وجهات نظر

صراع لاهاي: "الأبارتايد" الإسرائيلي وحق الدولة الفلسطينية في الوجود

حرب عالمية ثالثة قانونية، ساحتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، ومحورها المادة التاسعة من ميثاق الأمم المتحدة، فيما يتعلق بآلية عمل "العدل" و"الجنائية" الدوليتين، لمقاضاة إسرائيل على جرائمها، لا سيما أنّ قرارات المحكمتين تؤثّر على بعضهما.

صراع لاهاي:

تنصّ المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها على أنه "تُعرض على محكمة العدل الدولية بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، التي تعاقب على أفعال الابادة الجماعية أو التآمر على ارتكابها أو التحريض المباشر أو العلني، ومحاولة ارتكابها أو الاشتراك فيها".

ارتباك قانوني في أروقة المحكمة، يصيب إسرائيل التي استنزفت كل طاقتها العدوانية في قتل المدنيين من نساء وأطفال ومسنّين، وفي جرائم الحرب المرئية التي تدمّر فيها المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد والمباني السكنية في غزّة.

الرأي العام الدولي يعمل لصالح الفلسطينيين ويضيّق الخناق على الاستراتيجيات والتكتيكات الإسرائيلية

يميل الكثيرون إلى التفكير في تحقيق اندماج بين عمل المحكمتين، لوقف جنون حرب الشرق الأوسط والمجازر الوحشية والقصف العشوائي، على الرغم من الإشتباك الحاصل حول الفصل في الصلاحيات. فمحكمة العدل الدولية التي تم إنشاؤها كهيئة قضائية رئيسية للأمم المتحدة (1945) وبدأت أنشطتها (نيسان 1946) في قصر السلام في لاهاي، تتعاطى مع الدول وتحدد مسؤولياتها بمواضيع السيادة والنزاعات الحدودية والبحرية والتجارة والموارد الطبيعية وانتهاكات حقوق الإنسان وتفسير الاتفاقيات التي تتعارض فيها الدول، ويمكنها تقديم رأي استشاري وتصدر توجيهات بشأن تفسير وتطبيق الاتفاقيات الدولية.

لكن المادة التاسعة الآنفة الذكر التي تتعلق بنظامها تقول: "إن المحكمة لها صلاحية أن تنظر في جرائم الإبادة، وتستطيع أن تُصدر أحكاما تتعلق بمحاكمة المرتكبين". ما يعني إمكانية أن تتعاطى المحكمة مع جرائم الأفراد، مع تواصل انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فتُحقق في جرائم الإبادة الجماعية، كما تُحقق المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست كمحكمة مستقلة بناءً على ما يُعرف بنظام روما الأساسي، وهي تحاكم الأشخاص الحقيقيين الذين يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان.

فكيف ستدير محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا الأمر، بشكل جيد أو سيّء؟ (15 قاضيًا يعملون لمدة تسع سنوات ويتم انتخابهم بشكل مشترك من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومن بينهم القاضي اللبناني نواف سلام).

ما يريح أنّ الرأي العام الدولي يعمل لصالح الفلسطينيين، ويضيّق الخناق على الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية الإسرائيلية، مع الأخذ بالاعتبار رأي خبراء واختصاصيين قانونيين، على أنّ قراراتها تستند إلى الإعتبارات السياسية، وليس إلى ظروف الحرب ومآسيها.

أيًا كان الحكم في الجلسات الأولى، فهو يشير إلى الكيفية التي يتطوّر فيها الصراع، وسيكون له أثر على العلاقات الدولية التي تعاني من سلسلة من الصدامات من العنف الإسرائيلي غير المسبوق، إزاء ما يأمل الفلسطينيون في تحقيقه من إنجاز تناسب قانوني باعتبار الحرب الجارية هي "حرب بين دولتين"، تكريسًا لحق الدولة الفلسطينية في الوجود وحق شعبها في مقاومة الاحتلال.

إطلاق ورشة مفاهيم قانونية مستحدثة حول سلوك إسرائيل في نهج الاحتلال والاستيطان والأبارتايد

تبقى الطريقة التي ستتطور فيها الأمور في سياقات التعارضات الدولية، بينما تعاني دول عربية تخلّفت عن دعم جنوب أفريقيا ودول مجموعة المؤتمر الاسلامي بسبب الفشل في مساعدة غزّة والإخفاق في تدارك التداعيات السياسية والأخلاقية الناتجة عن منع إمدادات الحياة عن سكان غزّة وحمايتهم من أعنف جرائم الإنسانية في التاريخ.

ربما تكون خطوة جنوب أفريقيا في غاية الأهمية في إطلاق ورشة مفاهيم قانونية مستحدثة حول سلوك إسرائيل في نهج الاحتلال والاستيطان والأبارتايد، وهو نقاش يسمح بدراسة مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي، ويجب أن تلاقيه جهود أخرى في الجمعية العامة (193 دولة)، لإخضاع اسرائيل إلى وجوب الاعتراف بدولة فلسطين في نهاية المطاف.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن