صحافة

سموتريتش.. المحتل لا يتعلّم أبدًا

عماد الدين حسين

المشاركة
سموتريتش.. المحتل لا يتعلّم أبدًا

يوم الخميس الماضي تبجح المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلية، وأحد أهم أركان حكومة بنيامين نتنياهو قائلا: إن «إسرائيل ستعمل على إقامة سورٍ فاصلٍ بين قطاع غزة ومصر في منطقة رفح لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة، وأن هذا السور الفاصل سيوقف ضخ الأكسجين في شرايين ما أسماهم بالإرهابيين».

ليس غريبًا على سموتريتش ترديد الأكاذيب واعتناق الأوهام، فمن يحل لنفسه سرقة وطن بأكمله، لن يكون غريبا عليه التفكير في إقامة سور عازل بين غزة الفلسطينية وسيناء المصرية!.

ومن يطالع تصريحات سموتريتش وغيره من المسؤولين والإعلاميين الإسرائيليين سيدرك فورًا أن هؤلاء لم يقرأوا التاريخ البعيد أو القريب أو حتى جوهر ما حدث يوم 7 أكتوير، حتى يدركوا أن كل الأسوار والمناطق العازلة لا تمنع شعبًا محتلاً من المقاومة لنيل حريته.

لماذا لم يسأل سموتريتش كبار الجنرالات والسياسيين الإسرائيليين عن فشل الأسوار الفاصلة والمناطق العازلة؟

قبل عملية «طوفان الأقصى» قبل حوالى 80 يوما كانت إسرائيل تتباهى بأنها أنشأت سورًا فاصلاً مزودًا بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا لمنع تسلل أي فلسطيني إلى ما يسمى بمستوطنات غلاف غزة، وأن هذا السور مزود بأجهزة تستطيع اكتشاف أي متسلل وإطلاق النار عليه بصورة آلية، وأنه يستحيل على أي شخص أو تنظيم اختراق هذا السور الذي تكلف أكثر من مليار دولار.

والذي حدث في السادسة والثلث من صباح 7 أكتوبر الماضي هو أن المقاومين الفلسطينيين تمكنوا بأدوات بسيطة بل وبدائية من تعطيل هذا السور واختراقه بسهولة شديدة جدًا، بل ورأيناهم يطيرون على ارتفاع منخفضة في مناطيد هوائية، ويدخلون مستوطنات غزة عبر الأنفاق، وعلى الموتوسيكلات الصينية عائدين إلى القطاع بالأسرى الإسرائيليين.

لو أن المسؤولين الإسرائيليين لديهم الحد الأدنى من الفهم لتوصلوا يومها إلى قناعة واضحة بأن الأسوار مهما كانت محصنة وقوية، فإنها لا تمنع شعبًا أراد الحياة ورفض الذل والاستكانة والخضوع من المقاومة وتجاوز الأسوار.

لكن سموتريتش وإيتمار بن غفير ومعهم بنيامين نتنياهو وسائر عصابة المتطرفين العنصريين تجاهلوا كل ذلك، وبدلا من استيعاب الدرس قرروا الهرب إلى الأمام وتدمير غزة، ومحاولة تكرار نفس التجربة على الحدود بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.

لو أن هؤلاء المتطرفين سألوا كبار جنرالاتهم وسياسييهم عن جدوى المناطق العازلة، فلربما وفروا الوقت والجهد والمال، وبحثوا في جذور المشكلة، بدلاً من فروعها.

حينما اجتاحت إسرائيل الأراضى اللبنانية في المرة الأولى عام ١٩٧٨، ثم في المرة الثانية عام ١٩٨٢، أقامت منطقة عازلة في الأراضى اللبنانية، ونصبت ضابطا لبنانيا برتبة رائد وهو سعد حداد مسؤولا عن هذه المنطقة، ووقتها أعلن قيام دولة «لبنان الحر» في ١٩ أبريل ١٩٧٩ متمردًا على الشرعية اللبنانية، هذا الضابط العميل كان له دور بارز في مذبحة صبرا وشاتيلا بحق الفلسطينيين عام ١٩٨٢. هو توفي متأثرًا بمرض السرطان ولعنات غالبية شعبه والشعوب العربية عام ١٩٨٤.

وخلفه في نفس المنصب الضابط الخائن «أنطوان لحد»، وظل «لحد» يمارس مهنة الخيانة، وتعرض لمحاولة اغتيال من المناضلة سهى بشارة عام ١٩٨٨، ودخل المستشفى وقضى فيه فترة طويلة. وفي النهاية تمكن المقاومون اللبنانيون من تحرير الجنوب، وإجبار الإسرائيليين على الانسحاب عام 2000، وفر معهم «لحد» وبعض أنصاره.

جيشه المتمرد تفكك، وأقام مطعما في تل أبيب وأفلس، وعاملته إسرائيل معاملة الخائن واشتكى للإعلام الإسرائيلي من تخلي إسرائيل عنه، وتوفي في باريس في سبتمبر ٢٠١٥، مطاردًا باللعنات وأحكام غيابية لبنانية بالسجن المؤبد.

إذا كانت المناطق العازلة قد فشلت مع لبنان أكثر من مرة وانهارت تحت ضربات المقاومة اللبنانية، وإذا كان السور التكنولوجي على حدود غزة والمستوطنات قد انهار في لمح البصر، فما الذي يجعل إسرائيل واثقة أن السور بين رفح المصرية والفلسطينية سوف ينجح، ومن الذي أقنع إسرائيل أنها يمكنها التواجد في هذه المنطقة التي يفترض ألا يتواجد فيها أي قوة أخرى بخلاف المصريين والفلسطينيين؟!

على إسرائيل أن تفيق من أوهامها بدلا من تكرار الأخطاء القاتلة.

سوف يرحل سموتريتش وبقية العصابة المتطرفة إلى المكان الذي يستحقونه، ويبقى الشعب الفلسطيني على أرضه في قطاع غزة متواصلاً مع مصر وكل العرب.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن