اختار آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، استغلال حالة تصاعد التهديدات الأمنية في بيئة البحر الأحمر نتيجة تداعيات حرب غزّة، طبقًا لتقدير موقف أنّ القبول بقواته البحرية في هذه اللحظة، والتي قد تم تكوينها وتدريبها منذ عام ٢٠١٩، قد يكون مؤاتيًا في ضوء إنشغال دولي بحالتَي التهديد في كل من أوكرانيا وغزّة.
ولكن آبي أحمد من حيث يدري أو لا يدري راكم حالة التعقيد ليس في بيئة البحر الأحمر وحده ولكن في بيئة كل من شرق أفريقيا والشرق الأوسط، وباتت التحديات أمامه مرهقة، وذلك إلى حد أن دعت اللجنة التنفيذية لحزب إثيوبيا الحاكم إلى اجتماع طارئ مؤخرًا برئاسة رئيس الوزراء وذلك على خلفية نتائج زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة والتي حصل فيها على دعم مطلق من الجامعة العربية باعتبار أنّ بلاده عضو فيها وذلك تحت مظلة اتفاقية الدفاع العربي المشترك، كما حصل على دعم مصري مطلق بشأن إسناد الصومال بكل أنواع الدعم التي لاح فيها أنه قد يشمل دعمًا عسكريًا.
مصر تتعامل حاليًا مع إثيوبيا على أنّ العلاقات معها صراعية مؤثّرة ليس فقط في نهر النيل ولكن أيضًا في البحر الأحمر
من هنا قد يكون من المفيد التعرّض للحسابات الإثيوبية في الوجود على البحر الأحمر في هذا التوقيت من ميناء بربرة في أرض الصومال، ونتيجة هذه الخطوة على الصعيدين الإقليمي والمحلي من حيث التداعيات الجيوسياسية.
قد تكون الخطيئة الإثيوبية التي تم ارتكابها في اتفاقية أرض الصومال مع أديس أبابا أنها قد أُبرمت على أساس تقديم اعتراف هو الأول من نوعه على الصعيد الدولي بما يُسمى جمهورية أرض الصومال، من هنا تُصنّف هذه الخطوة على أنها اعتداء على سيادة دولة الصومال، وكذلك هي اختراق لبرتوكولات الاتحاد الأفريقي الموروثة عن منظمة الوحدة الأفريقية التي تسعى دومًا إلى عدم تغيير الحدود الأفريقية تحت أية ضغوط، وذلك على اعتبار أنها قنبلة ملغومة في كافة أنحاء القارة التي تشهد ما يزيد عن مائة خلاف حدودي، وهو ما يعني في حال فتح هذا الملف انفجار فوهة الجحيم على الدول الأفريقية وعلى الأمن والسلم الإقليمي وربما الدولي، وقد يكون ذلك هو ما يُفسّر بيان الخارجية الأمريكية المناهض للخطوة الإثيوبية في الاعتراف بجمهورية أرض الصومال على عكس موقف واشنطن مثلًا من استقلال جنوب السودان الذي وجد دعمًا أمريكيًا تندم عليه واشنطن حتى الآن، ويُشكّل لها درسًا قاسيًا، حيث اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية أنّ تجزئة الدول في أفريقيا يُنتج من المشاكل والتحديات أكثر مما يُقدّم من حلول، ذلك أنّ جنوب السودان أنتجت بدورها حربًا أهلية بعد الاستقلال كما تواجه حاليًا تحديات بنيوية بشأن تحقيق الاستقرار وذلك إلى حد تأجيل الانتخابات الرئاسية فيها سعيًا وراء عدم انفجار الموقف.
الخطيئة الثانية التي ارتكبتها إثيوبيا هي عدم الاكتراث باستعداء مصر في ملف سد النهضة برفضها الانخراط في علاقات تعاونية مع القاهرة إلى حد الاستهانة بما قدّمته مصر من حالة تعاون غير مسبوقة بالاعتراف بالسد مع المطالبة أن تنتظم العلاقات بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا على الصعيد الفني باتفاق قانوني مُلزم يضمن التدفقات المائية من النهر، بما يحقق عدم الإضرار بدولتي الممر والمصب، كما جرى للسودان خلال الأعوام الماضية على نحو موثّق.
من المفهوم أن تضغط القاهرة على مصالح أديس أبابا في كل المجالات وتأسيس تحالف مفتوح مع الصومال
وطبقًا للموقف الإثيوبي المرواغ، انسحبت مصر نهائيًا من أي مسار تفاوضي، ومن أي أداء تعاوني وتتعامل حاليًا مع إثيوبيا على أنّ العلاقات معها هي صراعية مؤثّرة ليس فقط في إطار نهر النيل ولكن أيضًا في إطار جديد هو البحر الأحمر الذي يُعد معطى أساسيًا في الاقتصاد المصري من حيث أنّ ضمان الأمن فيه هو ضمان لأمن قناة السويس المؤثّر الرئيس على الاقتصاد المصري.
في هذا السياق يكون من المفهوم أن تضغط القاهرة على مصالح أديس أبابا في كل المجالات، ويكون من المفهوم أيضًا تأسيس تحالف مفتوح مع الصومال التي تملك حدودًا مباشرة مع إثيوبيا، كما يكنّ قطاع من الشعب الصومالي عداءً لإثيوبيا نتيجة حروب بين البلدين وتدخلات إثيوبية عسكرية في الصومال تم فيها تحقيق هزيمة لإثيوبيا.
إجمالًا، إثيوبيا في موقف لا تُحسد عليه، على الرغم من الدعم الإسرائيلي المباشر لها خصوصًا والدعم الغربي التاريخي لها عمومًا، ذلك أنّ كلا الدعمين لا بد أن يتحسّبا لفكرة فتح جبهة صراعية جديدة تمتد بين إقليمَيّ شرق أفريقيا والشرق الأوسط في وقت يكثر فيه اللاعبون الإقليميون ضد المصالح الأمريكية في هذه المرحلة، كما يوجد منافسون دوليون على الأبواب يحتفظون بقدراتهم مثل الصين، بينما يتم استنزاف القدرات الغربية على أكثر من جبهة حول العالم خصوصًا الأمريكية منها.
(خاص "عروبة 22")