صحافة

زيارة بلينكن.. وآفاق ما بعد حرب غزّة

محمد حجازي

المشاركة
زيارة بلينكن.. وآفاق ما بعد حرب غزّة

تأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرابعة، خلال ثلاثة أشهر إلى المنطقة، في توقيت حاسم وخطير، فهي تمثل طوق النجاة الأخير لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل معًا، لمنع اندلاع صراع إقليمي بالشرق الأوسط وخفض التوتر وطرح رؤية لما بعد غزة، وتدفع بالتحرك باتجاه مشهد سياسي يفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإدارة القطاع وفقا لرؤية فلسطينية موحدة مع الضفة الغربية، وإعادة الأعمار بالقطاع والسير باتجاه آلية سياسية تقود لحل الدولتين وهي الرؤية التي طرحتها مصر على الأطراف ومتداولة حاليا.

والزيارة، بما أشرنا له من أفكار، تحمل في طياتها الأمل الوحيد لانتشال إسرائيل والمشهد برمته من هذا المسار المدمر وغير الاخلاقي والذي يثقل الرأي العام العالمي ويعيد الرشد تدريجيا للحكومات الغربية المتواطئة، بل قد تكون مدخلا يسهم في إنجاح حملة الرئيس الأمريكي بايدن الرئاسية، والذي عليه أن يدرك أنه إذا أسهم - كما فعل الرئيس السابق جيمى كارتر في التوصل لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية - سيكون هذا هو الرصيد الوحيد الباقي له سواء داخليًا أو خارجياً لنيل الثقة الدولية، بدلا من بقائه في هذه المساحة المهينة لدور ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، التي قاد فيها مشهد الحرب لكل هذا الدمار والقتل والتواطؤ مع إسرائيل.

لقد أعطت واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كل ما يحتاجه من وقت ودعم عسكري ومالي، وإسناد دبلوماسي، وحشد الدول الأوروبية وراء الموقف الإسرائيلي، إلا أنه لم ينجح في تحقيق الأهداف التي كان مقدراً فشلها منذ البداية سواء فيما يتعلق بالإفراج العسكري عن الرهائن أو القضاء على المقاومة بقطاع غزة.

والمؤكد أن الولايات المتحدة تعلم أن مصالحها الإستراتيجية باتت مهددة بالمنطقة، وأن جولة بلينكن الشرق أوسطية تستهدف طرح رؤية تقود إلى التهدئة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى المتبقين وتهيئة الأجواء لحكومة ما بعد المعارك، وبحث مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، والأهم إفشال مخطط التهجير القسري أو الطوعي.

وعلينا ان ننتبه لحقيقة أن نتنياهو يستدرج المشهد لمزيد من التعقيد وتوسيع نطاق الحرب خاصة انه يعلم أن أمره ينتهي في اليوم التالي لانتهاء الحرب، لما ينتظره من مساءلات قانونية سواء على جرائمه الداخلية، او دوليا لمقاضاته وغيره من المسؤولين أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تكتمل أركان جريمة الإبادة الجماعية كاملة، وسط تغاضي دولي مقزز من الحكومات الغربية التي خانت مبادئ حقوق الإنسان التي يجب ألا نسمح لهم بعد الآن بالتشدق بها. وينتظر عقد محكمة العدل الدولية بلاهاي جلسات استماع في 11 و12 يناير بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بسبب «أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني» لا سيما أن المذابح الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء في غزة قد تم تصويرها وتوثيقها من قبل أطراف عديدة وشاهدها العالم أجمع بفضل تطور وسائل الاتصال الحديثة.

هذا الفشل العسكري في القضاء على المقاومة والإفراج عن الأسرى والرهائن أدى إلى حالة الاضطراب التي تعيشها حكومة الحرب الإسرائيلية ومحاولة أعضائها إلقاء اللوم على بعضهم البعض، ما يوحي بقرب انهيار الموقف الداخلي في إسرائيل تحت وطأة عدم تحقيق الأهداف العسكرية ووسط حالة الانقسام وتبادل الاتهامات التي أظهرت الانقسامات، مستشهداً في هذا الصدد بتحذير رئيس الاستخبارات الأسرائيلي هرتسي هاليفي من عدم الزج بالأهداف السياسية في المعركة العسكرية؛ وكذلك والأخطر محاولة نتنياهو إطالة أمد الصراع، مع استدراج المجتمع الدولي لمشهد قد تتسع فيه دائرة المواجهة من لبنان إلى البحر الأحمر، الأمر الذي يهدد الملاحة الدولية والتجارة العالمية واليمن وربما إيران .

ولا يمكننا اغفال الضغوط الاقتصادية المؤثرة، بسبب استمرار الحرب، والذي لا يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي؛ لذا آن الأوان لدفع الحكومة الإسرائيلية لمشهد أكثر عقلانية لا سيما أن الوضع الإقليمي بات مهيأ للانفجار بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ببيروت، ما يؤهل الشرق الأوسط لمزيد من التوتر، بالإضافة لحالة المواجهة المكشوفة ضد حزب الله وعمليات التفجير في إيران التي سيكون لها توابع غير محمودة على المنطقة.

وسوف تواصل مصر سعيها الجاد من خلال مجموعة الأفكار التي طرحت على الجانبين إلى وقف إطلاق النار في هدنة مستدامة وتنتقل من خلال الحوار بين الفصائل الفلسطينية إلى إدارة فلسطينية مشتركة للضفة والقطاع تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية بتراض مع باقى الفصائل، للتفرغ أولا لمواجهة الكارثة الإنسانية المستمرة وبدء جهود إعادة الإعمار وتضميد الجروح العديدة ورعاية أبناء القطاع، على أن يترك موقف سلاح المقاومة لحين التوصل لحل نهائي، فإذا ما صدقت نوايا حل الدولتين فالتعامل مع هذا الملف سيكون ممكنا، وتتصدر الإدارة الفلسطينية الموحدة المشهد السياسي البناء وتبقى المقاومة رصيدا للدولة الفلسطينية ولكن يجب ان يتصدى السياسيون لأعباء وتحديات هذه المرحلة.

واختتم بالتنبيه إلى مخططات إسرائيل للتهجير القسري للفلسطينيين والتي باءت بالفشل، بفضل الإرادة الفلسطينية وموقف مصر الصارم وتحركاتها إزاء هذا المخطط... نحن أمام فرصة للخروج من عبثية المشهد الحالي الذي لا يخدم احدا ولا يحقق أهداف احد ويزيد الانقسام الدولي ويكشف ضعف مؤسسات الأمم المتحدة وعجزها والأخطر انه يترك جريمة مستمرة ترتكب دون عقاب ما يفتح الباب أمام عصر دولي من الفوضى وتتحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية كبرى ولعل في زيارة بلينكن ما يسهم في إصلاحها.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن