اقتصاد ومال

المغرب يتسلّح بـ"الشّمس والرياح" لتصدّر عالم الطاقات المتجدّدة

المغرب - خديجة عليموسى

المشاركة

يتبنّى المغرب، منذ سنوات، رؤية استراتيجية في مجال تطوير الطاقات المتجدّدة، ويسعى من خلال هذه الاستراتيجية التي أطلقها قبل 14 سنة، إلى تحقيق تحوّل كبير في البلاد نحو مصادر الطاقة النظيفة. ويظهر ذلك في قراره بناء محطتين للطاقة الشمسية بتكنولوجيا متقدّمة في مدينتي خريبكة وبن جرير (وسط المغرب)، وهو المشروع الذي يعكس من جهة، الطموح الوطني لتحقيق الاستدامة البيئية وتحسين كفاءة الطاقة، كما يُمهّد من جهة ثانية لتحقيق الريادة المغربية عربيًا وقاريًا في توظيف الطاقات النظيفة، ومنافسة قوى عالمية في هذا المجال.

المغرب يتسلّح بـ

ويشدّد الخبراء على أنّ الطاقات المتجدّدة تُعدّ خيارًا استراتيجيًا مناسبًا في تحقيق الأهداف الدولية لتقليل آثار التغيّر المناخي، لا سيما وأنّ دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك المغرب، تتأثّر بشكل كبير بتغيّرات المناخ.

ويوضح الخبير في شؤون الطاقات المتجدّدة والنجاعة الطاقية والتغيّر المناخي، عبد العالي دقينة لمنصّة "عروبة 22"، أنّ تخفيف هذا التأثير يتطلّب "التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إنتاج الكهرباء، وهو ما يتطلّب إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة، سواء الشمسية أو الريحية"، مؤكدًا أنّ "الطاقات المتجدّدة تلعب دورًا كبيرًا على المستوى الوطني والعالمي، في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة التي تنتج عن استخدام الطاقات الأحفورية مثل الحجر الفحم والبترول والغاز، وهي الغازات التي تشكل خطرًا على صحة الإنسان". وفيما يتعلق بالاستراتيجية المغربية في تطوير الطاقات المتجدّدة، أوضح دقينة أنّ "هدف المغرب هو المساهمة في الجهود الدولية للتصدي لتغيّر المناخ من خلال الانتقال إلى الطاقات المتجدّدة واعتماد النجاعة الطاقية، باعتبارهما رافدين من الروافد التي اعتمدت عليها الاستراتيجية الوطنية للطاقة في المغرب عام 2009".

ويتوفّر المغرب على 4,1 جيغاواط من القدرة الكهربائية المتأتية من مصادر متجدّدة، وِفق الرسالة التي وجّهها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى الاستثمار الأفريقي، التي انعقدت بمدينة مراكش بين 8 و10 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقال فيها/ "إنّ المملكة ماضية قدمًا في تنزيل استراتيجيتها الرامية إلى الرفع من حصة مصادر الطاقة المتجدّدة في إنتاج الطاقة الكهربائية وطنيًا إلى أزيد من 52% في أفق عام 2030".

طاقات متجدّدة لإنتاج الأسمدة

وفي خطوة لتعزيز قدراته في مجال الطاقة المتجدّدة، أعلن المغرب يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الفائت عن قرار بناء محطتين للطاقة الشمسية في مدينتي خريبكة وبن جرير، وذلك عبر توقيع اتفاقية قيمتها 100 مليون يورو، تمثّلت في قرض أخضر منحته مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، العضو في مجموعة البنك الدولي، كما تمّ التوقيع على هذا الاتفاق من قبل المكتب الشريف للفوسفات، وهي مجموعة مملوكة للدولة المغربية، متخصّصة في استخراج وإنتاج وبيع الفوسفات ومشتقاته.

وسيسهم هذا الاتفاق في تمويل بناء محطّتين للطاقة الشمسية بتكلفة إجمالية تبلغ 360 مليون يورو، تهدف إلى إنتاج أسمدة منخفضة الكربون. وتتمثل قوة المحطتين في قدرتهما الإجمالية التي ستصل إلى 400 ميغاوات في ذروتها، بالإضافة إلى قدرة تخزين بطاريات تصل إلى 100 ميغاوات في الساعة. ويمثّل هذا المشروع الضخم أوّل مشروع للطاقة الشمسية الكهروضوئية في المغرب وأكبره في شمال أفريقيا، مع بنية تحتية متكاملة للتخزين. ووفقًا لبيان مشترك بين الموقعين عليه، سيسهم هذا الاتفاق في تمكين المغرب من استخدام الطاقة المتجدّدة بنسبة 100 في المائة في إنتاج الأسمدة بحلول عام 2027، وهو ما يعكس التزام المغرب بتحقيق الاستدامة البيئية، كما تجسّد هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية التمويل الأخضر، التي تُعتبر واحدة من وسائل تحقيق الأهداف البيئية، سواءً تلك المتصلة بتخفيف التأثير البيئي أو بالتكيّف مع التحديات المتزايدة للتغيّر المناخي.

وفي هذا السياق، يلفت الخبير في شؤون الطاقات المتجدّدة والنجاعة الطاقية والتغيّر المناخي، إلى أنّ "للمغرب تجربة طويلة في مجال الطاقات المتجدّدة، حيث يعود تاريخ انخراطه في هذا المجال إلى الثمانينيات من القرن الماضي"، مشيرًا إلى أنّ "هذه التجربة جعلت المغرب يحظى بثقة دولية، ويتلقّى الدعم المالي من خلال قروض تُمنح لتمويل مشاريعه في مجال الطاقة المتجدّدة، وهو الدّعم الذي يعكس الاعتراف بالجهود المستمرة والتزام المغرب في تحقيق الاستدامة والتنوّع في مصادر الطاقة".

وإذ يؤكد أنّ "عدة توجهات خاصة بالاستثمار في الطاقات المتجددة تبرز أهميتها ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، ومنها التوجه الاقتصادي حيث يظهر أن تكلفة إنتاج الطاقة المتجدّدة أقل مقارنة بالطاقات الأحفورية، لا سيما في ظل عدم وجود إنتاج وفير لهذه الطاقات في المغرب، مما يجعل الاعتماد على المصادر المتجدّدة خيارًا اقتصاديًا مناسبًا"، يشدد في الوقت ذاته على أنّ "هذا التوجه يختزن الالتزام في تقليل الانبعاثات الضارة والتلوث الناتج عنها، خاصّة الناجمة عن الغازات ذات العمر القصير التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان والبيئة".

نحو تقليص "التبعية الطاقية"

ويعمل المغرب على تقليص التبعية الطاقية، عبر تنفيذ عدد من المشاريع التي تشرف عليها الوكالة الوطنية للتنمية المستدامة المعروفة اختصارًا بـ(مازن)، وهي المسؤولة عن تسيير قطاع الطاقات المتجدّدة بالمغرب. وحسب تقرير للوكالة، فإنّ الاستثمارات الشاملة المنجزة في إطار برنامجها الاستثماري بلغت حتى يونيو/حزيران الماضي ملياري درهم (نحو 198 مليون دولار أمريكي)، وسط توقعات استثمارية مستقبلية تصل إلى 8 مليارات و736 مليون درهم (نحو 795 مليون دولار) في عام 2024، و4 مليارات و200 مليون درهم (نحو 398 مليون دولار) في عام 2025.

وأوضح التقرير أنّ هذا البرنامج يلعب دورًا حيويًا في استراتيجية الانتقال الطاقي بالمغرب، حيث يسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف تقليص التبعية الطاقية للبلاد، مع توقع الانتقال من 97% في عام 2018 إلى 82% في عام 2030، بينما كشفت معطيات رسمية لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدام أنّ نسبة التبعية الطاقية للمغرب وصلت إلى 91,31% خلال سنة 2022.

ووِفق المعطيات التي قدّمتها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) يوم الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإنّ سنة 2023 عرفت تشغيل قدرة إضافية من مصادر الطاقات المتجدّدة، كما تمّ اتخاذ إجراءات تروم تسريع وتيرة إنجاز مشاريع الطاقات المتجدّدة والترخيص لعدة مشاريع جديدة، إضافةً إلى مواصلة تطوير وإنجاز المشاريع المبرمجة.

وتتمثّل هذه المشاريع في "تشغيل قدرة إضافية تناهز 300 ميغاواط من مصادر متجدّدة، وذلك عن طريق الشروع في استغلال الحقل الريحي ''بوجدور" (300 ميغاواط، بقيمة 3971 مليون درهم - نحو 395 مليون دولار أمريكي - في إطار المشروع الريحي المندمج 850 ميغاواط)، وتسريع إنجاز مشروع المركب الشمسي "نور ميدلت" لاستكماله في أفق 2027".

ولفتت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، إلى أنّ هذه المشاريع تهمّ أيضًا "منح الترخيص لقدرة كهربائية إضافية من مصادر متجدّدة تناهز 866 ميغاواط، إلى جانب الترخيص لحوالى 27 مشروعًا للطاقة الشمسية الفولتوضوئية من الحجم المتوسط والصغير بقدرة إجمالية تراكم حوالى 36 ميغاواط لفائدة بعض المقاولات الوطنية في إطار الإنتاج الذاتي".

وفي هذا السياق، أفاد دقينة بأنّ المغرب يستورد ما يفوق 90% من احتياجاته الطاقية، وهذا ما يكلّفه حوالى 100 مليار درهم سنويًا (نحو 10 مليار دولار أمريكي) من الفاتورة الطاقية، مضيفًا أنّ الطاقات المتجدّدة كانت إحدى المحاور الأساسية من المساهمة الوطنية على المستوى الدّولي بالنسبة للتغيير المناخي، التي التزم بها المغرب في إطار اتفاقية باريس للتغيّر المناخي، "والتزمنا أنه في أفق 2030 ستكون لدينا قدرة إنتاجية للطاقات المتجدّدة أكثر من 52% واقتصاد 20% من استعمال الطاقة في جميع المجالات".

المرتبة 19 عالميًا

إنّ انخراط المغرب في قطاع الطاقات المتجدّدة، ليس وليد اليوم بل يعود لبدايات الثمانينات من القرن الماضي، حيث أسّس أول مركز للطاقات المتجدّدة في عام 1982، حيث بذل هذا المركز جهودًا كبيرة في توعية المستهلكين وصنّاع القرار، وتطوّرت هذه الجهود على مرّ السنوات، وتركّزت على تحقيق أهداف واستراتيجيات وطنية للطاقة، بحسب دقينة، وصولًا إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية للطاقة، عام 2009، والتي كانت نقطة تحول هامّة في مسيرة المغرب نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجدّدة، إضافة إلى دمجها، وبشكل خاص الطاقة الشمسية والريحية، ضمن الإنتاج الكهربائي في المغرب كجزء من البرنامج الوطني للكهربة الوطنية الشاملة الذي انطلق في عام 1995.

ومنذ ذلك الحين راكم المغرب عددًا من البرامج والمشاريع في مجال الطاقات المتجدّدة، ليتبوّأ العام الماضي، المرتبة 19 عالميًا، في مؤشر جاذبية الدولة للطاقة المتجدّدة، إلى جانب الاقتصادات الكبرى، وفق ترتيب شركة الاستشارات "إيرنست أند يونغ".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن