تتفق النظرية والتجربة على أنّ التكامل الاقتصادي ذو منفعة عظيمة. فهو من شأنه أن:
• يُعزّز التجارة والناتج المحلي الإجمالي
• يزيد من الكفاءة من خلال التخصص وتحقيق وفورات الحجم
• يُحسّن نوعية وكمية الاستثمار ليخدم الأسواق الكبيرة
• يرفع القوة السياسية والاستراتيجية نتيجةً للنمو المتسارع للقوة الاقتصادية
الاستثمار الأجنبي المباشر يحمل مكاسب ديناميكية في نقل التكنولوجيا وتطويرها وتعزيز رأس المال وخلق فرص العمل
من بين جميع تدفقات رأس المال، يُعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر الأفضل - لناحية التدفقات الاستثمارية على سبيل المثال - يعزى ذلك إلى أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر يتضمّن تكاملًا أكثر عمليّة من التجارة ويحمل مكاسب ديناميكية في نقل التكنولوجيا وتطويرها، وتعزيز رأس المال، وخلق فرص العمل. ولكن إلى أي مدى تم تحقيق هذا الأمر في العالم العربي؟.
يُقدّم الجدول أعلاه لمحة عن مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر العربية البينية الجديدة، ويُبرز بوضوح عدة نقاط[1]:
• قليلة للغاية
• تتركّز في الأسواق الكبيرة
• تتركّز بشكل كبير على القطاعات العقارية والخدمات
لم يكن الوضع مشابهًا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كانت هذه المشاريع أكثر انتشارًا وتجاوزت 63$ مليار في العام 2008! إلا أنّ الجانب الإيجابي لهذا الانخفاض هو أنه يدل على الانتقال من المشاريع الحكومية إلى الاستثمارات الخاصة، حيث يُعتبر القطاع الخاص أكثر كفاءة وإنتاجية وأقل اهتمامًا بالشؤون السياسية والاحتفالية[2]. ببساطة، يُمكن رؤية هذا التغيير كتحسين في الجودة على حساب الكمية، أو على الأقل هذا ما نأمله!
تتركّز مشاريع الاستثمار المباشر الأجنبي بين البلدان العربية في الدول ذات الأسواق الكبيرة ورؤوس الأموال الضخمة، وهو أمر مفهوم على الرغم من أنّ هذا الاتجاه قد يحد من الفرص المتاحة للبلدان الأصغر. ومع ذلك، يمكن أيضًا أن يكون هذا أمرًا إيجابيًا، حيث يساهم في منح البلدان الكبيرة والغنية والمؤثرة حصة أكبر في التكامل الاقتصادي، مما يدفعها للتمسك به أكثر ويزيد اهتمامها به.
يمكن تفهّم السبب وراء تركيز مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر على قطاعَي العقارات والخدمات. فالدول العربية تفتقر إلى الشركات المتعددة الجنسيات، والمتنوعة، والقادرة على التنافس، وذات التكنولوجية المكثّفة والأسماء التجارية العالمية.
على مناخ الاستثمار أن يكون أكثر جاذبيةً لناحية القوانين وأن تكون الشركات متمكنة أكثر من حيث تطوّرها التكنولوجي
ولكن هنا - مرة أخرى - يمكننا أن ننظر بعين الإيجابية، مع سطوع نجم شركات عربية - مثل موانئ دبي، وأرامكو، وإم تي إن، والخطوط الجوية القطرية... ومع استحواذ – على سبيل المثال - مصادر الطاقة المتجددة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على حصص كبيرة من النفقات الرأسمالية في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول العربية في الفترة بين 2018-2021 (16.9%، 9.5%، 3.5% على التوالي).
وعليه، قد يكون الاستثمار الأجنبي المباشر بين الدول العربية العنصر الرئيسي في تسهيل التكامل الاقتصادي العربي بشكل أوسع وأعمق. ويوجد أمران أساسيان كي يصبح "الجندي المجهول".
أولًا: يتعيّـن على مناخ الاستثمار، خاصة في البلدان المستقبلة للاستثمار، أن يكون أكثر جاذبيةً وترحيبًا لناحية القوانين ونوعية رأس المال البشري والمالي.
ثانيًا: يجب أن تكون الشركات العربية متمكنة أكثر من حيث تطوّرها التكنولوجي، وانتشارها ومكانتها على صعيد العالم.
وعلى الرغم من بديهية هذين العاملين - إلى حد ما - إلا أنهما يُمثّلان تحديات كبيرة، ويُشكّلان نواة التنمية الاقتصادية، في تأكيد على الفكرة البسيطة ولكن العميقة بأنّ "التنمية يجب أن تسبق التكامل".
[1]الاستثمار الأجنبي المباشر يكون غالباً على شكلين: مشاريع جديدة أو عمليات اندماج واستحواذ. والشكل الأول هو الأهم، حيث تتضمن المشاريع إنشاء قدرات إنتاجية جديدة بدلًا من الاكتفاء بشراء أو بيع القدرات القائمة. ومع ذلك، يظل الاستحواذ والاندماج ذا أهمية كبيرة أيضًا، حيث يعزز التفاعل الاقتصادي بين الدول العربية.
[2] هناك أسباب أخرى وراء هذا الانخفاض، تحديدًا الأزمة المالية سنة ٢٠٠٨، والسبب الأهم أنّ الدول العربية الغنية برأس المال وجّهت أغلب استثماراتها نحو تطوير اقتصاداتها المحلية.
(خاص "عروبة 22")