صحافة

أوروبا تتجاوز نتنياهو!

خالد أبو بكر

المشاركة
أوروبا تتجاوز نتنياهو!

القراءة الأولية لخطة السلام الأوروبية التي طرحها جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى الاثنين الماضي والقائمة على إعادة إحياء «حل الدولتين»، تشير بشكل واضح لا لبس فيه أن الأوروبيين تجاوزوا معارضة حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة لهذا الحل، الذي أعلن الأخير بنفسه مرارا وتكرارا أنه يعرقله منذ 30 عاما؛ ذلك أن بوريل قد قال للصحفيين إن «خطة إسرائيل لتدمير حركة حماس في غزة غير ناجحة وإنه يتعين على الاتحاد الأوروبي مواصلة الجهود للتوصل إلى حل الدولتين، رغم المعارضة الإسرائيلية لذلك الحل».

ثم تساءل باستنكار على هامش الاجتماع الشهري لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي حضره هذه المرة الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية مصر والسعودية والأردن: «ما هي الحلول الأخرى التي يفكر الإسرائيليون فيها.. هل نجبر جميع الفلسطينيين على الرحيل؟ نقتلهم جميعا؟!.. إن الطريقة التي يدمرون بها حماس ليست هي الطريقة الصحيحة للقيام بذلك. إنهم (الإسرائيليون) يزرعون الكراهية لأجيال عديدة»، وفي ذلك إدانة أوروبية واضحة للعمليات العسكرية العدوانية التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، وتعكس التطور في الموقف الأوروبي منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم.

ما يؤكد ذهابنا إلى أن الاتحاد الأوروبى تجاوز حائط بنيامين نتنياهو الرافض لقيام دولة فلسطينية أن تصريحات بوريل جاءت بعد ساعات من تصريحات رئيس وزراء إسرائيل التي رفض فيها حل الدولتين؛ ذلك أنه أكد الأحد الماضي مجددا على الموقف المتشدد ضد أي دولة فلسطينية لأنها ستشكل «خطرا وجوديا» على إسرائيل. مضيفا أن تل أبيب «ستواصل إصرارها على السيطرة الأمنية الكاملة على جميع الأراضى غرب نهر الأردن، والتي ستشمل غزة والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل».

وتأكيدا على ذلك التجاوز من قبل التكتل الأوروبي لرئيس الحكومة الإسرائيلية أن الخطة التي طرحها الاتحاد الأوروبي تقتضى دعوة لعقد «مؤتمر تحضيري للسلام» ينظمه الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن والسعودية وجامعة الدول العربية، مع دعوة الولايات المتحدة والأمم المتحدة أيضا للمشاركة في عقد المؤتمر. وسوف يمضي المؤتمر قدما حتى لو رفض الإسرائيليون أو الفلسطينيون المشاركة فيه، لكن الوثيقة تشير إلى أنه سيتم التشاور مع الطرفين في كل خطوة من المحادثات حيث يسعى المندوبون إلى وضع خطة سلام.

وتوضح الوثيقة الداخلية التي جرى تسريب محتواها للعديد من وسائل الإعلام أن أحد الأهداف الرئيسية لخطة السلام يجب أن يكون إقامة دولة فلسطينية مستقلة «تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن».

ما يؤشر على الإجماع الأوروبي على خطة السلام التي طرحها منسق السياسة الخارجية بالتكتل هو موقف كل من ألمانيا والنمسا أكبر داعمين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي منذ السابع من أكتوبر؛ ففي انتقاد واضح لإسرائيل قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للصحفيين ردا على رفض نتنياهو: «كل الذين يقولون إنهم لا يريدون أن يسمعوا عن مثل هذا الحل (حل الدولتين) لم يطرحوا أي بديل».

وفيما يتعلق بالموقف النمساوي، يكفي أن نورد العنوان الذي أوردته صحيفة «كورونا» الأوسع انتشارا في النمسا بشأن تصريحات وزير الخارجية ألكسندر شالنبرج للصحفيين من بروكسل الاثنين الماضي تعليقا على الخطة الأوروبية للسلام، إذ قالت: «شالنبرج يوجه انتقادات لنتنياهو: غزة ملك للفلسطينيين»، ثم نقلت عن الوزير قوله: «حل الدولتين هو العرض الوحيد المطروح على الطاولة.. وهو الطريقة الوحيدة التي يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يعيشوا جنبا إلى جنب في سلام وأمن».

في كل الأحوال وبغض النظر عن النتائج المباشرة للطرح الأوروبي للسلام، إلا أنه يعكس تطورا كبيرا في الموقف الأوروبي تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، ونجاح ذلك التوجه تجاه الأزمة الأكبر في الشرق الأوسط سيكون مرهونا بالتغييرات التي صارت مرتقبة داخل إسرائيل؛ ذلك أن الكثير من التوقعات حتى التي سبقت عملية 7 أكتوبر تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون من يسار الوسط وستنخرط في عملية سلام مع الفلسطينيين، وقد تفضي التفاعلات داخل إسرائيل إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ويمكنك أن تضيف إلى ذلك ما سوف تسفر عنه الانتخابات الأمريكية المقبلة، وإلى أي مدى يمكن للفصائل الفلسطينية أن تلتقي على كلمة سواء بعد كل هذه الدماء التي سالت وتسيل على «الأرض المقدسة»، وهو التعبير الأثير للرئيس المصري الراحل محمد نجيب عندما كان يأتي على ذكر فلسطين.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن