضاعفة قواتك عند هذا المعبر بالذات، لا يتجاوزه إلى سواه، ضمانًا لأمنها، وتعتبر ذلك كله إنجازًا وسيادةً وأمنًا قوميًا، ولا تجد من يصدقك، أو من هو على استعداد أن ينظر إليك بتقدير حقيقي.

ضبط الحدود من أولويات الأمن القومي، لكنه لا يلخصه.

لم يكن نظام الحكم مؤهلًا لتوظيف الحوادث، التي جرت لاقتناص أية فرص لاحت، أهمها: رفع يد إسرائيل عن المعبر المصري – الفلسطيني، والبروتوكول، الذي يحكمه لم تكن مصر طرفًا فيه.

أزمة معبر رفح امتدت إلى حد غل يد البلد عن تمرير المساعدات الإنسانية العاجلة لأهالي غزّة

هكذا طرح سؤال الأمن القومي عند معبر رفح:

كيف يتسنى لدولة محورية مثل مصر، أو هامشية مثل جزيرة في البحر الكاريبي، ألا تكون طرفًا مباشرًا في أية ترتيبات على حدودها؟

أساء ذلك بفداحة إلى مصر وصورتها في عالمها العربي.

امتدت أزمة معبر رفح بحساباتها وقيودها إلى حد غل يد البلد عن تمرير المساعدات الإنسانية العاجلة لأهالي غزّة المحاصرين، الذين يعانون تجويعًا حقيقيًا وممنهجًا.

هذا كله يستحق المراجعة والتصرف على نحو مختلف حتى لا نجد أنفسنا غدًا، أو بعد غد أمام سيناريو آخر للتهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية بالوقت تفسه.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن