وقبلها، تحديدًا في 25 أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، قتلت غارة جوية إسرائيلية، عددًا من أفراد عائلة الدحدوح، كانوا متواجدين في منزل نزحوا إليه في مخيم النصيرات (وسط القطاع)، بمن فيهم زوجته وابنه وابنته وحفيده، فيما كان في بث مباشر على الهواء... ورأينا الدحدوح في المقابل بقي متمسكًا بنقل الأحداث وتغطيتها، متحديًا الألم والاحتلال.
هذا نموذج واحد فقط، لما يتعرّض له الصحافيون الفلسطينيون يوميًا منذ بدء العدوان على غزّة، فهم مستهدفون ومهددون بالاغتيال والإعتقال وبخسارة عائلاتهم وأحبابهم وزملائهم، وأيضًا بتدمير منازلهم والأماكن التي شكّلت ذكرياتهم.
مؤمن الشرافي، صحافي فلسطيني، استشهد 22 فردًا من عائلته في قصف إسرائيلي على قطاع غزّة، من بينهم والده ووالدته، فيما قتلت إسرائيل أربعة من أبناء الصحافي الفلسطيني والمصور المتعاون مع وكالة "الأناضول"، محمد العالول في غارة على مخيم المغازي، وسط القطاع.
تاريخيًا، لم يكترث الإحتلال لتبرير إجرامه بحق الصحافيين، ولم يعلّله حتى بأنه "خطأ غير مقصود"، بل صار فعلًا ممنهجًا ومقصودًا في أدائه، وقد بدا ذلك واضحًا، منذ ما قبل اغتيال الصحافية شرين أبو عاقلة حتى اليوم، في سياق تتعمد فيه القوات الإسرائيلية قتل الصحافيين أو اعتقالهم وضربهم وإهانتهم كما حصل في الآونة الأخيرة مع مراسل "العربي الجديد" ضياء الكحلوت في بيت لاهيا شمالي قطاع غزّة، حين اعتقلته مع مدنيين آخرين، وظهروا في شريط فيديو معصوبي الأعين، مكبّلي اليدين، وشبه عُراة.
هذه الكراهية الإسرائيلية الممارسة، لا تقتصر على الصحافيين الفلسطينيين فقط وإنما تتعداها إلى كل من نقل خبرًا وساهم في إظهار حقيقة المحتل إلى العلن، فقد بات معلومًا، وفق نتائج خلُصت إليها تحقيقات منظمة العفو الدوليّة ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" ووكالة الأنباء الفرنسيّة "أ ف ب" ووكالة "رويترز"، نشرت في 7 كانون الأوّل/ ديسمبر، أن دبّابة إسرائيلية قتلت الصحافي اللبناني لدى وكالة رويترز، عصام عبد الله في علما الشعب، جنوب لبنان، أثناء تغطيته الإشتباكات الدائرة بين حزب الله اللبناني وقوّات الاحتلال الإسرائيلي في 13 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وقد أطلق الإحتلال قذيفتين تفصل بينهما 37 ثانية، تعمّدتا استهداف الصحافيّين وقتذاك، كما جرح ستة آخرين، من بينهم مصورة وكالة الصحافة الفرنسية، اللبنانية كريستينا عاصي، التي طالتها إصابات بالغة نجم عنها بتر ساقها.
ووفق اخر الإحصاءات الرسمية، ارتفع عدد الصحافيين الذين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي، خلال حربه الراهنة على قطاع غزّة إلى أكثر من 90 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي.
مجموع هذا الواقع، يحملنا للتساؤل حول مدى إمكانية، أن يكون الصحافي محايدًا ومراعيًا لحساسية النزاع في فلسطين، كما في الدول العربية الأخرى، حيث يزخر معظمها، بالنزاعات على خلفيات سياسية وطائفية ومذهبية واجتماعية واقتصادية وغيرها الكثير من النزاعات المختلفة، إذ يواجه الصحافيون صعوبة في تغطية الأحداث بشكل يجعلها مراعية لحساسيات النزاع وخطاب الكراهية، وأحيانًا كثيرة، يقعون في فخ اللغط بين حرية الرأي وخطاب الكراهية الذي يؤجج النزاعات أكثر.
من هنا، كان مهمًا، طرح تساؤلات مختلفة، مثل، كيفية تحليل النزاع وتصوّره وتحليل أسبابه وآثاره لأخذها في الاعتبار عند التغطية التي يقوم بها الصحافي، وكذلك التنبه للمشاكل الظاهرة والأسباب الفعلية للنزاع وانعكاسات النزاع على كافة الأطراف، ومن ثمّ التعرف أكثر على أشكال خطاب الكراهية وكيفية تأكدنا من أن "خطابًا ما" ينطوي على "كراهية ما".
بدايةً يتفق الجميع على أن هناك خيطًا رفيعًا يفصل بين حرية الرأي وخطاب الكراهية، ولا يوجد تعريف محدّد له، لكن إذا ما أردنا التحدث عنه ببساطة، فيمكن القول بأنه خطاب ينطوي على أي شكل من أشكال التعبير (فيديو، صور، تصريحات، منشورات وشعارات...) قد يطال هوية فرد، شكله، دينه، خلفياته الاقتصادية أو حالته الصحية، بهدف إثارة العواطف والتحقير أو الإهانة والتحريض، ومن شأنه أن يكرّس التعصب وإثارة الفتن والتوتر..
ولأنه أمر لا زال مبهمًا لدى عدد من الصحافيين، نظّمت وكالة "فرانس برس" - AFP بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبتمويل من الحكومة الألمانية عبر البنك الألماني للتنمية، ورشة تدريب على "التغطية المراعية لحساسيّة النزاعات وخطاب الكراهية"، يومي الإثنين والثلاثاء 18-19 كانون الأوّل/ ديسمبر، في بيروت، جمع 20 صحافية وصحافيًا، يعملون في مؤسسات مرئية ومكتوبة ومسموعة وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
هذه الورشة التي شاركت فيها منصة "عروبة 22"، تخللها طرح مواضيع عديدة في جلسات منفصلة، من بينها مسائل مرتبطة بالإعلام والنزاعات، لناحية المعايير الرئيسية الواجب توافرها في التغطية المراعية لحساسية النزاع، والمعرفة في اختيار المصطلحات المستخدمة، وفهم النزاع وتأثيراته غير المساهمة تأجيجه، وسبل التعاطي مع خطاب الكراهية، وأبرز التحديات التي يواجهها الصحافيون. علمًا أن دورات ورشة التدريب كانت مقسّمة على 3 مجموعات، كل منها تضمّ 20 صحافية وصحافيًا، كمرحلة أولى ستليها خلال الفترة الزمنية القربية، مرحلة ثانية مكمّلة للتدريب، تحت عنوان "تقصي صحة الأخبار".
وحسبما أوضحت منسقة الورشة في "فرانس برس"، جويس حنا لـ"عروبة 22" فإنّ "الهدف من هذا التدريب نشر ثقافة مراعية لحساسية النزاعات وخاصة حساسية المناطق، إنطلاقًا من الدور الذي يلعبه الصحافيون والصحافيات في حل النزاعات وكذلك في إمكانية نشر ثقافة السلام عبرهم".
(خاص "عروبة 22")