السؤال الضروري: ما هو أخطر شيء على الثقافة العربية؟ الجواب البديهي: هو ألاّ ننظر إليها كثقافة عربية. السؤال المستوجب: فهل نظر العرب، في الخمسين سنة الأخيرة، في الأقل، إليها كثقافة عربية لكل العرب؟ هل من المعقول تجزئة التراث أو عزل الفنون والآداب كما لو كانت أرخبيل جزر؟ ألا يستتبع ذلك أن يقيم الميراث، الممتد عبر القرون حتى الساعة، أشكالاً من وحدة طرائق التفكير، ووجوه تقارب السلوكيات لتشابه مصادر التأثير في التربية والتنشئة؟ خذ مثلاً: عندما تنجح المخططات في زرع الفتن إلى حدود ما صنع الحدّاد، وتلوح العلاقات البينية أحياناً وكأنها طلاق بالثلاثة، تحدث مأساةٌ، فاجعةٌ، في بلد عربي ما، وإذا بالجميع يردّدون: «ونسيت حقدي كله في ساعةٍ.. من قال إني قد حقدت عليهِ؟».
لا شك في أن المراجعة المبنية على البحث العلمي ليست سهلة، فالثقافة العربية كان ينقصها البحث العقلاني، لهذا نرى هذا المسلك من أندر العملات في البلاد العربية. خارج العلوم التطبيقية والإنسانية، أهمّ ما في دراسات الموسيقى العربية هو إنجازات أوروبية، مثل مؤلفات هنري جورج فارمر والبارون ديرلانجيه. أفضل الكتب في تاريخ موسيقانا ألّفها أجانب. أهم البحوث والدراسات في الأدب والكثير من جوانب التراث العربي والإسلامي، تعود إلى المستشرقين، الذين من بينهم الكثير من المصطادين في الماء العكر. لكنهم ليسوا جميعاً مغرضين. أليس البحث العلمي وليد الفلسفة: «الفلسفة هي أم العلوم»؟.
لا بدّ من إعادة تأسيس الثقافة العربية، انطلاقاً ممّا تجلّى في العصر العباسي. لقد عرف ذلك العهد تجليات مذهلة. ذكر القلم سابقاً أننا لا نستطيع أن نحدّد منشأ تلك الومضة الخارقة التي شعّ سنا برقها من ذهن الخليفة المأمون بن هارون، حين طلب من الخوارزمي أن يضع كتاباً في الرياضيات، يساعد الناس على حلّ مشكلاتهم اليومية. فأبدع كتيّب «الجبر والمقابلة»، في ستين صفحة تقريباً، الذي هو ينبوع ما تلهج به اليوم القارات الخمس: الخوارزميات. لا خوف على العالم العربي ولا هو يحزن، فما على العرب إلاّ أن يستأنفوا الحضارة العربيّة الإسلاميّة انطلاقاً من نهاية العباسيين، وفي الحسبان أن الديار العربية المدمّرة اليوم، إنما هي تاريخ يعيد نفسه، بعد هولاكو سنة 1258.
("الخليج") الإماراتية