صحافة

"المشهد اليوم"…الاحتجاجات تعمُ اسرائيل والجيش يصادق على احتلال غزّة"حزب الله" يستكمل هجومه على حكومة سلام وأوروبا تلتف خلف كييف بعد "قمة ألاسكا"

من المظاهرات الاحتجاجية التي عمت اسرائيل أمس مطالبة بإبرام صفقة تبادل شاملة (أ.ف.ب)

جدال الحروب أو الخوف من عودتها يطغى على المنطقة التي تراقب ما يحدث على جبهة غزة المشتعلة وفي الضفة الغربية وصولًا الى اليمن فلبنان وأخيرًا سوريا، بينما القاسم المشترك بينها جميعها هو الاحتلال الاسرائيلي الذي يعيث خرابًا ودمارًا ويستكمل مشروع التوسعة. فهذه المخططات التي "يحيكها" رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي صرح مؤخرًا عن مهمته الروحانية والعاطفية لانشاء "اسرائيل الكبرى"، تلاقي المزيد من الادانات والشجب بينما تغرق تل أبيب ومدن أخرى بالتظاهرات الحاشدة رفضًا لخطط توسيع الحرب على غزة وسط دعوات الى ابرام صفقة تبادل فورًا وعدم التضحية بحياة الرهائن المحتجزين في القطاع.

وهذه ليست المرة الاولى التي يواجه فيها نتنياهو مثل هذه الضغوط الداخلية ولكنه لطالما تجاهل دعوات عائلات الاسرى تمامًا كما يتجاهل كل التقارير التي تتحدث عن "العزلة الدبلوماسية" التي تعاني منها اسرائيل نتيجة الاعمال الوحشية وجرائم التجويع التي ترتكبها في غزة التي بات اطفالها اليوم بين شهيد أو جريح أو يتيم. الا ان اللافت هذه المرة كان حجم المظاهرات التي، وبحسب عدة معلومات اعلامية، ناهزت أكثر من مليون شخص تجمعوا لساعات طويلة وأغلقوا مرافق حيوية وعدة طرق رئيسية، منها ميدان الأسرى في تل أبيب والطريق السريع رقم واحد عند مدخل القدس، وتقاطع رعنانا شمالي تل أبيب. كما تجمع العشرات منهم أمام منازل عدد من الوزراء، بينهم وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر.

وجدّدت عائلات الاسرى اتهاماتها للحكومة الإسرائيلية بالتضحية بأبنائها، متهمة إياها بالمماطلة دون اتخاذ خطوات جدية لإبرام صفقة تبادل شاملة. بينما قلّل وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش من أهمية هذه التحركات، متهمًا منظمات يسارية بالسعي لإسقاط حكومة اليمين واستغلال عائلات المحتجزين، مشددًا على أن إسرائيل يجب ألا تتوقف، وأنها ينبغي أن تواصل القتال حتى إبادة حركة "حماس" بالكامل. وعلى الرغم من هذه الحشود الرافضة لاستمرار القتال، صدق رئيس الأركان إيال زامير على خطط احتلال مدينة غزة بعدما رأى أن عملية "عربات جدعون" حققت اهدافها وأن "حماس" لم تعد تملك القدرات التي كانت لديها قبل العملية، وقد ألحقنا بها أضرارًا جسيمة". وقال "المعركة الحالية ليست حدثًا موضعيًا بل حلقة أخرى في خطة طويلة الأمد ومدروسة، في إطار رؤية متعددة الجبهات تستهدف كل مكونات المحور وعلى رأسه إيران".

أما هيئة "البث الإسرائيلية"، فأشارت الى أن تقديرات الجيش تشير إلى أن عملية احتلال مدينة غزة سوف تستغرق 4 أشهر وأن الإدارة الأميركية طلبت الاطلاع على الخطط الموضوعة. في وقت يصارع فيه الوسطاء الزمن من اجل التوصل الى اتفاق يمنع تفاقم الامور وازديادها سوءًا، حيث أشارت المعطيات الى أن مقترحًا جديدًا يهدف إلى استئناف المفاوضات تم تسليمه من قبل مصر وقطر الى "حماس" بحضور قادة عدد من الفصائل الفلسطينية الذين طالبوا الحركة بإعداد رد على المقترح "خلال الساعات القادمة". يأتي ذلك على وقع تجديد القاهرة "رفضها القاطع لتهجير الفلسطينيين سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية"، مؤكدة في بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية أن هذا الطرح "يُمثل سياسة إسرائيلية مرفوضة تستهدف إفراغ الارض الفلسطينية من أصحابها واحتلالها وتصفيتها".

