ثقافة

تأخّر تصنيف الجامعات العربية في العالم.. سياقات وأسباب وحلول

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

تحضر جامعات عربية في التصنيفات الدولية لأفضل المؤسّسات الجامعية في العالم، إلّا أنّها لا تتبوأ المراتب الأولى مثل نظيراتها في الدول الغربية، بالصيغة التي كشفت عنها أحدث هذه التصنيفات، والصادرة عن مؤسّسة "كيو إس" (QS) البريطانية، والتي أوردت 14 جامعة عربية ضمن قائمة أفضل 500 جامعة بالعالم لسنة 2024.

تأخّر تصنيف الجامعات العربية في العالم.. سياقات وأسباب وحلول

وأورد التصنيف المذكور أنّ جامعة الملك عبد العزيز حلّت في المركز 143 عالميًا، تتبعها جامعة قطر التي حلّت في المرتبة 173 عالميًا، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المركز 180 عالميًا، وجامعة الملك سعود في المرتبة 203، ثم الجامعة الأمريكية في بيروت في المركز 226.

ولفهم سياقات وأسباب عدم تواجد الجامعات العربية ضمن المراتب الأولى عالميًا، أوضح الخبير في شؤون التربية والتعليم، الدكتور رشيد شاكري، لمنصة "عروبة 22" وجوب النظر إلى تصنيف الجامعات الذي تصدره مراكز ومؤسّسات متخصصة في المجال، "وِفق مقاربتين متكاملتين: المقاربة الأولى، تفيد أنّ التصنيف يضع جامعاتنا العربية أمام مرآة تعكس مكانتها العلمية مقارنةً بباقي الجامعات العالمية، وتدعونا إلى الوقوف على مواطن الضعف والقوة، وتحفّزنا على تطوير منظومتنا التربوية، ومنها مؤسّسات التعليم العالي، وفق متطلبات الجودة الشاملة، بينما المقاربة الثانية تتمثّل في ضرورة وضع مسافة للتأمّل والتفكير في نتائج هذه التصنيفات، وعدم تبنيها دون تمحيص، بحكم اختلاف أهدافها وتباين المعايير التي تعتمدها، وانتماء معظمها إلى بيئات تختلف كلية عن البيئة العربية وخصائصها". وانطلاقًا من أنّ الترتيب الذي تحتله المؤسّسات الجامعية في التصنيفات الدولية لا تبعث على الارتياح، لا سيما وأنّ 14 مؤسّسة جامعية عربية تنتمي إلى قائمة أفضل 500 جامعة على المستوى الدولي وتغيب جميعها عن مقدمة التصنيف"، يشدد شاكري على أنّ "هذه المؤشرات تستلزم إعادة النظر في فلسفة التعليم الجامعي بالدول العربية".

عوامل التأخّر

وجوابًا على سؤال العوامل التي تُسهم في تأخّر تصنيف الجامعات العربية على المستوى الدولي، أفاد الخبير التربوي نفسه بأنه يمكن تلخيص بعضها في العديد من النقط والدوافع، أولها تأخّر في اعتماد أغلب الجامعات العربية (وبالخصوص في الدول الفرنكوفونية) على اللغة الإنجليزية كلغة للتدريس، بحكم أنّها اللغة العالمية للبحث العلمي وللتواصل الأكاديمي، وهو ما يُعدّ تحديًا كبيرًا في وجه الطلبة الذين يلجون الجامعة العربية، وأيضًا لهيئة التدريس في مجال نشر الأبحاث المصنفة.

والعامل الثاني هو ضعف إضفاء البُعد الدولي في سياسة الجامعات العربية، حيث تعجز الجامعات العربية على استقطاب طلبة ــ بما في ذلك المتميّزون والعباقرة ــ من ثقافات مختلفة بنسب كبيرة، أو باحثين مميّزين من جامعات دولية أخرى باستثناء بعض الجامعات الخليجية".

أما العامل الثالث فيتمحور حول المساهمة المحتشمة في البحث العلمي الرصين، مقارنةً بما يُنتج عالميًا، في غياب بيئة جامعية محفّزة على البحث الأكاديمي، واقتصار الأمر بمعظمه على المبادرات الفردية لهيئة التدريس، وضعف الميزانية المخصصة لهذا الجانب، مما يعيق نشر أبحاث ذات جودة عالية.

والسبب الرابع، وفق الخبير المغربي، ضعف استثمار التكنولوجيات الحديثة في التعليم العالي، ويتجلّى ذلك بوضوح في المحتوى العلمي المفتوح، المنشور في مواقع الجامعات العربية، وفي تدبير المؤسسات رقميًا، وفي المشاريع العلمية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ليخلص إلى القول: "إذا كان الهدف من المؤسّسات الجامعية هو التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، فإنّنا في حاجة إلى تكريس التعاون والشراكة بين الجامعات العربية، وخلق الجسور بينها من خلال تبادل الخبرات والأطر المتميزة، والبحث العلمي المشترك، وفتح فروع للجامعات العربية الرائدة في باقي الدول العربية، وأخيرًا العمل على إعداد تصنيف تستجيب معاييره للخصوصية العربية، ليكون أكثر إنصافًا في ترتيب المؤسسات الجامعية العربية".

معايير التصنيف

ومن جهته، يشير الباحث في شؤون منظومة التربية والتكوين، المحجوب ادريوش، في حديثه لمنصة "عروبة 22"، إلى أنّ "غياب الجامعات العربية عن مراكز متقدمة في التصنيفات الدولية المعتمدة أصبح ظاهرة شبه معتادة، باستثناء بعض جامعات دول الخليج ومصر، بحيث هناك تحسّن ضئيل احتفى به كثيرون لكنه لا زال بعيدًا عن منافسة الجامعات المرموقة".

وعزا ادريوش المكانة التي تحتلها الجامعات العربية إلى مسببات ذاتية وأخرى موضوعية، "فهناك جامعات لم تستوعب بعض معايير التصنيف أو لم تقدر على اعتمادها، مثل النشر في الدوريات والمجلات المحكمة والعلمية، وعدد مرات الاستشهادات والاقتباسات التي تمت فيها الإشارة إلى أبحاث صادرة عن الجامعة أوعن أساتذة يعملون بها، وكذا عدد الأساتذة الذين يعملون في جامعة ما، وحصلوا على جوائز عالمية كجائزة نوبل، وسام فيلدز، جائزة آبيل وغيرها من الجوائز، وهو ما يكاد ينعدم في الجامعات العربية باستثناء تجارب خليجية، حيث بدأت الجامعات تستفيد من تجارب الجامعات المرموقة وتحاول استنساخ بعض مناحيها".

ويستطرد بالقول: "هناك أيضًا التداخل بين المجال السياسي والمجال العلمي الأكاديمي خاصة في اتخاذ القرارات، سواء من حيث العرض التربوي أو من حيث التعيين في مختلف مناصب المسؤولية، ثم هناك شحّ بمصادر التمويل غير تلك المرصودة من طرف الحكومات، وكذا ضعف الميزانية المخصصة للبحث العلمي، وأيضًا تقييد الحرية الأكاديمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ثم اختزال التعليم العالي في منطق المقاولات وربطه مباشرة وميكانيكيًا بسوق الشغل".

خطوات وحلول

ولكي تستطيع الجامعات العربية خوض المنافسة على مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية المعتمدة، يرى ادريوش أنّه "يلزم أولًا فرز وإبعاد التسييس والسياسة عن العمل الأكاديمي والبحث العلمي والجامعي، خصوصًا مسألة السلطة داخل الجامعات العربية وما يتعلق بتسييس القرارات سواء بمجال الحوكمة، أو من خلال إسناد مناصب المسؤولية والتعيين فيها، وكذا مراقبة عمل الأساتذة، وكبح الإبداع والبحث العلمي وتقييدهم بمعايير ضيقة تنحصر في البحث من أجل الترقية والجانب المادي فقط".

ويضيف: "لا بدّ أيضًا من مساهمة الرأسمال الوطني في الرقي بالتعليم العالي انطلاقًا من تمويله للبحث العلمي لإنتاج تكنولوجيات محلية وإقليمية بدل الاعتماد على استيرادها من طرف أرباب القطاع الخاص أنفسهم، إذ لا يمكن النهوض بالجامعة في الوطن العربي إلّا بجعل البحث العلمي قاطرة للتنمية في أبعادها المختلفة ومساهمة الشريك والفاعل العلمي والأكاديمي في تحديد المطالب والأهداف المتوخاة وإعادة الاعتبار للجامعة والجامعي في المجتمع العربي، فلا يمكن أن تكون عندنا جامعات متقدّمة في إطار وضع اجتماعي جامد يشهد غياب تفاعل حقيقي بين كل مؤسسات المجتمع".

الاقتصاد المعرفي

كما يشير الباحث نفسه على "وجوب الانخراط فيما يمكن تسميته بالاقتصاد المعرفي وعدم حصر مهمة ووظيفة الجامعة في المساهمة في الربح السريع للمقاولة بمجاراة الجانب الاقتصادي فقط، بل الربط بينها وبين إنتاج المعرفة وتوظيفها للوصول إلى ما يمكن تسميته بـ"المقاولة المواطنة"، أي أن تساير الجامعة التغيّرات السريعة ونتائج التقنية، بإيجابياتها وسلبياتها، تربويًا بتنويع العرض التربوي ومسايرته للتطور الهائل في مجال التقنية من أجل بناء الإنسان بمخرجات يمكن أن تتلاءم مع المطلوب في سوق الشغل، مهنياً وماديًا وأكاديميًا على أرضية دعم البحث العلمي".

وفي هذا المجال، يشدّد على أنّه "يتعيّن على الدول العربية أن تبتعد عن التفكير في التعليم العالي من زاويتين فقط: الأولى ديموغرافية من حيث كونه يلبي حاجيات البلاد من الأطباء والمهندسين والأساتذة، وزاوية ثانية تتعلق بالنظرة الخاطئة المتصلة بالكلفة التي تخصّص له"، وخلُص إلى القول: "إذا أردنا جامعات عربية تنافس الجامعات المرموقة، لا بد للفاعلين من مختلف المشارب، خصوصًا من جانب صانعي القرار والمشاركين فيه، من الجواب عن أربعة أسئلة سبق أن طرحها الفيلسوف بول ريكور على هامش اشتغاله على مستقبل الجامعة: السؤال الديموغرافي: الجامعة لأجل من؟ بمعنى ما هي موصفات الطالب في المستقبل؟ وسؤال الغايات: ما الذي يتعين فعله؟ بمعنى الجامعة لأيّ غاية؟، وسؤال التدبير: من الذي سيقوم بعملية التدبير؟ ثم السؤال عن سياسة الجامعة".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن