يُلاحظ توماس دولاجي في افتتاحية العدد أنّ هناك نزوعًا نحو إحياء ظاهرة التمدد المجالي، وذلك يظهر جليًا في الحرب بين أرمينا وأذربيجان وانفجار الوضع في غزّة الذي يقلق العالم. كما أنّ فنزويلا تحاول حرمان جارتها غويانا (Guyane) من 75% من مجالها، وكذلك إثيوبيا التي لها طموح بالوصول إلى منفذ إلى البحر الأحمر. كما هناك قلق من النزاعات "المجمّدة" في جنوب القوقاز، وهناك كذلك تخوّف من اندلاع حرب بين أمريكا والصين حول تايوان. ويُعتبر الشرق الأوسط حسب الباحث نفسه، المنطقة التي تتسم بعدم الاستقرار، حيث إيران تشكل عاملًا مهمًّا في النزاع؛ ويتجاهل صاحب الافتتاحية بشكل متحيّز الدور الإسرائيلي كذلك في التوتر التي تعرفه المنطقة.
الاتجاه نحو مزيد من القلاقل في سنة 2024، وبروز تهديدات جديدة تلوح في الأفق
وفي حين تستمر منطقة الساحل في الانغماس في أزمة سياسية وأمنية، فإنّ منطقة أمريكا الجنوبية تعاني من الجريمة المنظّمة والمرتبطة بتجارة المخدرات. أمّا منطقة البحر الأحمر التي يمرّ منها حوالى ثلثي التجارة البحرية العالمية، فهي كذلك في حالة توجس كبير، وإذا كان هناك هدوء في اليمن، الذي يحتاج إلى إعادة بناء بعد حرب دامت عشر سنوات، فإنّ السودان ولجت مرحلة قاتمة من الفوضى، ومن المحتمل أن تعرف المنطقة الممتدة من جنوب السودان إلى إثيوبيا، حربًا أهلية.
ويبدو جليًا من خلال الافتتاحية، التأكيد على كثافة النزاعات في سنة 2023، والاتجاه نحو مزيد من القلاقل في سنة 2024، وبروز تهديدات جديدة تلوح في الأفق. ولهذا توزّعت المقالات التحليلية حول تناوب النزاعات في أوروبا ثم في أمريكا والشرق الأوسط وأفريقيا والنزاعات في آسيا.
افتتحت المجلة ملف النزاعات، بمقال حول مخاطر "العصر النووي الثالث"، يقترح فيه الباحث بنيامين هوتكوفيتور تبنّي مفهوم "العصور النووية الخمسة" بدل ثلاثة وحسب، حيث اعتبر العصر النووي الأول، متميّزًا باكتشاف السلاح النووي وأدى إلى تفجير القنبلة النووية الأولى، وانتهى ما بين 1943 و1945؛ ثم العصر النووي الثاني والذي حمل العالم الى المصادقة على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وانتهى في حدود 1968 و1970؛ ثم العصر الثالث، الذي تميّز بنوع من النضج ونهاية الحرب الباردة وتوقيع معاهدة FNI لسنة 1987؛ وكذلك حلّ حلف فارسوفيا 1991، أمّا العصر النووي الرابع، فهو عصر التهديدات الجديدة والذي انتهى بحرب أوكرانيا 2014؛ وأخيرًا، العصر النووي الخامس، وهو العصر الحالي الذي يشكّل "عودة الردع"، حسب بعض الخبراء الاستراتيجيين، بعد ضم روسيا لجزيرة القرم واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ 2022. لكن كاتب المثال، يدعو إلى التفكير في التهديدات النووية، بمنطق جديد، يراعي تعقّد النزاعات.
وفي مقال آخر حول وضع القوى النووية في سنة 2024، يذهب الباحث إيمانويل ميتر إلى تأكيد عودة التهديد النووي في الوقت الذي يتجه فيه المجتمع الدولي إلى المطالبة بالحد من السباق النووي، لذا فإنّه بالرغم من الإدانة الدولية للأسلحة النووية، هناك عودة للتسلّح النووي في 2014 من خلال سعي روسيا وأمريكا لتحديث أسلحتهما النووية ودعمها بالتكنولوجيا الحديثة.
القوى النووية أخذت في تجديد وتحديث أسلحتها النووية والاعتماد على مبدأ الردع النووي في استراتيجيتها الأمنية
وتحاول روسيا تطوير نوعية جديدة من الصواريخ فرط الصوتية الحاملة لرؤوس نووية، وقد تم تجريبها سنة 2023، مثل "صواريخ "Burevestnik" و"Poseidon" و"Sarmat" الذي سماه بوتين "بالشيطان" وبأنّه "لا مثيل له ولن يكون له مثيل لفترة طويلة"، وهو قادر على حمل 10 رؤوس نووية، وعنده قدرة للإفلات من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، كما طورت الولايات المتحدة الامريكية، صاروخ "LGM – 35A Sentinal" الحامل لرؤوس نووية، والقادر للوصول لأي نقطة في العالم في زمن 30 دقيقة.
كما أشارت مجلة قراءات المشهد النووي" في 2018 و2022، إلى تطوّر الترسانة النووية الصينية وبشكل مقلق. وبناءً على رصد لـ"فيدرالية العلماء الأمريكيين"، فإنّ روسيا تملك 5889 رأسًا نوويًا، وأمريكا 5244 والصين 410 وفرنسا 290 وبريطانيا 225 وباكستان 170 والهند 164 وإسرائيل 90 وكوريا الجنوبية 30. ويلاحظ صاحب المقال أنّ القوى النووية، أخذت في تجديد وتحديث أسلحتها النووية وبالتالي الاعتماد على مبدأ الردع النووي في استراتيجيتها الأمنية.
ويبدو جليًا أيضًا أنّ المجلة، قد بدأت ملفها بالإشارة إلى الوضع النووي العالمي وسباق القوى الدولية النووية، وكذلك الحديث عن الملف النووي الإيراني وعدم سلمية البرنامج الإيراني، كل ذلك من أجل ترسيخ فكرة اتجاه العالم أكثر نحو هشاشة استراتيجية وانتشار مخاطر تهديد السلم العالمي.
(خاص "عروبة 22")