هذا وكان نتنياهو جدّد شروطه لوقف الحرب ومنها السيطرة الأمنية على القطاع المنكوب ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية، منتقدًا المتظاهرين الاسرائيليين، الذين غصت بهم الشوارع والساحات، بالقول "من يدعو اليوم لإنهاء الحرب دون التخلص من "حماس" يعزز موقفها ويبعد تحرير المخطوفين ويشجع تكرار أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023". في غضون ذلك، تشهد العملية العسكرية المزيد من التوسع حيث واصلت قوات الاحتلال قصفها المرّكز على حي الزيتون لليوم السابع على التوالي، منفذة عمليات تجريف وتدمير لما تبقى من منازل ومنشآت مدنية وسط موجة نزوح جديدة للأهالي الذين ضاقت بهم السبل وعجزوا عن اللجوء الى منطقة آمنة تحميهم، اذ ان القطاع برمته يتعرض للغارات الجوية. وقد استشهد 57 فلسطينيًا أمس الأحد، بينهم 38 من منتظري المساعدات بالقرب من مراكز التوزيع الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية"، في حين أفادت وزارة الصحة بغزة عن استشهاد 7 مواطنين جدد جراء التجويع وسوء التغذية، بينهم طفلان، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 258، بينهم 110 أطفال.

هذه التطورات الدراماتيكية في غزة والتي تترافق مع حملة دهم واعتقالات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية التي تشهد بدورها على تصعيد المستوطنين من اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين، لم تحجب الانظار عما يحدث في المنطقة من مستجدات تستدعي التوقف عندها وخاصة في لبنان الذي وصل اليه مساء أمس الموفد الاميركي توم برّاك في زيارة تُعتبر بغاية الحساسية والتعقيد بعدما اتخذت الحكومة اللبنانية قرارًا بسحب السلاح وحصره بيد الدولة، وكلفت الجيش إعداد خطة تنفيذية لذلك وما أثاره ذلك من هجوم وتصعيد من قبل "حزب الله" الذي يرفض المسّ بسلاحه محذرًا من الحرب الاهلية. وفي السياق، أشار رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى أن "سلاح "حزب الله" والمقاومة هو شأن داخلي لبناني، واتفاق الطائف واضح بملف حصرية السلاح"، معتبرًا أن "الورقة الأميركية هي خارطة طريق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في العام 2024، وأُضيفت عليه لاحقًا بعض الإضافات..ولا تصبح هذه الورقة نافذة قبل موافقة الأطراف الثلاثة، سوريا ولبنان وإسرائيل" ليؤكد أن لبنان "كان أمام خيارين إما الموافقة على الورقة الأميركية أو العزلة".

مواقف عون وما سبقها من تصريحات لرئيس الحكومة نواف سلام هي أشبه بمحاولة لمنع انفلات الامور من عقالها لاسيما ان الانقسام العامودي في البلاد يشجع على ذلك وسط تصريحات يومية لنواب ومحسوبين على الحزب تكيل الاتهامات بحق الحكومة وتنتقدها بما تسميه "تنفيذ الاملاءات الاميركية الاسرائيلية" و"عدم احترام الميثاقية"، في إشارة إلى الجلسة التي اتخذ فيها قرار حصر السلاح بيد الدولة. ويضع الحزب، كما بات معلومًا، شروطًا قبل الحديث عن سلاحه وتتضمن وقف العدوان الإسرائيلي، وإطلاق سراح الأسرى، وبدء إعادة الإعمار، وانسحاب إسرائيل من النقاط التي احتلتها عقب الحرب الاخيرة وتشمل التلال الخمس على طول الحدود. ومع المناكفات والمناوشات السياسية، يعيش لبنان على صفيح ساخن وهو الذي كان يأمل بأن يحمل العهد الجديد بوادر حلول بعد سنوات طويلة من التعطيل السياسي والفراغ الرئاسي والأزمات الاقتصادية والمالية التي انهكت البلاد وحرمتها من التقدم والعمران.

الواقع اللبناني المتأزم يواكب التطورات السورية التي تشهد المزيد من التحديات والعقبات الامنية. وفي اخر التفاصيل، فجّر انتحاري نفسه في مدينة حلب شمال سوريا باستخدام حزام ناسف، مما أدى لمقتله دون وقوع إصابات أخرى. وفيما لا تزال الاسباب والغايات مجهولة خاصة انه ترافق مع انفجار اخر يوم السبت في حي المزة بدمشق دون خسائر بشرية أيضًا بما يشي بأن هناك من يريد العبث بالامن وارسال رسائل الى الادارة السورية الجديدة التي تواجه مخططات التقسيم ومنع الفتنة. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع بدا متماسكًا في جلسة حوارية عقدها في مدينة ادلب مقللًا من تأثيرات مظاهرات السويداء وتداعياتها كما بدا واثقًا بإفشال مشاريع التقسيم التي يعمل البعض عليها. في المقابل، كشف عن استقطاب بلاده استثمارات خارجية بلغت قيمتها 28.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى بعد الإطاحة بالنظام السابق، مع توقع وصولها إلى 100 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، معتبرًا أن ذلك يشكل أساسًا لإعادة الإعمار وتوفير فرص عمل.

في الشأن الدولي، أعلنت رئيسة "المفوضية الأوروبية" أورسولا فون دير لاين أن قادة أوروبيين سيرافقون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وينضم كذلك الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي (الناتو)" مارك روته الى الاجتماع المتوقع اليوم وذلك بعد اللقاء الذي جمع ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، والذي وصف بأنه كسر عزلة موسكو بعد سنوات طويلة ولكنه لم يستطع التوصل الى اتفاق لوقف الحرب الأوكرانية. من جهته، رحب زيلينسكي بما وصفها "بالوحدة" الأوروبية، مشيرًا الى أنه لا يعرف "بالتحديد" ما تم مناقشته في قمة ألاسكا التي عُقدت يوم الجمعة. وعليه سيكون هذا اللقاء الاول من نوعه على هذا المستوى في البيت الابيض منذ بدء الهجوم الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.

وهنا جولة على ابرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم:

كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "كلما مضت الجهود نحو نقطة تبشّر بقرب نهاية لما يجري في غزة، تعود إسرائيل إلى المربع الأول ويزداد تطرفها في الخروج على ما اتفق على أنّه من المحرمات في القضية الفلسطينية، والمقصود هنا التهجير الذي بدا واضحًا أنه هدف، تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية"، مشددة على أنه "سواء تعلق الأمر بالضفة الغربية، أو قطاع غزة، فإن هذه العقلية الاستيطانية تعاكس كل عمل لإقرار السلام، وستدفع إسرائيل ثمنه مزيدًا من العزلة الدولية، وانعدامًا للثقة الإقليمية فيها، ومسؤولية عن الدفع بالمنطقة والعالم إلى قلق تتجاوز تجلياته حدود التصور أو الضبط".

بدورها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن تصريحات نتنياهو عن "اسرائيل الكبرى" "هي هروب إلى الأمام، ومسعى للاستفادة من المعركة سياسيًا، لكنها في نفس الوقت تصريحات خطيرة جدًا، ومقلقة جدًا، خاصة للعالم العربي، واجترار لأيديولوجيات من قرون خلت سبقت وجود قانون دولي وقرارات أمم متحدة وحدود معترف بها". وقالت إن "معركة غزة التي بلغت شهرها الـ22 هي الأطول بين قطاع غزة وإسرائيل منذ سيطرة "حماس" على القطاع، مما يؤكد حاجة نتنياهو لإبقاء نار الحرب مشتعلة، مستغلًا الدعم الأمريكي، رغم كل التحديات الأخرى من مؤتمر نيويورك وصولًا إلى قرارات محكمة العدل الدولية.".

وأشارت صحيفة "الغد" الاردنية الى أن "الصراع في الشرق الأوسط هو الاستثناء الوحيد في حسابات القمة الأميركية الروسية. لم يكن الوضع الكارثي في غزة وعموم فلسطين في الأصل موضوعًا على أجندة القمة، ولم يبادر الزعيمان (الاميركي والروسي) ولو بجملة عابرة في مؤتمرهم الصحفي عما يجري من كوارث في غزة"، مستنتجة أن "أن مأساة غزة، ستدخل طي النسيان، وتتحول إلى صراع مزمن ومنسي في نفس الوقت، يتحكم بمجرياته نتنياهو وفق مصالحه الانتخابية. فإما أن يبادر الفلسطينيون والعرب، لتفاهمات تنهي هذه الكارثة، أو أن غزة تغيب عن الأضواء ولا أحد يسأل فيها، تماما كما كان الحال في قمة ألاسكا"، بحسب قولها.

الموضوع عينه كان محط نقاش لدى صحيفة "الأهرام" المصرية التي أفادت أن "التدقيق في التحركات والتصريحات الخاصة بنتنياهو يطرح دلالات رئيسية ثلاثة: الأولى، أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها في القطاع، خاصة فيما يتعلق بإعادة المحتجزين، والثانية، أن حكومة نتنياهو تسعى إلى تبني سياسة كسب الوقت، من أجل تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها والثالثة أن تهديد إسرائيل باحتلال غزة من شأنه أن ينتج عواقب وخيمة، في ضوء الأزمة الإنسانية التي يعانيها القطاع"، مضيفة "من المهم ان تترجم بيانات الرفض والإدانة من قبل الدول الغربية، خاصة الأوروبية، لاحتلال غزة إلى خطوات عملية على الأرض لردع حكومة الاحتلال عن تلك الخطوة".

وفي الشق اللبناني، لفتت صحيفة "اللواء" اللبنانية الى أن "ايفاد (رئيس مجلس الامن الاعلى القومي علي) لاريجاني الى لبنان، له أبعاد وحسابات ومؤشرات أمنية وعسكرية، تتجاوز ارسال اي وزير او ديبلوماسي عادي على حد سواء استنادا لموقعه وتاثيره، وهو ما يجب اخذه بعين الاعتبار والتنبه لتبعاته وانعكاساته"، مؤكدة أن "مواقف لاريجاني الداعية لاستمرار سلاح "حزب الله" والتمسك بالمقاومة، والتسخين الكلامي ورشق الدولة بالاتهامات، يبقى احد وسائل التصعيد المحتملة، وإن كانت نتائجه وتداعياته متواضعة الى حد ما، وتأثيرها شبه معدوم على تغيير مسار نزع سلاح الحزب"، على حدّ تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن