قبل أسابيع، لم يتردّد الرئيس الأميركي جو بايدن في توجيه الدعوة العلنية لنتنياهو من أجل إجراء تغيير حكومي، مصوّبًا سهامه باتجاه "الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، على الرغم من الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة لتل أبيب في عدوانها المستمر على قطاع غزة. أما الأسباب التي تقف وراء ذلك، فهي تتركّز حول إيجاد واشنطن صعوبة في التوصّل إلى حلول عملية للصراع في ظل المواقف المتطرفة لبعض وزراء الحكومة الإسرائيلية القائمة.
في المقابل، يبدو جليًا أنّ رئيس وزراء الإحتلال يرى أنّ أي خطوة تهدّد الإئتلاف الحكومي، ستشكّل تهديدًا لموقعه في المعادلة السياسية الداخلية، خصوصاً وأن الأطراف الإسرائيلية الأخرى، باتت تجاهر في وجوب تنحيه عن السلطة، الأمر الذي دفع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إلى التأكيد جازمًا بأنّ نتنياهو "لن يبقى في رئاسة الحكومة خلال عام 2024".
وبالعودة إلى الصراع المحتدم بين المحورين المذكورين أعلاه، فقد شهد توترًا متصاعدًا الأسبوع الماضي بعد أن رفض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس (المحسوبان على الجانب الأميركي)، حضور مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء، بسبب عدم وجود نقاش حول "اليوم التالي" لوقف الحرب، بينما كان نتنياهو قد تدخل لمنع عقد إجتماع عاجل، بين غالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي ورئيسي "الموساد" دافيد برنياع وجهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، بشأن العمليات العسكرية والحرب مع "حماس"، كما تدخل أيضًا، من أجل منع لقاء بين وزير الدفاع ومدير "الموساد"، كان من المفترض أن يتناول مناقشات بشأن "اليوم التالي" للحرب على غزّة.
وهذا الواقع، كان قد تفجر، الخميس الفائت، إثر الكشف عن إتهام غالانت لنتنياهو بأنه "يلحق الضرر بأمن إسرائيل"، بينما كان اجتماع المجلس الوزاري المصغر قد انتهى عقب خلافات حادة بين رئيس الأركان وعدد من الوزراء، على خلفية تشكيل فريق للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما دفع رئيس وزراء الإحتلال إلى فضّ الاجتماع الذي كان مقررًا عقده لبحث مرحلة ما بعد الحرب.
أما بالنسبة إلى الضغوط المتعلقة بحلفاء رئيس وزراء الإحتلال من اليمين المتطرّف، فإنّ الأنظار تتجه بشكل أساس إلى حزبي "الصهيونية الدينية" بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، و"القوة اليهودية" بزعامة بن غفير، بعد أن كانا قد أعلنا رفضهما مناقشة "اليوم التالي" لوقف الحرب، بذريعة عدم إختصاص مجلس الحرب، مع العلم أنهما ليسا عضوان في هذا المجلس، وسبق لهما أن هددا، في أكثر من مناسبة، بالانسحاب من الحكومة وتفكيكها، في حال تم وقف الحرب على غزّة قبل القضاء على "حماس" وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
بالتزامن، كان سموتريتش قد بادر إلى مهاجمة خطة وزير الدفاع لـ"اليوم التالي"، حيث رأى أنّ هذا البرنامج هو "إعادة بثّ لليوم السابق في 7 أكتوبر/تشرين الأول"، معتبرًا أنّ "الحل في غزّة يتطلب التفكير خارج الصندوق، وتغيير المفهوم، من خلال تشجيع الهجرة الطوعية والسيطرة الأمنية الكاملة، بما في ذلك تجديد الاستيطان".
في هذا الإطار، كانت الأيام الأخيرة التي سبقت عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، قد شهدت عودة الحديث عن إمكانية الوصول إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى، بالتزامن مع جولة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في المنطقة، حيث من المقرر أن يتركز البحث خلالها في مستقبل الأوضاع في غزّة. إلا أن سموتريتش وبن غفير قررا، على ما يبدو، أن يستبقا ذلك بمواقف من المرجح أن تقود إلى تعقيد المسألة أكثر، فأعلنا دعمهما لـ"التهجير الطوعي للفلسطينيين" من القطاع، بالرغم من معارضة واشنطن والعديد من الجهات العربية والإقليمية لهذا التوجه.
هذا الخلاف لا ينفصل عن سلة الخلافات الإسرائيلية الداخلية الأخرى، والتي كان قد برز منها في بداية العدوان على غزّة، سعي نتنياهو إلى رمي كرة المسؤولية عما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول على المؤسسات العسكرية والأمنية، قبل أن يتراجع مقدمًا إعتذاره. أما الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، فهي نفسها التي تدفعه إلى المخاطرة بمستقبل مجلس الحرب من أجل الإبقاء على إئتلافه الحكومي، أي مستقبله السياسي، الذي بات من الواضح أنه يعتمد على نتيجة الحرب في غزّة.
وفي هذا المجال، يبرز الخلاف مع هرتسي هاليفي، الذي ظهر بعد الكشف عن أنّ حراس مكتب رئيس الوزراء طلبوا تفتيشه، لدى دخوله مكتب الحرب بحثًا عن جهاز تسجيل، ما دفع رئيس الأركان إلى تجنّب حضور جلسات الحكومة، لأنه يعلم أنّ هناك "فخًا" ينتظره، لا سيما وأنه تعرض مؤخرًا إلى إهانات وانتقادات لإذاعة من بعض الوزراء بلغت حدّ الإهانات والصراخ على خلفية أداء الجيش في الحرب على غزّة، وصولًا إلى ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن عزم نتنياهو "التقدّم بقانون من شأنه أن يُجبر المسؤولين الذين يحضرون مناقشات بشأن قضايا الأمن القومي للخضوع إلى فحص من أجهزة كشف الكذب".
حتى الساعة، لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في وارد التضحية بالإئتلاف الحكومي، خصوصاً أنه يدرك أن كلفة التخلي عن الإئتلاف القائم في المجلس الحربي عليه ستكون أقل من تلك التي قد تترتب عن التخلي عن الإئتلاف الحكومي، إلا إذا حصل على ضمانات من نوع آخر... قد تكون الولايات المتحدة هي الأقدر على تقديمها له!.
(خاص "عروبة 22")