صحافة

أطماع إثيوبيا تصل إلى "البحر"!

محمد حسين أبوالحسن

المشاركة
أطماع إثيوبيا تصل إلى

وقّعت إثيوبيا وجيبوتي، الأسبوع الماضي، مذكرة تفاهم للتنسيق العسكري والدفاع المشترك في حالات التعرض لأي خطر، هذا الاتفاق خطوة إثيوبية متقدمة في إطار سعيها المحموم لانتزاع ميناء بحري وقاعدة عسكرية في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ما يلقي بظلال قاتمة على القرن الإفريقي، ينتهك سيادة دولها وينذر بإشعال صراعات جديدة، بدعم من أطراف أخرى.

مهد آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي للأمر بتصريحات تصعيدية في مناسبات مختلفة، مؤخرا، قال فيها أمام البرلمان إن تعداد إثيوبيا يبلغ 150 مليون نسمة عام 2030، يفرض على حكومته الحصول على ميناء سيادي بالبحر الأحمر؛ بوصفه ضرورة وجودية، مسألة حياة أو موت، لافتا إلى أن البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يحددان مصير بلاده، وأساس تنميتها أو تدميرها، كمحركين للتنمية والريادة أو كمصادر للخطر، وأضاف: من غير المعقول ألا نناقش مسألة الوصول لموانئ، بينما لا تكف السودان ومصر عن مناقشة قضايا مياه النيل. في حين أكد برهانو نيغا وزير التعليم أن أديس أبابا تدرس كل الخيارات للحصول على منفذ بحري.

التصريحات الإثيوبية دقت أجراس الخطر بالجوار، إريتريا والسودان وجيبوتي والصومال وكينيا؛ وهي الدول التي تناولتها التصريحات كوجهات محتملة للميناء البحري أو القاعدة العسكرية.. وبالفعل أخذت العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة تسير في حقل أشواك، فقد أدانت وزارة الإعلام الإريترية تصريحات آبي أحمد، معتبرة أنها «لا تستحق الاهتمام»، وأنها «أحاديث القيل والقال» وأوضحت أن إريتريا لا تعير تلك الدعوات أهمية تذكر. بينما حذّر عبدالرحمن عبدالشكور مستشار الرئيس الصومالي من أطماع إثيوبيا في بلاده وسعيها للحصول على ميناء بالقوة أو بالحيلة، لافتا إلى رسائل آبي أحمد بشأن الوصول إلى البحر الأحمر. أيضا قبل توقيع الاتفاق مع إثيوبيا، أشار ألكسيس محمد مستشار رئيس جيبوتي إلى العلاقات الودية بين الدولتين، داعيا الإثيوبيين لاحترام سيادة بلاده وسلامة أراضيها، دون نقاش. أما السودان فهو يشعر بقلق مضاعف؛ نظرا لانشغاله بالحرب بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، وهو يدرك الأطماع الإثيوبية السافرة في أراضي السودان وثرواته، بالإضافة إلى خلافات سد النهضة.

حاول آبي أحمد تسكين المخاوف، واعدا بعدم غزو أي بلد مجاور، لكنه شدد على أن حكومته لن تتخلى عن مطلبها في الحصول على ميناء بحري، مبينا أن السلام في المنطقة رهن بتقاسم متبادل بين إثيوبيا المعزولة عن البحر وجيرانها، وعرض تقديم حصة ٣٠٪ سنويا من سد النهضة، أو حصة مماثلة في الخطوط الجوية الإثيوبية أو في شركة الاتصالات الإثيوبية، مقابل الحصول على المنفذ البحري. السؤال هنا: منذ متى أوفت إثيوبيا بتعهداتها؟! ولماذا تهدد سياساتها مصالح جيرانها الأقربين والأبعدين؟!

لقد دشنت أديس أبابا بالفعل فرعا جديدا في جيشها هو القوات البحرية؛ مع أنها لا تطل على أي بحار، تقوم الآن بتدريب الأفراد وتجهيز المعدات والأسلحة، بدعم من فرنسا وإيطاليا وروسيا، وكذلك إسرائيل التي يجمعها تعاون عسكري وثيق مع أديس أبابا؛ باعتبار أنهما محاطتان ببحر من الأعداء العرب، لو انتصروا على إحداهما فإن الثانية تصبح الهدف التالي لهم، ومن ثمّ لا بد من إشغال «دول عربية» بالتوترات في محيطها. يذهب بعض الخبراء إلى أن إثيوبيا أكبر دولة سكانا في القرن الإفريقي، تظهر بوضوح على شاشة حسابات الولايات المتحدة وإسرائيل؛ تغض واشنطن النظر عن الأطماع الإثيوبية في دول الجوار، التي تحوّل بعضها إلى كيانات ضعيفة، مثل إريتريا، أو تمزقها مثل الصومال والسودان.

تعمل أديس أبابا، بمعونة آخرين، على إعادة رسم خريطة المنطقة؛ حتى تتمكن من النهوض بدور إقليمي، تدور في فلكه دول مجمع البحار - المشرفة على باب المندب - ودول مجمع الأنهار - المشرفة على الأنهار المتدفقة منها - في إطار ترتيبات جيوسياسية، مع قوى إقليمية وعالمية تشق المنطقة العربية، وتكفل هيمنتها على المصفوفة الإقليمية، وتضع بيدها ورقة في مفاوضات سد النهضة المتعثرة مع دولتي المصب المطلتين على البحر الأحمر، ما يجعل القرن الإفريقي وحوض النيل ساحة للتآمر الجيوسياسي ويشعل التوترات إقليميا ودوليا.

إن دوافع إثيوبيا لتأسيس سلاح البحرية والبحث عن موطئ قدم بالبحر الأحمر الشريان الاستراتيجي الأهم للملاحة الدولية، بذريعة تعزيز تجارتها الخارجية؛ تطرح إشكاليات بالغة الحساسية، تلك الأطماع لا تسندها أي مبررات تاريخية أو مسوغات قانونية؛ المواثيق الدولية لا تتيح لأي دولة احتلال أجزاء أو ميناء دولة أخرى؛ لمجرد أنها أكبر مساحة أو عددا، حتى الدول الحبيسة - مثل إثيوبيا - لا يجوز لها استخدام موانئ الجيران إلا بالاتفاق معهم.

المفارقة المذهلة أن إثيوبيا تختار دوما «الطريق الأصعب»، مع أن الطريق الأسهل مفتوح أمامها، إذ يمكنها بالتعاون الصادق الذي يحقق مصلحة الجميع بتوازن وعدالة أن تصل إلى أهدافها، دون صراعات في القرن الإفريقي وحوض النيل. لكن «عقدة المياه» تسيطر على قادتها، قال آبى أحمد: «إثيوبيا محاطة بالمياه، لكنها دولة عطشى، لماذا؟ الأمطار غزيرة، والمياه الجوفية.. المحيط الهندي والبحر الأحمر هناك؛ فلماذا تعتبر المياه مشكلتنا ونحن محاطون بها؟!».

إنها النوايا السيئة ورغبات الهيمنة لدى إثيوبيا تجعلها دولة وظيفية يحركها آخرون في منطقة تفيض بالأزمات، وتلجئها إلى دفاع مشترك، فأي دفاع/عدوان هذا وضد من؟!.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن