قضايا العرب

بين "عناد نتنياهو" و"الخطوط الحمر" الفلسطينية.. هذا ما يقترحه الوسطاء

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

تحت وقع الضغوط الداخلية التي تتعرّض لها الحكومة الإسرائيلية، ومع تصاعد دعوات وقف الحرب والدخول في مفاوضات لتبادل الأسرى، تجدد الحديث عن مبادرات جديدة أو تعديلات على المبادرات التي طرحها الوسطاء لوقف إطلاق النار، لكنها حتى الآن تتصادم بما وضعته فصائل المقاومة من "عتبة" أو "خطوط حمراء" يرفض بنيامين نتنياهو ووزراء اليمين المتطرّف في حكومته التعاطي معها مفضّلين الاستمرار في الحرب إلى أبعد مدى.

بين

تصاعدت في الأيام الأخيرة أصوات داخل إسرائيل للتجاوب مع شروط المقاومة وإعادة التفكير في خيار وقف الحرب، وهو ما عبّر عنه عضو مجلس الحرب في حكومة الاحتلال، غادي أيزنكوت بقوله إنه "يجب التوقف عن الكذب وإظهار الشجاعة بالتوجه إلى صفقة كبيرة تعيد المحتجزين". أيزنكوت الذي شارك مع بيني غانتس عضو "الكابينت" في مظاهرة تضامنية مع أهالي الأسرى الإسرائيلين قال خلال اجتماع لمجلس الحرب إنه "لا يوجد سبب للاستمرار في الحرب بنفس الطريقة كالعميان ونحن في وقت حرج"، وهي الرسالة ذاتها التي أكدها غانتس، داعيًا إلى ضرورة دراسة احتمالية وقف الحرب من أجل إعادة الأسرى.

تصاعد الأصوات داخل المستويات الإسرائيلية، واكبه، تأكيد من جانب الإدارة الأمريكية على مواصلة العمل مع الوسطاء لتحرير الأسرى، إذ قال الرئيس الأمريكي جو بايدن الأحد الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على الحرب، إنه يتطلع لاستمرار الاتصالات مع قادة مصر وقطر وإسرائيل لإعادة المحتجزين في قطاع غزّة، مشيرًا إلى أنّ وزير خارجيته أنتوني بلينكن بحث خلال جولته الأخيرة بالشرق الأوسط، سبل المضي قدمًا نحو التوصل إلى اتفاق يطلق سراح باقي المحتجزين.

تصوّر مصري جديد

إزاء وصول المبادرة المصرية إلى طريق مسدود، بدأت القاهرة مجددًا العمل على طرح رؤية جديدة لإنهاء العدوان، وذلك على ضوء ملاحظات ومحددات طرحتها حركة "حماس" وفصائل المقاومة.

في هذا الإطار التقى مسؤولون مصريون الأسبوع الماضي، بوفد إسرائيلي ترأسه غسان عليان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام عبرية، في خطوة اعتبرها مراقبون "استئنافًا لجهود الوساطة التي تعطّلت إثر اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" صالح العاروري في بيروت".

وأعقب زيارة الوفد الإسرائيلي للقاهرة، لقاءات بين مسؤولين مصريين، وقيادات بحركة "حماس"، جرى خلالها مباحثات في العاصمة المصرية، بشأن زيادة المساعدات إلى قطاع غزّة، لدعم صمود سكانه، والرؤى المتعلقة بملف تبادل الأسرى.

ثمة متغيّر جديد هذه المرة بالنسبة للقاهرة، قد يساهم في دعم جهودها، متعلق بتحرك لاقى استحسان واسع لدى قيادة "حماس"، بعد استقبال بعض قيادات الحركة القادمين من بيروت في أعقاب اغتيال العاروري، والمدرجين على قوائم الاغتيالات الإسرائيلية.

مقترح قطري

بمحاذاة الجهود المصرية، طرحت قطر أيضًا تصورًا جديدًا لاستئناف جهود وقف إطلاق النار، يتضمّن بحسب ما كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية، وقفًا للعمليات العسكرية لمدة ثلاثة أشهر وانسحاب قوات الاحتلال من غزّة، وإطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

وفيما ذكرت وسائل إعلام عبرية أنّ المقترح القطري يتضمّن خروج قيادات الصف الأول بـ"حماس" خارج القطاع، نفى مسؤول قطري في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية أن تكون الدوحة تبنّت أو تتبنّى مقترحًا يقضي بطرد قيادات الحركة من أرضهم. ووفقّا للوكالة، أكد المسؤول القطري أنه لم يتم بحث مثل هذا الاقتراح مع أي طرف منذ اندلاع الحرب على غزّة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويقول قيادي في "حماس"، تحدث لـ"عروبة 22" إنّ أفكارًا مثل إخراج قيادات الحركة من غزّة، أمر طرحه مسؤولون في حكومة الاحتلال خلال مفاوضات سابقة مع وسطاء، ولن يقترحه أو يتبنّاه الوسطاء، معتبرًا أنّ طرح مسؤولين إسرائيليين لمثل تلك المقترحات "في وقت يستجدون فيه الوسطاء من أجل الضغط على المقاومة لإطلاق سراح الأسرى، ثم تسريب هذه المقترحات لوسائل الإعلام هدفه واضح، إذ يريد نتنياهو القفز على الضغوط التي يتعرّض لها في صراع داخلي شرس بين المستويين العسكري والسياسي من جهة، والصراع مع المعارضة من جهة أخرى".

"عناد" نتنياهو

ويشير القيادي الحمساوي في هذا الإطار إلى "رغبة نتنياهو في تصدير مشهد المنتصر الذي تساق إليه مقترحات تحمل تنازلات كبيرة من المقاومة، بهدف مد أجل حكومته لحين البحث عن مخرج من المستنقع الذي أوقع نفسه به في غزّة"، مشددًا على أنّ "من يقدّم التنازلات هو الاحتلال، لكنه يريد تقديمها على مستوى ملف الأسرى فقط دون أن تشمل وقفًا شاملًا لإطلاق النار"، وكشف أنّ مسؤولي التفاوض الممثلين للاحتلال خلال اللقاءات مع الوسطاء "أبدوا استعدادهم لدفع أثمان كبيرة" مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بما في ذلك إطلاق سراح من كانت إسرائيل تصفهم بـ"الملطخة أيديهم بالدماء".

ويرى القيادي في "حماس" أنّ تركيز نتنياهو في المفاوضات على ملف الأسرى فقط دون تقديم التزامات بوقف شامل لإطلاق النار "لا يعبّر عن موقف إسرائيلي جامع، ولكنه يعبّر عن موقفه القائم بالأساس على إدراكه بأنّ نهاية مشروعه السياسي، وربما سجنه، سيكون في اليوم التالي لتوقّف الحرب".

وبالعودة للمقترح القطري، فإنه لا يختلف كثيرًا في مرحلته الأولى، عن المبادرة المصرية السابقة، فوفقًا لوسائل إعلام عبرية، توصف المرحلة الأولى بأنها "إنسانية" يتم بموجبها إطلاق سراح المرضى والجرحى وكبار السن مقابل تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين.

وبات التحدي أمام الوسطاء، سواء كانت القاهرة أو الدوحة، هو تجاوز عناد نتنياهو، الذي يصر على جر الجميع لمعركته الشخصية، وإخراج المفاوضات الجارية من المربّع الإسرائيلي الذي يريد قصرها على الأسرى فقط، لمنطقة أكثر سعة ورحابة نحو اتفاق شامل، لا ينهي الحرب في غزّة فقط، ولكن يبرّد الأجواء المشتعلة في الإقليم برمته.

في هذا الإطار، يقول عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" في قطاع غزّة، الدكتور غازي حمد إنّ "نتنياهو يريد حصر المفاوضات في صفقة تبادل أسرى فقط، يحصل بموجبها على الأسرى الإسرائيليين المتواجدين لدى المقاومة في غزّة، وفي المقابل تتمسّك الفصائل بحزمة شاملة، تنتهي بوقف شامل لإطلاق النار، وتشمل الأسرى، ووضع غزّة في اليوم التالي للحرب".

ويرجع حمد موقف حركة "حماس"، الذي يحظى بدعم باقي فصائل المقاومة، في التمسّك باتفاق شامل، كون "المقاومة تعلّمت الدرس من اتفاق الهدنة السابق، والذي عادت بعده إسرائيل أكثر ضراوة في مهاجمة المدنيين، إذ إنّ نتنياهو بعد أن يحصل على الأسرى سيقوم بإبادة غزّة"، وفق توقعه.

"الخطوط الحمر"

أمام النوايا الإسرائيلية، حددت "حماس" مجموعة "خطوط حمراء" للوسطاء، وعدّتها بمثابة عتبة أولية يجب أن يبدأ منها أي طرح لحلحلة الأزمة، والتوصل لاتفاق يقضي بحصول الاحتلال على أسراه.

أول تلك الخطوط الحمراء، تمثل في الرفض القاطع لأي مقترح يتضمن تجريد المقاومة من سلاحها عقب انتهاء الحرب، وثانيها؛ رفض أي حديث عن وجود مناطق عازلة في القطاع، وثالثها؛ رفض أية بنود تسمح لإسرائيل بحرية العمل الأمني والعسكري في قطاع غزّة على غرار ما يحدث في الضفة الغربية.

ماذا عن "حل الدولتين"؟

وسط مساعي التوصل لاتفاق يوقف الحرب في غزّة، يغرق الوسطاء في تفاصيل عدة، يتراجع أمامها الحديث عن "حل الدولتين" وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وذلك رغم تأكيدات الإدارة الأمريكية، والدوائر الغربية والعربية ذات الصلة على أنّ مسار "حل الدولتين" هو الأكثر نجاعة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام.

في هذا الصدد يقول مسؤول عربي مطّلع على مشاورات الوساطة التي تباشرها مصر وقطر، إنه "برغم تكرار الإدارة الأمريكية تصريحات عن إيمانها بحل الدولتين، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، إلا أنّ الأمر يختلف تمامًا سواء على مستوى الحديث في الغرف المغلقة، أو التوجهات الفعلية لواشنطن في هذا الشأن"، كاشفًا أنّ "رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حين جدد خلال لقاء سابق له مع الرئيس الأمريكي جو بايدن طلبه بالعمل على إقامة الدولة الفلسطينية، في إطار رؤية "حل الدولتين"، ردّ عليه بايدن أنّ تعقيدات الوضع الحالي يستحيل معها تحويل هذا  الأمر إلى واقع".

ويضيف المسؤول العربي لـ"عروبة 22"، أنه في "الوقت الحالي هناك مجموعة من التصوّرات يأتي في مقدّمتها إنهاء هذه الجولة من الحرب، باتفاق حول هدنة طويلة الأمد قد تصل إلى عشر سنوات وذلك ضمن رؤية شاملة تتضمن اتفاق تبادل الأسرى والتوافق حول عملية إعادة الإعمار".

المعادلة الفلسطينية

أما فصائل المقاومة في قطاع غزّة، فوصلت إلى قناعة أنه أمام التضحيات الهائلة التي قدّمها أهالي القطاع في هذه الجولة من الحرب، يجب أن يقابلها امتيازات ومكاسب هائلة سواء على صعيد القضية الفلسطينية بشكل عام أو الوضع المعيشي لسكان القطاع.

ويأتي التمسّك بتلك القناعة ربما من المعادلة التي فرضها الفلسطينيون أنفسهم سواء على المستوى الميداني بوضع جيش الاحتلال في مأزق نظرًا لحجم الخسائر التي لحقت به من جهة، ومن جهة أخرى عدم قدرته على تحقيق أي من الأهداف التي سبق وأعلنها لدى إطلاق حملته العسكرية، إضافة إلى صمود أهالي القطاع وتمسّكهم بأراضيهم ما أفشل المخططات الإسرائيلية الرامية لتهجيرهم من القطاع حتى الآن، وهو ما عزّز موقف المفاوضين على موائد التفاوض غير المباشر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن