اقتصاد ومال

سياسة العراق الاقتصادية: رؤية "صندوق النقد"

يعاني الإقتصاد العراقي من خلل هيكلي، إذ انخفضت مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي استنادًا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحّد 2023، بحيث تساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5 %، والصناعات التحويلية بمقدار 1.9 %، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2 %، التشييد 2.3 %، الكهرباء والغاز و الماء 2.7 % والتجارة 9 %، النقل 9.8 %، التمويل 0.7 %، الإسكان 5.5 %، الخدمات الحكومية 4.3 % والخدمات الأخرى 3.3 %. وهذا يمثّل خللًا هيكليًا في الاقتصاد العراقي، ويؤدي إلى تعميق مشكلة الاقتصاد العراقي، التي لا ترى نموًا حقيقيًا في القطاعات الإنتاجية وإنما نموًا في عائدات الحكومة النفطية نتيجة تحسّن أسعار النفط خلال الأعوام 2021 و 2022 و 2023.

سياسة العراق الاقتصادية: رؤية

وقد أصدر صندوق النقد الدولي، تقريرًا حول سياسة العراق الاقتصادية، وتوقّع نمو الناتج المحلي العراقي الإجمالي غير النفطي بنسبة 5% عام 2023، حيث إلتقى فريقًا من خبراء صندوق النقد الدولي، المختصين العراقيين في عمّان، الأردن، خلال المدة 12 - 17 من ديسمبر/كانون الأول 2023، بهدف مناقشة أحدث التطورات والمستجدات وآفاق التوقّعات للاقتصاد العراقي، إلى جانب مناقشة الخطط المتعلقة بالسياسات الإقتصادية والإجتماعية والتنموية.

ضمان استمرار أوضاع المالية العامة يتطلَّب تعبئة المزيد من الإيرادات غير النفطية

وعلى ضوء التَّوسُّع الكبير في المالية العامة في إطار قانون موازنة الثلاث سنوات 2023 - 2025، ينبغي للاستمرار في تنفيذ الموازنة أن يستمر النمو غير النفطي القوي في العام 2024، غير أنّ هبوطَ الإنتاج النفطي بعد إغلاق خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا، وخفضَ الإنتاج بناءً على طلب مجموعة أوبيك+، سوف يعملان على خفض نمو الناتج المحلي الكلي.

ومن المحتمل أن يتوسَّع حجم العجز المالي لدى الحكومة بدرجة أكبر في العام 2024، بما يعكس الأثر السنوي الكامل لإجراءات الموازنة، كما أنّ التوسع الكبير في المالية العامة، بما في ذلك حدوث زيادة جوهرية في أعداد المنتسبين للقطاع العام والتقاعد، يخلق متطلبات دائمة من الإنفاق العام الذي سوف يشكّل ضغطًا على الأموال العامة، ويتطلَّبُ ضمان استمرار أوضاع المالية العامة، في إطار سياق آفاق التوقعات غير المؤكّدة لأسعار النفط، تشديد موقف سياسة المالية العامة بصورة تدريجية، وفي الوقت نفسه العمل على ضمان حماية الاحتياجات بالغة الأهمية للبنية التحتية وللإنفاق الاجتماعي، ومن شأن ذلك أن يتطلّب أيضًا تعبئة المزيد من الإيرادات غير النفطية، واحتواء فاتورة أجور موظفي الحكومة، وإصلاح نظام التقاعد الحكومي، إذ يجب دعم هذه التدابير بالانتقال إلى العمل على وجود شبكة أمان اجتماعي أكثر استهدافًا، والعمل على توفير حماية أفضل للفئات الهشة.

وقد رحَّب صندوق النقد الدولي، بالخطط الحكومية الهادفة إلى تعزيز إدارة المالية العامة، بما في ذلك الترحيب بالخطوات التي اتّخذتها الحكومة باتجاه إنشاء حساب الخزينة الموحّد، وفي هذا الخصوص، أكد الصندوق على أهمية الالتزام بالإطار الخاص بإدارة الضمانات الحكومية، حيث أنّ البنك المركزي العراقي شدّد سياسته النقدية بصورة ملائمة، ويتضمّن هذا التشديد زيادة سعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية ورفع متطلبات الاحتياطي الالزامي، من جانب آخر، أشاد الصندوق بالتقدم المُحرز على صعيد تعزيز إطار إدارة السيولة المحلية، واستمرار الجهود المبذولة للتّخلص من فائض السيولة، وتطوير سوق التداول ما بين المصارف بهدف تعزيز عملية انتقال أثر السياسة النقدية.

العراق شهد انقطاعًا تنمويًا بسبب الحروب والحصار والاحتلال وعمليات مواجهة الإرهاب

وأشار الصندوق إلى انخفاض التضخم من ذروته وأن يستقر في الأشهر المقبلة بمساعدة السياسة النقدية المتشددة للبنك المركزي العراقي، وانخفاض أسعار المواد الغذائية الدولية، وتطبيع تمويل التجارة مع تحسن الامتثال للإطار الجديد لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، ومن ناحية أخرى، أن ضمان الاستدامة المالية، في سياق التوقعات غير المؤكدة لأسعار النفط، يتطلب تشديد موقف السياسة المالية تدريجيًا مع حماية البنية التحتية الحيوية واحتياجات الإنفاق الاجتماعي، وسيتطلب ذلك تعبئة إيرادات إضافية غير نفطية، واحتواء فاتورة الأجور الحكومية الكبيرة، وإصلاح نظام التقاعد.

إنّ حجم التحديات يتطلب خططًا متكاملة تستهدف تحقيق النهضة الشاملة، اذ إنّ العراق شهد انقطاعًا تنمويًا بسبب الحروب والحصار والاحتلال وعمليات مواجهة الإرهاب، وهو ما جعل الحكومة تعمل على إعادة التنمية إلى مسارها الصحيح، بما في ذلك رفع وتيرة تنفيذ المشاريع الموجودة، إذ إنّ الحكومة أولت اهتمامًا بالمشاريع الاستراتيجية التي تنسجم مع رؤية التنمية المستدامة 2030، ومن بينها مشاريع البنى التحية، والطاقة النظيفة، وطريق التنمية، وميناء الفاو وغيرها وتوفير أفضل الظروف لتحقيق أهداف الخطة الخمسية من قبل الجهات المعنية بتنفيذها.

وتظلّ الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحفيز التنوُّع الاقتصادي واستحداث فرص العمل بقيادة القطاع الخاص، عوامل مهمة في تحقيق النمو المستدام والشمولي، وتتضمن الأولويات على هذا الصعيد، إيجاد فرص متكافئة للقطاع الخاص من خلال إجراء إصلاحات في العمل المصرفي وفي قطاع الكهرباء، وتقليص التّشوُّهات في سوق العمل، والاستمرار في بذل الجهود الرامية إلى تعزيز الحوكمة والحد من انتشار الفساد، كما إن التوسع المالي الكبير للعراق في قانون الموازنة لثلاث سنوات، يشكّل مخاطر كبيرة على الاستدامة المالية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن