اقتصاد ومال

التصوّر الإقتصادي للقضية الفلسطينية في "اليوم التالي"

تتردّد الأصوات المطالبة بإصدار قرار أممي يعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على أساس "حل الدولتين"، وعقد مؤتمر سلام دولي يؤدي إلى نتائج ملموسة، بما في ذلك إنشاء الدولة الفلسطينية على أساس حدود يونيو/حزيران 1967، وأن تكون القدس الشرقية عاصمتها، وضرورة إتاحة أفق الأمل لشعوب المنطقة عبر التحرّك بشكل حاسم لا رجعة فيه على مسار "حل الدولتين"، على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي؛ حيث تعيش إسرائيل وفلسطين جنبًا إلى جنب في سلام وأمن.

التصوّر الإقتصادي للقضية الفلسطينية في

إنّ الطريق للخروج من الأزمة والصراع هو من خلال "حل الدولتين"، وأفضل وسيلة لإنقاذ الأرواح هي في الحوار والتفاوض، فالجميع يعيشون عند مفترق طرق الحرب والسلام، ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل على إيجاد الحلول، ومحاذرة استمرار القتال الذي سيتحوّل إلى كارثة تشمل المنطقة بأكملها والعالم، والمطلوب بالتالي وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض، وأن يتحمّل مجلس الأمن مسؤوليته.

العالم أمامه مهمة مصيرية في التوصّل إلى حل سياسي عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، ولن يكون تحقيق السلام المستدام ممكنًا من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية والعربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليكون عندها "الاعتراف المتبادل" وفقًا لمبادرة السلام العربية.

آن أوان صدور اعتراف دولي بقرار من مجلس الأمن بدولة فلسطين وأن تنال العضوية الكاملة في الأمم المتحدة

حان الوقت اليوم للتفكير في "اليوم التالي"، فهناك العديد من الأسئلة حول سبل إعادة بناء الدولة الفلسطينية، وحول الحل المستقبلي طويل الأمد للقضية الفلسطينية بشكل عام، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة وباقي الأراضي الفلسطينية بشكل كافٍ ومستدام، والمطالبه بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين.

إنّ السلام هو خيار استراتيجي، وما يقرّبه هو وقف إطلاق النار في غزّة أولًا واستجابة إسرائيل لمساعي السلام التي استمرت لعقود، فقد آن أوان صدور اعتراف دولي بقرار من مجلس الأمن بدولة فلسطين وأن تنال العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، تمهيدًا للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة تنطلق من خلاله عملية سلام جادة وذات صدقية تكفل تنفيذ "حل الدولتين".

على أنّ ما لحق بغزّة من دمار جراء هذه الحرب، يضع القطاع أمام مجموعة تحديات، أبرزها إعادة إعماره بعد انتهاء الحرب، حيث أنّ عمليات التصعيد العسكري التي شهدها القطاع منذ عام 2006، لم تُسجّل عمليات نزوح بهذا الحجم، لا سيما وأنّ إسرائيل تفرض "قبضة حديدية" على حدود القطاع، فتمارس حصارًا يدقّق بكل ما يدخل إليه، بما في ذلك مواد إعادة الإعمار التي تخضع لإشراف إسرائيلي كامل، في ظل تحكّمها في المعابر المؤدية للقطاع، ومن المتوقع وصول تكلفة إعادة الإعمار إلى مليارات الدولارات، وأن تتجاوز بكثير سابقاتها التي أعقبت جميع جولات التصعيد الماضية، ويأتي هذا أيضًا في ظروف مختلفة تمامًا وأكثر تعقيدًا، على أثر جولات التصعيد في أعوام 2006 و2008 و2014، إذ ستكون لهذه الحرب خصوصيتها التي ستفرض واقعًا جديدًا.

إعادة الإعمار مسألة معقّدة وحسّاسة، وستتأثّر بكثير من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية

وبعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة عام 2014، تشكّلت حكومة وفاق وطني فلسطيني، وهو ما ساعد على تنظيم عملية إعادة الإعمار على أساس رسمي، حظي بتأييد ودعم دوليين، إذ نجحت حكومة الوفاق الوطني حينها في حشد دعم لعقد مؤتمر للمانحين، بحضور 50 دولة ومنظّمة دولية، وتعهّد المانحون حينها بتقديم 5.4 مليار دولار لإعادة الإعمار، ولكن واجهت عملية الإعمار صعوبات كبيرة بسبب الحصار الإسرائيلي والقيود على دخول المواد الأساسية، مثل الإسمنت والحديد والزجاج والوقود، وأيضًا بسبب الخلافات السياسية والأمنية بين الفصائل الفلسطينية، والتأخير في تحويل التعهّدات المالية.

وبعد العدوان على غزّة عام 2023، فإن إعادة إعمار القطاع هذه المرّة ستكون بموجب عملية سياسية، وبالتالي، فإنّ إعادة الإعمار ستظلّ مسألة معقّدة وحسّاسة، وستتأثّر بكثير من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية، ولا يوجد حتى الآن سيناريو واحد محدّد لكيفية تنفيذ عملية إعادة الإعمار، لكن بناءً على التجارب السابقة والتطورات الحالية، ستحتاج سيناريوهات عملية إعادة الإعمار مسارًا مختلفًا للتعامل معها؛ فكل عمليات إعادة الإعمار في الحروب السابقة لم يصل حجم الضرر فيها إلى ما وصل إليه الوضع في الحرب الحالية، ما يعني أنّ ما يمكن أن يحدث ليس إعادة إعمار، بل إعادة بناء كاملة حال توفّرت الظروف المناسبة.

وفي الوقت الذي تتكثّف الجهود الدبلوماسية على أكثر من جبهة لوقف الحرب التي تشهدها الأراضي الفلسطينية والكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي تسبّبت بها الحرب الإسرائيلية، استضافت مدينة برشلونة، الاجتماع الدوري لمنتدى الاتحاد من أجل المتوسط، الذي يضمّ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والدول المطلّة على البحر المتوسط والسعودية كضيف شرف، وعلى جدول أعماله بند رئيسي واحد هو رسم خريطة طريق لمستقبل القطاع وفلسطين بكاملها بعد أن تضع الحرب أوزارها.

إعادة الإعمار وإطلاق مشاريع التنمية، من أهم التحديات وأكثرها إلحاحًا في السعي نحو صون حقوق الفلسطينيين

ومن هنا، في الختام، أهمية تكثيف الجهود الدولية المبذولة للالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والعودة إلى مسار السلام بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، إذ تتجه المساعي الدبلوماسية إلى التركيز على الدعوة لعقد مؤتمر دولي لتسوية النزاع على أساس "حل الدولتين" والاعتراف المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفقًا لمبادرة السلام العربية، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وبناء المستقبل في "اليوم التالي"، من أجل تأمين حياة كريمة للفلسطينين خالية من الفقر وعدم المواساة.

إنّ إعادة إعمار قطاع غزّة والقدس الشرقية والضفة الغربية وإطلاق مشاريع التنمية فيها، هي من أهم التحديات وأكثرها إلحاحًا في السعي نحو توفير الفرص المتساوية وصون حقوقهم وحرياتهم، وفي جميع الأحوال لا بد من مواصلة الجهود الرامية إلى إعادة إعمار المؤسسات العامة وتشييد البنية التحتية ومرافق الخدمات العامة على الرغم من القيود التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن